من بيروت الصغرى إلى بيروت الكبرى

الفصل الثالث

 

بعد أن خضعت بيروت وبلاد الشام للحكم المصري عام 1831م ولغاية عام 1840م، شهدت بيروت تطوراً إقتصاديّاً وإجتماعيّاً بارزاً. ولما بدأ إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر بتوسيع نطاقها اضطر إلى هدم أجزاء من سورها. وعندما قصفت مدافع الأساطيل البريطانيّة والروسيّة والنمساويّة بيروت عام 1840م تهدمت أجزاء أخرى من السور ومن أحياء المدينة. ولما تسلمها العُثمانيون فيما بعد جعلوها مركزاً إداريّاً للمنطقة.

 

ونتيجة لأحداث عام 1842 و1845م والأحداث الكبرى عام 1860م في جبل لبنان، ونظراً لإستقرار الوضع في بيروت في هذه الفترة ، التجأ الآلاف من سكان الجبل إليها، وقدّر عدد الأرامل اللائي جئن إلى بيروت مع أولادهن بنحو 1500 نسمة، بإستثناء بقية المهجرين. وكان عدد سكان بيروت عام 1848م لا يزيد على 15.000 نسمة. هذه الأمور الأمنيّة أدت تلقائيّاً إلى زيادة عدد سكان بيروت، إضافة إلى ذلك فقد فضل الكثير من جنود إبراهيم باشا البقاء في بيروت بعد إنسحاب الجيش المصري منها عام 1840م، الذي كان في عداده جنسيات مصريّة وشاميّة وألبانيّة وسودانيّة، مما رفع وزاد عدد السكان في بيروت عام 1860م إلى 46.000 نسمة.

 

ومن الأهميّة بمكان القول أن بيروت استرعت اهتمام القناصل الأجانب والتجّار من مختلف المناطق، مما دفع بالتجّار الفرنسيين المقيمين في صيدا للكتابة إلى حكومتهم منذ عام 1753م، وقد طلبوا إرسال بعض التجّار والصنّاع إلى بيروت وجوارها من بين الذين يفهمون في غزل القطن. وقد قام مرفأ بيروت بدور هام في إستقطاب التجّار والصنّاع والمزارعين، مما أدى إلى توسيع عمراني وإقتصادي في جوار المرفأ، فاتخذ التجّار الأجانب والعرب أماكن لهم في الخانات (وهي الفنادق اليوم) إزاء المرفأ وبجانبه. وأشارت التقارير الدبلوماسيّة إلى أن مرفأ بيروت كان في القرن التاسع عشر بمثابة (خلية نحل) حيث يلتقي التاجر البيروتي بالتاجر الفرنسي والتاجر الإيطالي والتاجر المالطي والتاجر النمساوي. كما يلتقي بتجّار الإسكندريّة ودمياط والمغرب ودمشق وحلب وحمص وحماه.

 

وكانت حركة التجارة في مرفأ بيروت حركة نشطة، حيث كان الجبل اللبناني يزود تجّار بيروت بـ 1800 قنطار من الحرير، يُصدّر الجزء الأكبر منها إلى الخارج. وفي أوائل القرن التاسع عشر بلغ عدد السفن الإنجليزيّة في مرفأ بيروت 150 سفينة في كل عام. لذا رأينا الحكم العُثماني يهتم بهذا المرفأ ويتفاوض مع الشركات الأجنبيّة لتوسيعه والإهتمام به على غرار ما حدث أعوام 1863 و1880 و1887 و1889 و1894.