التكون التاريخي والحضاري للمواقف البيروتيّة       

( صفحات مضيئة من تاريخ بيروت )

     

الفصل الثالث

ولما بدأ أهل قبرص يؤلبون ملكهم بيار لوزينيان على غزو بيروت والمدن الإسلاميّة إنتقاماً من المماليك، بدأ أهل بيروت يحصنون مدينتهم للدفاع عنها ضد الغزو، فأقاموا الحصون والأبراج في عهد السلطان برقوق 784/791هـ 1382/1389م وفي عهد والي دمشق الأمير بيدمر الخوارزمي. وبدأت إنتقامات المماليك من سكان جبل لبنان المتعاونين مع الإفرنج، ورأى المماليك أنه لا بد من غزو جزيرة قبرص باعتبارها قاعدة صليبيّة خطرة. وباتت بيروت قاعدة أساسيّة لشن الحملات على قبرص. وتجمهر المجاهدون في مرفأ بيروت في رمضان عام 827هـ الموافق للعام 1424م وإنطلقت سفن الحملة وقادتها إلى قبرص، وشن المسلمون الغارات وتعقبوا الأسطول القبرصي وهزموا القبارصة وأسروا حوالي سبعمائة أسير قبرصي. ولما عادت الحملة الإسلاميّة أقيمت إحتفالات كبرى في القاهرة وبيروت وطرابلس والشام ودمشق إبتهاجاً وفرحاً.

 

ولما خضعت بيروت وبلاد الشام للحكم العُثماني إبتداء من عام 922هـ/1516م بعد إنتصار العُثمانيين على المماليك في معركتي برج دابق 1516م و1517م، قامت بيروت بدور بارز، وإن كانت خضعت لحكم أمراء الجبل وفي مقدمتهم الأمير فخر الدين المعني الثاني(ولايته 1590/1635م) ثم أمراء آل شهاب.

 

لقد شهدت بيروت أحداثاً كثيرة في العهد العُثماني ومواقف عديدة من أفرادها وسكانها. فنتيجة للخلافات العُثمانيّة/اليونانيّة، هاجم الأسطول اليوناني مرافئ الدولة العُثمانيّة، وقد قصف الأسطول اليوناني بيروت عام 1241هـ 1825م. فما كان من سكان بيروت إلا أن تداعوا للدفاع عن مدينتهم بالتعاون مع العُثمانيين. وكان الأسطول اليوناني قد توقف قبالة مرفأ بيروت ثم قبالة مقبرة السمطيّة، ثم إتجه بإتجاه الرملة البيضاء والجناح، وما التغيير المستمر في مواقعه إلا نتيجة لدفاع أهل بيروت وقصفه بقصف مضاد إلى إن اضطر إلى الرحيل عن شواطئ بيروت. وكان صمود البيارتة مشجعاً لسلطان العُثماني محمود للطلب إلى والي مصر محمد علي باشا للإقتصاص من اليونان والقضاء على ثورتهم.