أنطوان دي طرويا 

أنطوان دي طرويا(Ditroia) زار بيروت، وهي ما تزال في عهدة المماليك، بمهمة من لدن الفاتيكان بين نصارى الشرق لا سيما في لبنان. وقد نقل لنا الأب لامنس طرفاً مما كتبه طرويا عن بلدنا وذلك لما رآها سنة 1450م حين زارها في مهمتته الكهنوتيّة. قال طرويا :

(... وفي تلك الأيام كانت بيروت مع الإسكندريّة أهم الثغور الشرقيّة على البحر الأبيض المتوسط، فخراب عكا وصور وطرابلس وسقوط مملكة كليكية كان سبب عمراها وصيرورتها مركز تجارة كل سوريا . وكان مرفؤها الأمين في غاية المناسبة، والمدينة آهلة بعدد وافر من السكان، فجاءها التجار انتجاعاً للعافية وأسباب الربح من دمشق وحلب وطرابلس وصور. وكان فيها لأهل قبرص عدد من الكنائس والحمامات، وكانت بضائع البندقيّة بقيت زماناً لا تتمكن من دخولها إلا تحت علم آل لوزينيان أسياد قبرص، ثم أخذت سفن البندقيّة وجنوا وفلورنسا وكاتالونيا تردها بأوقات معلومة. وكان لكل من هذه الجمهوريات صاحبة التجارة فندق ومستودع ومن ثَم قنصل يمثل البندقيّة...) .

ويتابع طوريا وصف المعاملة الجسنة التي كان يلاقيها الأجانب من قبل السلطات المملوكيّة ببيروت فيقول : (... وكان المماليك الشراكسة الخاضعة لهم بيروت يبرهنون عن سداد رأي بتوفير أسباب التجارة وهي ينبوع الخيرات للبلاد السوريّة، وزادوا على ذلك أنهم عيّنوا راتباً سنوياً لقناصل أوروبا... ) .

 

ولما استأذن تجار بيروت اللآتين في ترميم كنيسة المخلّص لم تتردد الحكومة عن إجابتهم. وكان تجار أوروبا ينفقون على هذه الكنيسة ويقوم على خدمتها الفرنسيسكان المقيمون في جوارها بدير لهم، كان في نفس الوقت مضافة لرواد بيروت من الأوروبيين...) .

وفي وصف سكان بيروت في أواسط القرن الخامس عشر للميلاد يقول طوريا : (... وفي أسواقها الضيقة، وطرقها الملتوية، تزدحم الأقدام، فمن أصحاب العمائم، أو الكفاف الحريريّة، ومن لابسي البرانس البيض، أو المضرَّبيات، ومن هو مدجج بالأسلحة المنزّل فيها من الذهب والفضة والنحاس، أشكال من النقوش البديعة، وكم من تاجر وأمير خطير يعثر بحمال فقير، فيها التقت جميع الأمم واللغات، وتعارضت الألوان والأصوات، فمن الزنجي السوداني، إلى الشركسي الأبيض، ومن الرومي النزق، إلى البدوي الذي لا تهزه ريح، ومن اليهودي الملتوي إلى الإسباني المتغطرس، وقد اختلط بهم تجار البندقيّة وجنوا وبيزا .