توزيع السكان والكثافة السكانيّة في بيروت    

الفصل الأول

تتميز بيروت بالكثافة السكانيّة وهي تفوق الكثير من الدول العربيّة بهذه النسبة من الكثافة. وكان يعيش في داخل حدودها الإداريّة 47.000 عام 1970م في مساحة قدرها 18 كيلومتراً مربع، وبمتوسط عام للكثافة يصل إلى 26.400 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.

ومعنى ذلك أن الكثافة السكانيّة في بيروت أكثر من الكثافة السكانيّة في القاهرة قياساً على مساحتها. فقد بلغت الكثافة في القاهرة عام 1966م ما يقارب 19.600 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد.

 

والملاحظ إن الكثافة السكانيّة كانت تتزايد باستمرار في بيروت. ففي عام 1953م مثلاً كانت الكثافة 17.000 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد، فارتفعت عام 1959م إلى 2.000 نسمة، ثم أرتفعت مجدداً في عام 1970م إلى 26.400 نسمة. ثم تضاعفت خلال الأحداث اللبنانيّة بين 1975-1990م إلى أكثر من خمسين ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. علماُ أن مناطق استأثرت بهذه النسبة، في حين أن مناطق تماس التوتر الأمني الدائم كانت شبه خالية من السكان، وفي الوقت الذي كانت فيه منطقة الأوزاعي خالية إلا من ندر من السكان، فإذا بها تشهد ازدحاماً سكانيًّا إبتداء من عام 1958م، ثم تكاثر العدد بعد عام 1975م بشكل مذهل.

 

وتنقسم مدينة بيروت إلى أثني عشر قسماً إدارايّاً وهي :

الأشرفيّة
الرميل
المدّور
الصيفي
المزرعة
المصيطبة
رأس بيروت
عين المريّسة
ميناء الحصن
زقاق البلاط
الباشورة
المرفأ

يمكن الرجوع إلى زواية الأحياء والشوارع للتعرف على كل منطقة مذكورة أعلاه

 

وهذه الأقسام تمثل الدوائر الإنتخابيّة الثلاث في بيروت، والتي باتت دائرة إنتخابيّة واحدة، ثم قُسّمت مجدداً إلى ثلاث دوائر أنتخابيّة في إنتخابات عام 2000م.

 

وكانت مناطق المزرعة والمصيطبة والأشرفيّة والمدّور تحظى بأكثر من نصف عدد سكان بيروت. ففي عام 1943م كانت تحظى بـ 44% من السكان، في حين بلغت النسبة 53% عام 1954م، ولم تتغيّر النسبة كثيراً عام 1965م حيث استأثرت تلك المناطق بـ 54% من السكان. واستمرت هذه النسبة إلى قبيل أحداث عام 1975م. ولكن لا بد من توضيح الأمر التالي: وهو عندما يقال منطقة المزرعة لا يُقصد بها حي المزرعة فحسب، وإنما دائرة المزرعة التي تضمّ أحياء ومناطق عديدة في بيروت جنوب وشمال الخط الفاصل أي كورنيش المزرعة، بالإضافة إلى مناطق في الشرق والغرب من هذا الكورنيش، تصل إلى المتحف الوطني شرقاً وإلى آخر كورنيش المزرعة غرباً. وهكذا بالنسبة لبقية الدوائر الإداريّة. لذا يمكن القول أن الأحياء الواقعة في دوائر بيروت تختلف أيضاً نسبة الكثافة فيها من حين إلى آخر. ففي حين نرى أن الكثافة السكانيّة كانت تصل إلى أقصاها في الستينات في حي البسطة حيث تزيد على 50.000 نسمة في الكيلومتر المربع، ويليه في ذلك حي المزرعة الذي تصل الكثافة فيه إلى 45.000 نسمة في الكيلومتر المربع. فإذا بضاحية بيروت الجنوبيّة بدأت بمنافسة الأحياء الداخليّة لا سيما في الفترة الممتدة بين 1970-1990م أي في الثلاثين سنة الأخيرة. وكانت الكثافة قد تمركزت في فترة من الفترات في شارع صبرا ووطى المصيطبة وشاتيلا والكرنتينا وبرج حمّود. ويلاحظ بأن بيروت الكبرى، غير بيروت التاريخيّة، تضمّ الضواحي التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي :

1.   Immédiate الضواحي الملاصقة مباشرة لبيروت وتشمل منطقة الغبيري والشيّاح وبرج البراجنة وفرن الشباك وبرج حمّود وسن الفيل والشويفات وبعبدا وكفرشيما.

2.   Proche القريبة وتشمل مناطق الدكوانة والجديدة وأنطلياس وجونيه وخلدة والناعمة وبشامون وعرمون والدامور ...

3.   Lointains الضواحي البعيدة وتشمل كسروان والمتن الشمالي والمتن الجنوبي وعاليه والشوف والسعديات ونهر الكلب.

 

وكان عدد سكان بيروت في عام 1970م حوالي المليون نسمة وبالتحديد 957.770 نسمة موزعين على مناطق وأحياء بيروت والغبيري وفرن الشباك وبرج حمّود والشويفات وبعبدا وسن الفيل. وهذا العدد كان يعيش في مساحة 67.4 كيلومتراً مربعاً هي مساحة بيروت الكبرى وقتذاك. وقد وصل عدد سكان بيروت الكبرى في بعض سنوات الحرب بين 1975-1990م أكثر من مليون ونصف مليون نسمة تبعاً لعمليات الفرز السكاني السياسي والطائفي التي وقعت خارج بيروت، مما سبب في عمليات التهجير الجماعيّة إما إلى مناطق بيروت الغربيّة وإما إلى مناطق بيروت الشرقيّة.

 

والجدير بالذكر أن إحصاء رسميّاً أو شبه رسمي لا يوجد في الوقت الحاضر لعدد سكان بيروت لا سيما بعد إدخال عشرات الآلاف من المجنسين من جنسيات متعددة في عداد البيارتة. وهكذا اكتسبت بيروت بين أعوام 1992-1996م، المزيد ممن إنتمى إلى بيروت بفعل الولادة القديمة أو بسبب الإقامة المستمرة فيها. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن عدد السكان المسجلين رسميّاً في سجلات الأحوال الشخصيّة. يوجد تباين شاسع بين عددهم المسجّل وبين عددهم الحقيقي، ذلك أن المهاجرين اللبنانيين المسجلين تظل أسماؤهم مسجلة في محل قيدهم الأصلي، مهما تبدلت أماكن إقامتهم. كما أهمل التصريح عن الوفيات لا سيما في الفترة 1975-1990م، علماً أن حركات النزوح والعودة إلى بيروت لا يتمّ تسجيلها مطلقاً. غير أن أكثر الأمور صعوبة وتعقيداً ويعيق تعداد سكان بيروت، هو أن التسجيل في سجلات الأحوال الشخصيّة يتّم حسب المكان الأصلي لمنشأ العائلة. فبالرغم من أن عشرات الألوف من مواليد بيروت،غير أن عائلاتهم تحرص على تسجيلهم في مناطقهم الأصليّة. كما أن عدد العائلات أو الأشخاص الذين طلبوا في السابق نقل تسجيلهم من سجل محل ولادتهم أو منشأ عائلتهم إلى محل إقامتهم الفعليّة في بيروت قليل جداً، وبعود ذلك إلى أسباب إنتخابيّة وسياسيّة وسبب الإنتماء إلى مناطقهم، علماً أن بيروت شهدت بين أعوام 1992-2000م، ولأسباب حزبيّة وإنتخابيّة وطائفيّة نقل الكثير من قيود اللبنانيين (تذاكر هوياتهم) إلى بيروت.

 

أما فيما يختص ببيروت الكبرى التي أعلنت في عام 1990م، فقد سبقها مشروع بيروت الكبرى أتخذه مجلس الوزراء في عهد رئيس مجلس الوزراء السابق المرحوم شفيق الوزّان في 12 شباط عام 1983م، وبعد أن صدر مرسوم إشتراعي في 14 شباط عام 1983م يحمل الرقم 10 كُلّف الجيش بموجبه القيام بمهام أمنيّة في مناطق بيروت الكبرى التي إمتدت من جسر الموت حتى مستديرة المكّلس ونهر بيروت والجمهور ووادي شحرور حتى العمروسيّة والمدخل الجنوبي لمطار بيروت جنوباً والبحر شمالاً وغرباً. وفي 19 شباط عام 1983م بدأ إنتشار القوات الدوليّة في بيروت الكبرى الذي لم يبق إلا إلى السادس من شهر شباط عام 1984م. أما بيروت الكبرى في عام 1990م فقد كانت أكثر شمولاً من أي مشروع آخر، لأن الظروف السياسيّة والأمنيّة كانت مختلفة جداً عما سبقها من ظروف ومشروعات. فبعد القضاء على حركة العماد ميشال عون في 13 تشرين الأول عام 1990م، طرح مجلس الوزراء مشروع بيروت الكبرى في عدة جلسات إستناداً إلى بنود إتفاق الطائف وقد رسم حدودها على النحو التالي:

ساحلاً من نهر الدامور إلى نهر الكلب، صعوداً حتى القليعات فبسكنتا، نزولاً إلى بكفيا وبعبدات، ثم عاليه وقبر شمون، على أن تضمّ هذه الرقعة أيضاً كل قرى المتنين الشمالي والجنوبي بما فيها بعبدا، وما كان يُعرف سابقاً باسم بيروت الشرقيّة وبيروت الغربيّة، بالإضافة إلى الطريق الدوليّة بين بيروت ودمشق حتى محلة المصنع عند الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة. وتقدّر مساحة هذه الرقعة بنحو ألفي كيلومتر مربع، ويتولى فيها الأمن الجيش اللبنلني وقوى الأمن بمؤازرة القوات السوريّة والتي كانت كابوساً على اللبنانيين.