المبشر الأميركي أدوارد روبنصون  

           

قدم إلى بلادنا من أميركا في العام 1838م في رحلة تبشيريّة سافرة دون أي قناع، ذلكم هو أدوارد روبنصون (Edward Robinson) الذي ألّف كتاباً في (بحث توراتي عن فلسطين والأقاليم المجاورة).

قال هذا الرحالة المبشر في نظرة عامة عن بيروت :

(... في صباح السابع والعشرين من حزيران سنة 1838م، تأكدنا من رفع النطاق الصحي أو إهماله وأنه لا مانع يحول دون خروجنا إذا ما أردنا التجوال، فدخلنا المدينة، أو بالحري، البساتين من الناحية الجنوبيّة، ونزلنا ضيوفاً على أصدقائنا ... .

تقع بيروت على الساحل الشمالي الغربي من الرأس، تبعد ساعة عن أقصى حدود اللسان، وتقع مباشرة على شاطئ البحر، ولكن الميناء الصغير الذي كان معداً لرسو السفن قد ردم فأصبحت هذه السفن ترسو في مرفأ مفتوح.

ويحيط بالمدينة سور متراخٍ تعلوه أبراج،والبيوت عالية، ومبنيّة بالحجارة والشوارع ضيقة ومظلمة وسيئة التبليط، أو بالحري مرصوفة بحجارة كبيرة ، وفي وسطها قناة تسير فيها الحيوانات، وغالباً ما تكون مليئة بالماء.

ومنظر المدينة أكثر حيوية من أي مدينة أخرى رأيناها على طول الساحل. زرت المدينة مرتين وشاهدت الآثار القديمة وهي : أعمدة من الصخر خارج السور الجنوبي الغربي ومقبرة صغيرة قرب الطريق إلى جنوبي أحد الأبواب قرأت فيها اسم المستر أبوت (Abbawt) وهو قنصل بريطاني سابق.

 

(تقع المدينة على منحدر متدرّج ولذلك فالشوارع كلها تنحدر لجهة البحر، ولكن في الجنوب الشرقي ترتفع الأرض بسرعة إلى علو كبير، وفي هذه الناحية، أو بالحري حول المدينة كلها تتصل جنائن وبساتين الأشجار المثمرة بعضها ببعض عدا عن أشجار التوت التي لا تحصى. وأكثر هذه البساتين محاطة بسياجات من الصبّير الذي يسبغ على ضواحي بيروت منظراً رائعاً من الإخضرار والجمال. ولكن قد تكون التربة أقل خصباً، والثمار أقل لذة من تلك التي في ضواحي صيدا....) .

 

على أن روبنصون كان قد زار بيروت في فترتين منفصلتين، فهو بعدما نقل إلينا صورة عن بيروت كما رآها سنة 1838م، ما لبث أن نقل إلينا صورة ثانية عن هذه المدينة بعد أن عاد إليها سنة 1852م، ففي هذه المرة الأخيرة يقول روبنصون (لم تفقد بيروت، شيئاً منذ أن زرتها في المرة السابقة عام 1838م بل تقدمت كثيراً، لقد تعرضت لمدافع الأسطول البريطاني والنمساوي في العاشر والحادي عشر من أيلول عام 1840م فتهدمت من جراء ذلك بيوت كثيرة، ووقع العديد من الضحايا، ولكن الخراب الذي حلّ بها لم يلبث أن أُصلح، ولم يبق من آثار هذا التعدي غير ما تركته القنابل في جدران القلعة القديمة على المرفأ) .

 

أضاف روبنصون (أما الشوارع فقد أُصلحت وأزيلت الأخاديد أو القنوات من وسطها... كان عدد السكان سنة 1838م يقدّر بخمسة عشر ألف نفس أما الآن سنة 1858م فيقدرونه بضعفي ذلك، وقد امتدت الشوارع إلى الضواحي في الجهة الجنوبيّة الشرقيّة من المدينة المسَّورة إفضل المساكن والحدائق وبساتين التوت الواقعة في الجنوب والجنوب الشرقي... ويمكن للواقف على سطح البيت الذي شغلته مطبعة المرسلين الأميركان أن يتمتع بمنظر المدينة وضواحيها ومن ورائها لبنان ... ).

 

وفي الحديث عن النشاط التجاري لبيروت يقول روبنصون : (ازدادت تجارة بيروت زيادة كبيرة، فقد كانت السفن الفرنسيّة والنمساويّة والإنكليزيّة والسفن الشراعيّة العديدة التي تأتي إلى المرفأ، سبباً في ازدياد دولاب العمل وأيقظت في السكان، ولا سيما نصارى المدينة والجبل، روح التجارة والإقدام على المشاريع العديدة في الجبال لبرم الحرير). 

ثم تحدث روبنصون عن حطام الآثار المبعثرة حول سور المدينة بما لا يختلف كثيراً عما قاله الرحالة السابقون بهذا الصدد فلا داعي لتكرار ما قيل.