السيناريو

 

نسمع دائماً أن لأي فيلم سيناريو خاص به... ترى ما هو السيناريو ؟

 

السيناريو عبارة عن فيلم على الورق وقد تستغرق كتابته عدة شهور ولكنه وقت غير ضائع ... فكلما زاد وصفاً ودقة كلما سهُل التنفيذ الفعلي للفيلم، وقبل وضع السيناريو للفيلم لا بد من تحضير الفكرة التي تكون موجودة في مخيلة المُنتج بحيث يمكنها إذا تمت بالقدر الكافي أن توجد فيلماً. وعملية تنمية الفكرة الأولى وتسجيلها على الورق تعرف في المجال السينمائي بأنها تحضير المعالجة، ويجب أن تبدو كسجل قصير بسيط في كتابته للموضوع المُقترح وتنحصر قيمتها في تسلسلها.

 

وفي رأي أصحاب الخبرة السينمائية:

أن السيناريو هو تحسين للفكرة الأصلية التي مرت بمرحلة المعالجة وهو سجل لعدة مناظر سينمائية مدونة بنفس ترتيب حدوث الوقائع يحمل كل منها رقماً موضحاً به مكان حدوثه... فإذا كانت القصة ستنقلنا إلى عدة أماكن فسنحتاج قطعاً إلى إعادة ترتيب المناظر بحيث يمكننا الإنتهاء من كل المناظر التي تخص مكاناً ما ... وبدون مراعاة لترتيبها الصحيح النهائي ... والسجل النهائي للمناظر المعاد تجميعها يُسمى بالسيناريو التنفيذي.

 

وهناك بعض الإصطلاحات الفنية الضرورية التي تستخدم في السيناريو منها كلمة " داخلي " وهي إختصار لمنظر داخلي ... " خارجي " ... أي إختصار منظر خارجي وهناك كلمة " قطع " وتعني نهاية محددة فجائية للمنظر ... وهناك " المزج " أي تداخل منظر في آخر للتعبير عن مضي فترة من الزمن.

 

ويستعمل فن السيناريو أيضاً بعض المصطلحات مثل " لقطة عامة متوسطة " و" لقطة قصيرة "، اللقطة العامة تعني منظراً عاماً للشخصيات الموجودة فيه وهي ضرورية لتوضيح المكان ... أما بالنسبة للقطة المتوسطة فهي تعني تقريب اللقطة البعيدة بحيث يسهل التعارف بين المتفرجين والممثلين ... وتستعمل اللقطة القريبة لتركيز إنتباه الجمهور على أي شخص أو أي شيء معيّن وذلك باستبعاد كل شيء سواه عن النظر.

 

وتوضح اللقطات طريقة معاملة مشهد بسيط يضّم مناظر خارجية وداخلية معاً وهي تحلل الموقف والأشخاص والمكان ولا تحتاج إلى إطالة التمثيل، من ذلك يتضح لنا أن أي إنتاج سينمائي يجب أن يتكون من أجزاء صغيرة.

ماهية السيناريو ومبادؤه

عندما بدأت السينما عام 1895، لم تكن بدايتها تعبر عن تقديم فن جديد، كما قدر لها أن تكون، بل ظهرت كاختراع، أو بدعة علمية، بالدرجة الأولى. فقد مّر ذلك الاختراع خلال سلسلة من الجهود المتواصلة، التي شارك فيها كل من المخترعين والمهندسين والصّناع والمصورين الفوتوغرافيين. وكان هدفهم في البداية، هو كيفية التوصل إلى  تصوير عنصر الحركة، والأجسام المتحركة، في الحياة الواقعية، ثم إمكانية صنع آلة الإعادة، لتحريك ما تم تصويره أمام المشاهدين.

وكانت هذه الصورة البدائية المحدودة، كافية لكي تنال رضاء كل من محققي هذا الاختراع وجماهير المشاهدين. فالسينمائي الأول، لم يكن الأمر يتطلب منه أكثر من اختيار أي موضوع متحرك من الواقع، ثم يضع الكاميرا أمامه ليدير ذراعها حتى ينتهي ما بداخلها من فيلم خام، ليخرج بقطعة محدودة الطول، بالغة القصر.

وفي حدود هذا الإطار، لم تكن السينما - بداهة ـ في حاجة إلى تعدد الشخصيات، التي قد تشترك في تكوين الفيلم السينمائي، بل كانت هناك شخصية رئيسية واحدة، يقع على عاتقها المهمة الأساسية لتحقيق ذلك، وكان هذا يتمثل في شخصية المصور.

وكان المصور يمسك زمام الأمور في يده، دون الحاجة إلى مخرج أو سيناريست أو مونتير؛ فقد كان هو كل أولئك. ثم بدأت السينما تتحول تدريجياً، من مرحلة تسجيل الأشياء المتحركة فقط، إلى مرحلة تصوير موقف له بداية ونهاية، أو موقف ينمو ويتطور.

ومع هذه التحولات، وجدت السينما طريقها لأن تصبح فناً، يبدأ في قطع رحلته الطويلة مبتدءاً بخطواته البدائية الأولى. ومن ثم فقد بدأ عمل المصور، أو الشخص الأوحد في عمل الفيلم السينمائي الأول، يتدرج نحو التشعب والتعدد، إلى الدرجة التي أصبح يوجد معها صعوبة في تنفيذ الفيلم، وعلى ذلك فقد كان على المصور أن يتخلى من بعض المهام الرئيسية ليوكلها إلى مساعدين له وكانت إحدى هذه المهام هي كتابة خطة لتصوير الفيلم، يتم التنفيذ طبقاً لها. وكانت تلك الخطوط هي الأولى على طريق كتابة السيناريو.

وفي هذه المرحلة، لم يكن التخصص في كتابة السيناريو يتخذ شكلاً متكاملاً، أو مواصفات محددة، سواءً من حيث شكل كتابة السيناريو أو الشخصية . وكان كل ما يهم هو الإعداد لموقف متطور، بصورة تقريبية، تحمل في جوهرها الخط الرئيسي للفيلم، وطريقة تسلسل أجزائه الأساسية.

ومن هنا، فإن شخصية السِّيناريست الأولى لم تظهر كشخصية واحدة، تتولى كتابة السيناريو كاملاً، بل بدأ ظهورها في إطار عدد من الشخصيات، تكمل بعضها، من أجل إعداد السيناريو ككل.

فقد كان هناك نوع من الُكّتاب، تنحصر مهمته الرئيسية في تكوين الفكرة العامة للفيلم، وكاتب آخر مهمته كتابة المواقف، التي تطغي على الموضوع الأصلي من خلال استخدام عنصري التشويق والتسلية، وكاتب ثالث متخصص في تعديل المواقف، مع إضافة اللمسات الكوميدية إليها، ثم كاتب رابع مهمته ربط سياق الفيلم، عن طريق كتابة عناوين الشّرح وعبارات التعليق، في المواقع المناسبة، لتوضيح أحداث الفيلم، أو سد النقص، الذي لا تغطيه الصورة.

كما كان هناك مشرف أخصائي، يُشرف على عمل كل هؤلاء الكتاب،  بالتوجيه والمراجعة، ثم توحيد أعمالهم في سبيل تكوين السيناريو التقريبي للتنفيذ.

وربما بدت هذه الصورة الأولى لكتابة السيناريو، كأنها صورة لنوع من التخصص الدقيق، لكنها جاءت نتيجة لشكل الإنتاج السينمائي في مراحله الأولى، حيث كانت تُنتج الأفلام بأطوال محدودة وقصيرة، وأعداد كبيرة، يتم الانتهاء منها في أسرع وقت ممكن. وأياً كانت الصورة، فقد كانت تلك هي البداية لنشأة السيناريو.

أعلى الصفحة

مدخل إلى السيناريو

أولاً: تعريف السيناريو:

لعل من الظواهر الشائعة في هذا المجال، أن غالبية السينمائيين يفكرون في معنى السيناريو على أنه القصة السينمائية، أو أنه القصة أو الرواية المكتوبة بلغة السينما، التي تعتمد على الصورة. والخطأ الأساسي في مثل هذا التصور، يبدو في افتراضه أن السيناريو يعنى بالضرورة تكويناً روائياً، أو قصصياً، على وجه التحديد. وقد يعود الوقوع في هذا الخطأ إلى غلبة تأثير القالب الروائي على معظم أفلام السينما. وقد يرجع، كذلك، إلى أصل كلمة "سيناريو" ذاتها، المأخوذة أصلا من اللغة الإيطالية، كاشتقاق من كلمة (سينا) "Scena" أي المنظر، التي شاع استخدامها في اللغات الأوروبية في القرن التاسع عشر، لتعني النّص المسرحي، بما فيه من مواصفات فنية.

وسواء كان هذا أو ذاك، فإن كلمة سيناريو في السينما ينبغي أن يُغطي معناها كل الفصائل السينمائية الرئيسية، من روائية أو تسجيلية أو جمالية، وليست الفصيلة الروائية فقط. ولعل هذه الضرورة هي التي أنشأت مصطلح "Screen Play" لتعني "السيناريو الروائي"، ثم مصطلح  Script، ومعناها الحرفي "النص الكتابي"، لتعني أية صورة أو فصيلة من فصائل السيناريو السينمائي.

وعلى ذلك، فإنَ محاولة إيجاد تعريف علمي لطبيعة السيناريو، يقتضي تأمل بعض التعريفات، التي وردت في كتابات دارسي السينما، وتعكس شيئاً من التباين، مرجعه نقطة الانطلاق التي يختارها كل كاتب، على الرغم من أنهم جميعاً يعنون الشيء نفسه.

وعلى سبيل المثال، فإن لويس هيرمان Lewis Herman عرَف السيناريو بأنه خطة وصفية تفصيلية مكتوبة في تسلسل، يجمع بين كل من الصورة والصوت، وتقديم هذه الخطة إلى المخرج، الذي يتولى تنفيذها أي تحويلها إلى واقع مرئي سمعي".

أما ريموند سبويتوود Raymond spoitood، فإنه يعرَف السيناريو من خلال تحليله لطبيعة دور الكلمة المستخدمة في كتابه، فيقول: "إن السيناريو هو تسجيل المعاني المصورة، باستخدام الكلمات، التي يمكن ترجمتها فيما بعد إلى انطباعات مصورة بواسطة الكاميرا والمخرج، وعلى ذلك فإن السيناريو على الرغم من اعتماده على الكلمة في كتابته، فإنه ينشأ من الصورة أولاً".

أما يوروفكين Yorofkin   فيعرف السيناريو:" بأنه فيلم المستقبل" .. أو بعبارة أخرى "هو الفيلم المكتوب على الورق".

وقد يُمكن، بعد استعراض كل ما تقدم، الوصول إلى تعريف آخر للسيناريو، قد يجمع بين كل مميزات التعريفات السابقة، أو يغطى نقصاً قد يشوب إحداها، وهو "أن السيناريو هو التأليف، أو الصياغة السينمائية، لموضوع الفيلم، في شكل كتابي يوضح تفاصيل وتسلسل الصور البصرية ـ الصوتية، التي ستظهر فيلم المستقبل".

ثانياً: الفصائل الرئيسية للسيناريو:

إن معرفة كاتب السيناريو لطبيعة اللغة السينمائية، والقواعد العامة، التي تحكم كتابة السيناريو، لا تعنى بالضرورة أنه قادر على إتقان كتابة كل سيناريو يعرض عليه، ذلك أنَ للسيناريو أنماط متباينة لكل منها طبيعة خاصة، بينما قد يكون كاتب السيناريو بارعاً أو موهوباً في كتابة نوعية معينة دون أخرى، أو أن نوعية السيناريو قد تتطلب استعداداً خاصاً من كاتب السيناريو بصرف النظر عما قد يتمتع به من براعة أو موهبة شخصية.

ومن الناحية الأخرى، فإنَ النظرة إلى كتابة السيناريو كعمل خلاق، لا تعنى بالضرورة أن حرية الخلق عند كاتب السيناريو تمارس  بالقدر نفسه، في كل فصائل السيناريو، بل قد تهبط إلى حدها الأدنى في فصيلة معينة، وترتفع إلى حدها الأقصى في فصيلة أخرى، وذلك حسب نوع كل فصيلة، وما تتيحه طبيعتها للكاتب الفنان، في مجال يمارس في حدوده قدرته الخلاقة.

وتنقسم فصائل السيناريو إلى شرائح ثلاث رئيسية، هي:

Ø    الأفلام ذات الصيغة الموضوعية Objective Films.

Ø    الأفلام ذات الصيغة الذاتية أو الجمالية Subjective or Aesthetic Films.

Ø    الأفلام ذات الصيغة الروائية  Narrative (Theatrical) Films

Ø    الأفلام ذات الصيغة الموضوعية Objective Films:

ويقصد بها ذلك النوع من الأفلام، الذي يأخذ شكلاً موضوعياً، ويعتمد أساساً على البحث عن الحقيقة، ويأخذ مادته من الواقع مباشرة، أو إعادة تكوينه  للهدف نفسه، وهو تقديم تلك الحقيقة بطريقة موضوعية.

وبعبارة أخرى، فإن هذا النوع من الأفلام، يأخذ الصيغة التسجيلية، التي تقوم على تسجيل وشرح وقائع وأحداث الحياة العامة واليومية، والموضوعات العلمية أو التوجيهية، وذلك بنقل حقائقها وتفاصيلها في أسلوب موضوعي أو علمي. ويُسمى هذا النوع من الأفلام "الفيلم التسجيلي Documentary Film"، خاصة عندما يتناول تسجيل وقائع وأحداث الحياة، أو أسلوب الحياة في بيئة محددة، أو لفئة معينة من الناس، أو قد يُسمى "فيلم الحقيقة Film of Act" أو الفيلم غير الخيالي "Non- Fiction Film"، أي الذي لا يتدخل فيه خيال الفنان، لأنه لا يهدف إلا إلى تقديم الحقيقة.

وأيا كانت التسميات، التي تُطلق على هذا النوع، فإنها تحوى في داخلها بعض أنواع تابعة تستلزم في بعض الأحيان تسميات خاصة بها، كتحديد أدق؛ ومن أمثلة ذلك:

أ. الأفلام التعليمية "Educational Films"

وهي التي تتناول موضوعاً علمياً، سواء بجميع تفاصيله في الحياة أو الكتب، وذلك بهدف إعداد فيلم لغرض تعليمي أو وثائقي.

ب. الأفلام الإرشادية "Instructional Films"  

وهي التي تتناول تقديم معلومات وتوجيهات معينة، لفئة خاصة، أو للجمهور عموماً، مثل فيلم عن قواعد المرور، أو فيلم عن الوقاية من قنابل النابلم، أو أخطار الحرب.

ج. الأفلام التدريبية "Training Films"

وهي الأفلام، التي تُسجل تفاصيل وخطوات المراحل التدريبية الخاصة باستخدام جهاز معين، أو آلة خاصة، بهدف شرح كيفية استخدامها، أو تدريب فئة مخصصة عليها.

د. الأفلام الصناعية أو التجارية "Industrial and Commercial Films"

وهي الأفلام التي تتناول تفاصيل صناعية معينة، أو مراحل إنتاج سلعة أو منتج ما.

وهذا النوع من الأفلام تحكمه قواعد عامة، عند كتابة السيناريو، مثل:

.1 التزام الموضوعية في الكتابة والتكوين، لأن هذه الأفلام تهدف أساساً إلى البحث عن الحقيقة، ونقل صورة صادقة عن الواقع.

.2الإتقان في الترتيب المنطقي للأفكار، في إطار سلس ومؤثر،حتى تستحوذ على انتباه المشاهد لمتابعة الفيلم في كل جزئياته من البداية للنهاية، خاصة أن بعضاً من هذه الأفلام تكون مادتها جافة، وتستلزم نوعاً من البراعة في توصيلها للمشاهد.

.3الاعتماد على التعليق بالصوت، من حيث شرح الصورة أو تكملتها، بمعنى أنه يشرح المعلومات التي يصعب تصويرها، ومن هنا تلعب الكلمة دوراً مهماً في هذا النوع من الأفلام، لا تقل أهميتها عن دور الصورة.

.4محدودية مجال الانطلاق الخلاّق للفنان، الذي قد يصل إلى حده الأدنى، وذلك من حيث أن التعامل هنا يتم أساساً مع نقل الواقع أو الحقيقة، في صدق وأمانة.

وهناك أنواع أخرى خاصة من هذه الأفلام، هي الدعاية السياسية، ويبدو هذا النوع  في ظاهره كأنه يقدم حقائق موضوعية، ولكنها تُخفي في باطنها الكثير من وسائل صب هذه الحقائق في قالب محدد، قد تصنعه المبالغة، أو التعريف المستتر، أو الإخفاء المتعمد لتفاصيل معينة، تقلل من صدق أو قيمة المعلومات المقدمة. وكل ذلك يحدث لأن هدف الفيلم الأساسي دعائي محض.

أعلى الصفحة

2. الأفلام ذات الصبغة الذاتية، أو الجمالية "Subjective or Aesthetic Films"

هي الأفلام التي تعتمد أساساً على توظيف جماليات السينما، وإعطاء حرية واسعة لذاتية الفنان، كي ينطلق بخياله وقدراته الخلاقة، إلى حد يصل عدم التقيد بالواقع أو المنطق، بل ينطلق بخياله إلى آفاق يعمد فيها إلى تحريف الواقع وإخضاعه لرؤيته الفنية الخاصة، فيقدم الفيلم في شكـل فني خالص، قد لا يحمـل مضموناً. أي أنه يقدم ما يُسمى بالسينما الخالصة، أو الفيلم المطلق "Absolute"، حيث يعتبر الشكل المجرد لتكوين الصور، وتركيبها مع الصوتيات.

وعلى ذلك، فإن هذا النوع من الأفلام يضع الفنان السينمائي في موقف مخالف تماماً لموقفه من الأفلام ذات الصبغة الموضوعية. فبينما هو في تلك يكون في وضع المرتبط بالواقع أو الملتزم بالموضوعية والمنطق، فإنه في هذه يصبح ممتلكاً لحرية البعد الكامل عن كل ذلك، وبعبارة أخرى، فبينما يصبح التزامه بالواقع والموضوعية محدداً لحريته الخلاقة، فإنه يصبح في مجال الأفلام الذاتية، مالكاً لأقصى درجات حرية الخلق.

وفي مثل هذه الأفلام، فإن هدف الفنان قد يتمثل أساساً في تحريك مشاعر المشاهد وحواسه بالدرجة الأولي، إلى حدٍ قد يصل إلى خلق الأحاسيس المجددة فقط. فقد يهدف الفيلم إلى خلق جو نفسي أو خيال خاص، مثل إحساس عام بالجمال، أو التوتر، أو القلق، أو الخوف، أو مزيج من هذه المشاعر كلها.

أما عن هذا النوع من الأفلام، فقد يتسم شكلها العام بمظهر المحاولات التجريبية، من حيث تقديم استخدامات جديدة في توظيف الكاميرا، أو الوسائل المونتاجية، أو تركيب بعض عناصر الواقع تركيباً جديداً. فيُسمى الفيلم، من هذه الناحية، تجريبياً "Experimental Film". وقد يقترب هذا النوع في الشكل العام، من المذاهب المعروفة في الفن التشكيلي، فتكتسب صفتها، كأن يُعد الفيلم تعبيرياً أو سيريالياً. وقد يسمى الفيلم جمالياً "Aesthetic Film"، عندما لا تنطبق عليه المواصفات، التي تدخل تحت تسمية محددة.

3. الأفلام ذات الصبغة الروائية "Narrative Films"

ويقصد بها، تلك الأفلام التي تأخذ قالب الرواية أو القصة، وهي تأخذ موقعاً فريداً متميزاً بين الأنواع الأخرى للأسباب الآتية:

أ. تُمثل السينما الشائعة، التي تؤثر في أوسع قاعدة جماهيرية ممكنة.

ب. بينما تمثل الأفلام ذات الصبغة الموضوعية، التزاما أساساً بالصدق في نقل الواقع، وبينما تجنح الأفلام ذات الصفة الذاتية إلى قمة الخلق الحر، فإن الفيلم الروائي يأخذ مكاناً وسطاً بينهما. فهو، من ناحية، يحاول أن يحاكى الواقع، أو يرتبط بمضمون، أو موضوع نابع منه، ولكنه من الناحية الأخرى، يُقدم لنا ذلك من خلال قالب ابتكاري نابع من ذات الفنان. وعلى ذلك فالفيلم الروائي يُقدم من خلال إطار يمتزج فيه الجانب الموضوعي مع الجانب الخيالي، وبدرجات متفاوتة تخضع لنوع الفيلم الذي يتم التعامل معه. وتتعدد أنواع الفيلم الروائي بشكل كبير يجعلها تتراوح بين قمة الجدية وقاع الهزل، أو بين الاقتراب الشديد من الواقعية والجنوح الكبير إلى الخيال. ومن أمثلة هذا النوع " دراما المشاكل الاجتماعية، والكوميديا الهزلية، والأفلام الحربية، وأفلام الرعب،  والأفلام الموسيقية، وأفلام الجريمة، والأفلام الرومانسية، وأفلام السيرة الشخصية،  والأفلام الميلودرامية، والأفلام البوليسية، وأفلام الخيال العلمي، والأفلام النفسية، والأفلام الروائية التسجيلية".

ويخضع تركيب الفيلم الروائي  في تكوينه العام، لمزيج من القواعد الأساسية للتأليف المسرحي (الدراما)، وتأليف الرواية الأدبية، ألا أن الطبيعة الخاصة لوسائل التعبير السينمائية تميزه بفوارق رئيسية، عن كل من وسائل التعبير المسرحية والأدبية، وهذه الفوارق هي التي تؤسس أهم دعائم الفيلم الروائي، التي يوظفها في نقل الرواية إلى المشاهد، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذه الفوارق.

أ. المقارنة مع المسرح:

تتميز السينما عن المسرح، أساساً، بمرونة فائقة في عنصري المكان والزمان، فبينما يخضع كل من عنصري المكان والزمان في المسرح لوحدة موضوعية، فإن السينما يمكنها تشكيل هذين العنصرين بمرونة فائقة، وفقا لمقتضيات سرد أحداث رواية الفيلم، وما يراد التعبير عنه. ولذلك نطلق على عنصر المكان فـي السينمـا "المكان الفيلمي" (Filmic Space) وعلى عنصر الزمن، الزمن الفيلمي (Filmic Time) وتوضح المقارنة أدناه بين المسرح والسينما، من خلال هذين العنصرين، المقصود بهاتين التسميتين، كما تشرح ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في التعبير:

.1تتميز السينما عن المسرح بإمكانية تركيب الفيلم من لقطات متعددة، محدودة في الطول الزمني لكل منها، كما يمكن لأي منها أن تحوي مكاناً مغايراً، إذا أُريد ذلك، أو اقتضاها السرد السينمائي. ومن ثم فإن السينمائي يمكنه تشكيل الزمن الموضوعي (الواقعي)، الذي يعايشه في الواقع وفقا لما يريد، أي يمكنه ضغط الحدث الذي يشغل في الواقع حيزاً زمنياً مداه ساعة، مثلاً، إلى دقائق معدودات، أو أكثر أو اقل. والعكس صحيح، ففي بعض الحالات يمكنه إطالة معادل الوحدة الزمنية الواقعية سينمائياً، إلى ما يزيد عليها في الواقع، إذا اقتضت الظروف ذلك.

.2أما في المسرح فإن الوحدة الزمنية تتدفق بكاملها، كما يحدث في الواقع دون اقتطاع منها أو إضافة إليها. وبالمثل إذا أريد الانتقال من وحدة زمنية إلى وحدة زمنية أخرى في المسرح، فإن ذلك لا يتم ألا بإنزال الستار، أو إنهاء المنظر بإظلام المسرح، أو باستخدام المسرح الدائري.

.3ويستطيع السينمائي دائماً الانتقال اللحظي من وحدة زمنية إلى أخرى جديدة، حال وصله لنقطتين بعضهما ببعض، وكذلك الأمر في المكان الفيلمي، فإن السينما تستطيع الانتقال اللحظي أيضاً من مكان إلى آخر جديد، الأمر الذي لا يمكن تنفيذه في المسرح ألا بإنزال الستار أو الإظلام، كما في تغيير الوحدة الزمنية.

.4تستطيع السينما تغيير وجهة نظر المتفرج داخل المكان الواحد، من حيث المسافة والزاوية، فتقترب الكاميرا في عمق المنظر، أو تبتعد منه، وتُغير وضعها إلى اليمين أو اليسار، وإلى أعلى أو إلى أسفل. أما في حالة المسرح، فإن المتفرج يظل ناظراً إلى المسرحية من وجهة نظر واحدة وثابتة، من حيث الزاوية والمسافة. وعلى هذا الفارق الرئيسي تترتب للسينما ميزات مهمة تتفوق بها على المسرح. فهي تنقل المشاهد إلى قلب الحدث ليرى أدق الأشياء، التي قد تكون صغيرة بطبيعتها، كما يرى أدق التعبيرات الصادرة من الممثلين، وقد تغنيه عن الكثير من العبارات التي قد يلجأ إليها المسرح، لتوصيل المعنى للمشاهد.

.5إن ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في عنصري المكان والزمان، يتيح لها ميزة نقل المشاهد إلى قلب الأحداث ليعايشها بصورة أقوى، ويندمج وينتقل معها بصورة أشد تأثيراً من المسرح.

أعلى الصفحة

 ب. المقارنة مع الرواية الأدبية

على الرغم من استخدام كل من السيناريو والرواية الأدبية، الكلمة وسيلة للتعبير، إلا أن دور الكلمة في كل منهما يختلف اختلافاً بينا، ويرجع ذلك أساساً إلى العديد من الاختلافات بين طبيعة كل من السيناريو والسينما عموماً، من ناحية، والرواية الأدبية، من الناحية الأخرى، وتتمثل هذه الاختلافات في الآتي:

.1إن السيناريو السينمائي يُكتب بلغة خاصة، موجهة إلى الفنيين الذين يتولون تحويله إلـى فيلم سينمائي، يتلقاه المشاهد مباشرة كصورة مرئية ـ صوتية "Aural Amage  Visual". وعلى ذلك فإن دور الكلمة في كتابة السيناريو، دور مؤقت لوصف كل ما يمكن رؤيته وسمعه فقط، وبعبارة أخرى، فإن الكاتب السينمائي في كتابته للسيناريو مقيد بحدود الواقع الملموس، أي الواقع المادي Physical Reality .

.2أما على الجانب الآخر، فإن أهم ما يميَز طبيعة عمل مؤلف الرواية الأدبية، هو استخدام الكلمة، ليقدم للقارئ صورة ذهنية "Mental Image". أي أنّ الأديب يستخدم الكلمة لترجمة خياله، وعلى القارئ أن يعيد تجسيد الصورة في خياله من خلال الكلمة، أي أن القارئ لا يتلقى هذا الخيال بصورة حية مباشرة، كما يحدث في حالة مشاهد الفيلم السينمائي.

.3يترتب على ذلك الفارق الجوهري، بين طبيعة وسيلتي التعبير، أنّ الكاتب السينمائي مقيد في لغته بحدود الواقع المادي فقط، بينما الأديب الروائي يمكنه تجاوز هذه الحدود إلى مجال أوسع، حيث تتناول لغته أيضاً الواقع النفسي أو الروحي، كما تتناول أدق الأفكار المجردة. فعندما يتعرض كاتب السيناريو للواقع النفسي لشخصية ما، فإنه مقيد بوصف الانعكاسات الخارجية المَحسوسة، التي تترجم هذا الواقع وتعبر عنه بكل من الصوت والصورة، أما الروائي الأديب فإنه يستطيع أن يتوغل داخل النفس البشرية، ليصور ما يحدث في داخلها، فيصف انفعالاتها بما شاء من الأوصاف المجردة، والتشبيهات والاستعارات والرموز، التي لا يستطيع الكاتب السينمائي استخدامها، أو قد يستخدمها بحذر شديد وفي حدود ضيقة جداً، وللتوضيح فقط، وليس لتجسيدها كصورة.

.4إضافة إلى الفارق الجوهري بين طبيعة كل من الوسيلتين، فإن هناك عدداً من الفوارق الأخرى، التي تشكل الصورة العامة للاختلاف، بين رؤية السينمائي ورؤية الأديب الروائي، وهي:

.1أن الفيلم السينمائي يعرض على المشاهد في تدفق مستمر ودفعه واحدة، ومن ثم فإن المشاهد يفتقد إمكانية استعادة ما يكون قد صعب عليه فهمه، أو رغبته في تأمل المعنى الكامن في مشهد سابق، أما قارئ الرواية، فيستطيع، بالطبع، أن يُعيد قراءة بعض أجزائها أو التوقف لتأمل معاني بعض الفقرات. هذا فضلاً عن إمكانية قراءة الرواية على فترات زمنية متفرقة، متقاربة أو متباعدة.

.2يستطيع الروائي أن يسهب في إعطاء الصفات المميزة، أو المحددة لشخصية ما دفعة واحدة، أو في حيز متصل، فضلاً عن قدرته على التوقف عند كل شخصية جديدة لوصفها على حدة، بينما يُقدم العمل السينمائي أوصاف الشخصية من خلال رؤيتها، ومن خلال أفعالها وأقوالها، التي تتوزع على مراحل الرواية، وتتشابك مع أفعال وأقوال الشخصيات الأخرى.

.3تعطى الرواية الأدبية انطباعاً بوقوع أحداثها في زمن ماضي، بينما يُعطى سرد الفيلم انطباعاً بوقوعها في الزمن الحاضر.

.4يتمتع الروائي بحرية واسعة في إيقاف التدفق الطبيعي للأحداث، والارتداد إلى حدث سابق ليسرده في إسهاب، بينما الكاتب السينمائي يعود إلى أحداث الماضي في حدود ضيقة، عندما يتطلب التكوين الخاص بالسيناريو، مثل هذا الأسلوب.