التكون التاريخي والحضاري للمواقف البيروتيّة     

( صفحات مضيئة من تاريخ بيروت ) 

     

 الفصل الثاني

لقد حدث تفاعل بين البيروتي ومدينته، فأثر فيها وتأثر بها، ونتيجة الأحداث السياسيّة والعسكريّة تبلورت المواقف البيروتية، وكانت مواقف أهل بيروت جزءاً لا يتجزاء من مواقف الدولة والخلافة الإسلاميّة عبر التاريخ، غير أن ذلك لا يعني مطلقاً سكوت البيروتي على الظلم والعدوان وإن كان من خليفة إسلامي، وهنا لا بد أن نذكر موقف إمام بيروت وأهل الشام الإمام الأوزاعي الذي كان يعتبر في مقدمة المرابطين في بيروت، وفي الدفاع عنها، غير أنه وقف ضد الوالي العباسي والي دمشق صالح بن علي عندما بدأ بمهاجمة القرى المسيحيّة في منطقة المنيطرة وأعمل القتل والتدمير دون تمييز بين العصاة والأبرياء عام760م. وكتب إلى الخليفة العباسي المصور قائلاً : (...فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة، حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحكم الله تعالى أن لا تزر وازرة وزر أخرى. وهو أحق ممن وقف عنده واقتدى به وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه قال : " من ظلم معاهداً وكلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه " .

 

وبرز في العهد العباسي الجد الأول لآل النعمان ونعماني وهو الأمير نعمان بن عامر بن إرسلان الذي تولى عام 257هـ 871م حكم بيروت وصيدا والمناطق المحيطة بها. وكان في مقدمة الأعمال والنشاطات التي قام بها الأمير نعمان هي حروبه ضد المردة عام 262هـ 876م وضد الإفرنج الذين حاولوا السيطرة والنزول في منطقة رأس بيروت عام 303هـ 917م وقد إستطاع القضاء على من حاول النزول وطرد البقية الباقية منهم. واستمرت المواقف البيروتيّة تبرز خلال الحكم الإسلامي وحكم الإفرنج، سواء على صعيد الأفراد في بيروت أم على صعيد الجماعة. وقد استطاع أهل بيروت بالتعاون مع المماليك من إلحاق الهزائم بالإفرنج والمشاركة في تحرير المدن الإسلاميّة. ففي عهد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون، وبعد تحرير عكا في 17 جمادى الآخرة عام 690هـ 18 أيار 1291م، أوكل إلى الأمير سنجر الشجاعي مهمة تحرير بيروت، وقد استطاع هذا الأمير مع مسلمي بيروت من تحرير المدينة من الإفرنج، وذلك في 22 رجب عام690هـ الموافق 23 تمّوز عام 1291م. وقد إستقبل الأمير سنجر في بيروت إستقبالاً حاراً. وقد أُعجب الأمير سنجر بأهل بيروت فأقام وتزوج منها، وهو يعتبر الجد الأول لعائلة سنجر البيروتيّة المقيمة في الطريق الجديدة والنويري والمنتشرة في مناطق بيروتيّة عديدة. كما تولى حكم مدينة بيروت في العهد المملوكي الكثير من الأمراء منهم ناصر الدين محمد بن سويدان الجد الأول لأسرة سويدان البيروتيّة.