الإمام عبد الرحمن بن عمرو الأَوزاعي

الفصل الخامس

 

توفي الإمام الأَوزاعي يوم الأحد في 2 صفر من عام 157هـ . وكان في التاسعة والستين من عمره في خلافة أبي جعفر المنصور. وحول وفاته إتفق الرازي وقبيصة وإبن عساكر وأحمد بن مروان وسفيان الثوري والحافظ الذهبي ومحمد بن عبيد وسواهم، من أن رجلاً أتى سفيان الثوري وقال له: يا أبا عبد الله رأيت في المنام كأن ريحانة قلعت من الشام. فقال له سفيان: إن صدقت رؤياك فقد مات الأَوزاعي. قال: فجاء رجل إلى سفيان فقال: أعظم الله أجرك في أخيك الأَوزاعي فقد مات.

وكان سبب فاته أنه طلب من زوجته إدخال كانون من الفحم المشتعل إلى الحمام ليتدفأ عليه وهو يغتسل مما أسفر عن إنتشار غاز الفحم في الحمام فأغمي عليه، ثم توفي خنقاً لعدم قدرته على فتح باب الحمام. ولما تنبهت زوجته فتحت الباب فوجدته متوسداً ذراعه إلى جهة القبلة.

وفي رواية أخرى لسبب وفاة الإمام الأَوزاعي كان في حمام السوق فزلت قدمه في داخله فاغمي عليه حتى مات. غير أن عقبة بن علقمة البيروتي وبإجماع المؤرخين والمعاصرين أكدوا على الرواية الأولى.

 

وعند وفاة الإمام الأَوزاعي ـ رحمه الله ـ لم يُعثر في منزله إلا على سبعة دنانير صُرفت على جنازته، بالرغم من أن الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يكرمونه ويمدونه بالمساعدات والمال التي بلغت نحواً من سبعين ألف دينار، غير أنه أنفقها على الرباط والجهاد والمجاهدين وعلى الفقراء والمساكين وعلى وجوه البر والإحسان، كما وضع قسماً كبيراً مما وصله في ديوان بيروت الخاص بالعطاءات متعددة الوجوه.

 

وكانت وفاة الإمام الأَوزاعي حدثاً غير عادي نظراً لمقامه وكراماته ومواقفه، فقد روى الرازي بسنده عن سالم بن المنذر أن المسلمين والنصارى واليهود والأقباط خرجوا في جنازته من باطن بيروت مروراً بالضواحي ومناطق الرمال وصولاً إلى حرج صنوبر منطقة حنتوس التي عُرفت فيما بعد بمنطقة الأوزاعي. وكانت بيروت المحروسة بجميع مناطقها وأحيائها وطوائفها قد خرجت للقاء جثمانه الطاهر مودعة باكية إمامها الجليل. ومن المناظر التي إسترعت إهتمام المشيعين أن الكثير من النصارى قد خرجوا باكين متألمين يذرون الرماد على رؤوسهم تعبيراً عن حزنهم على الإمام الذي وقف معهم زمن المحنة.

ولا ندري مدى صحة الرواية التي أوردها الشيخ عبد الغني النابلسي، من أنه يوم وفاة الإمام الأَوزاعي أسلم من اليهود والنصارى نحواً من ثلاثين ألفاً.

 

 

مقام الإمام الأَوزاعي

وروى الرازي بسنده عن عبد الحميد بن حبيب قال: (لما سوّينا على الأَوزاعي تراب قبره قام والي الساحل الأمير أرسلان بن مالك بن المنذر اللخمي جد آل أرسلان عند رأسه فقال: رحمك الله يا أبا عمرو، فوالله لقد كنت لك أشد تقيّة من الذي ولاني، فمن ظُلم بعدك فليصبر). وجاء في إبن عساكر بسنده عن لإبن أبي العشرين قال: (سمعت أميراً كان بالساحل يقول: وقد دفنا الأَوزاعي ونحن عند القبر، رحمك الله أبا عمرو فلقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني) أي المنصور.