أغاثيوس

شاعر سائح يبكي بيروت التي حطّمها الزلازل سنة 566م، في تلك الأيام الحوالك، قدم إلى بيروت المحطمة زائراً وسائحاً الشاعر اليوناني أغاثيوس، فبما أن رأى (ظئر العلوم وأن الشرائع ومرضعة الفقه) صريعة تحت وطأة الزلازل المتعاقبة المميتة تنعي أبناءها ومن بناها، لم يتمالك نفسه أن يقول متأثراً ومتحسراً :

(... ذوت زهرة فينيقيا مدينة بيروت بمصاب الزلزال الرهيب، وزال عنها جمالها الرائع، ودُكت أبنيتها الشامخة، البديعة المنظر، المحكمة الهنداس، فتقوضت عن آخرها ولم يبق منها سوى الردم والخراب، وهلك تحت أنقاضها جمع غفير من الأهالي والأجانب والمستوطنين فيها، وأذاقت كأس المنية، نخبة من الشبان المتقاطرين إليها لدرس الحقوق في معاهدها الرومانيّة الذائعة الصيت، التي كانت لها فخراً ولمفرقها تاجاً، تباهى به أعظم المدن أخواتها!..).

 

وتابع هذا السائح الشاعر المتفجع نفثاته الحرَّى على بيروت، فنظم على لسانها رائعة شعريّة مؤثرة قال فيها :

(... واأسفاه إني لمن أشأم المدن وأسوائها حالاً، رأيت جثث أبنائي متراكمة في شوارعي وساحاتي مرتين، في ظلال تسع سنوات رماني إله النار (فولكان) بسهامه المتقدة بعد أن صدمني إله البحر (نبتون) بتياره الجارف ! واأسفاه على بهائي الرائع، كيف طمسه الدهر، وأحالتي إلى رماد ! ... فيا عابري الطريق، ابكوا لسوء حظي، واندبوا بيروت المضمحلة ! ...).