الرحالة الروسي بيوتر لفوف

بيروت مدينة صغيرة يتراوح عدد سكانها بين 10 إلى 12 ألف نسمة، تقع في إحدى أجمل المناطق الطبيعيّة في سوريا إلى الشمال من صيدا، وهي مركز هام للتجارة الخارجيّة ويصل حجم تجارتها سنوياً إلى 70 مليون قرش عُثماني.

 

من أفضل مباني المدينة مقر الوالي والقنصليّة الفرنسيّة ودير الروم الأرثوذكس وبعض منازل كبار التجّار والأغنياء، تشكل المنطقة التي تقوم عليها مدينة بيروت رأساً صغيراً موغلاً في البحر تحدّه من الناحية الجنوبيّة كثبان رملية وبعض غابات أشجار الصنوبر، أما الجهات الأخرى من المدينة فهي خليط من المرتفعات الجبليّة والوديان على مسافة ستة إلى سبعة فرستات، تلف المدينة بساتين شاسعة تنتشر فيها المنازل ويفصل بينها سياج من الصبّار أو شجر اللبلاب الكثيف.

 

ينساب نهر بيروت عبر أجمل الروابي والمرتفعات الجبليّة الخلابة ويفصل بين المرتفعات الصخريّة الضخمة وبين عدد كبير من القرى المنتشرة على سفوح الجبال على شكل مدرج كبير تجلله جبال لبنان بقممها الثلجيّة.

 

يقع المرفأ الحالي لبيروت في الجانب الشمالي للمدينة على بعد خمسة فرستات في المنطقة ذاتها التي يصب فيها نهر بيروت، هنا ترسو السفن لكي تتجنّب الطقس الشتوي السيئ، في أيام الصيف تلقي السفن مراسيها قبالة المدينة نفسها، على أساس قياس النشاط الدائم لتصدير السلع واستيرادها يمكن اعتبار بيروت سوقاً رئيسيّة لسوريا ومستودعاً أساسيّاً للسلع المستوردة والمصدّرة.

عام 1834م بلغ عدد السفن التجاريّة التي رست قبالة مرفأ بيروت 5347 سفينة من مختلف الأحجام والأنواع، بلغت قيمة البضائع المستوردة على أساس الأسعار التي حدّدها أصحابها بحوالي 44524000 قرشاً عُثمانيّاً. وبين السلع كانت أيضاً كميات كبيرة من الأموال النقديّة المستوردة لاستبدالها بعملات أخرى وجني الأرباح من انخفاض قيمة العملة المحليّة.

أما أحجام السفن التي كانت ترسو في مرفأ بيروت فتقدّر بآلاف الأطنان من الحمولة، تضمنت البضائع المستوردة بصورة أساسيّة كميات كبيرة من مختلف أنواع الأقمشة القطنيّة والقطن المغزول من الرقم 18 حتى الرقم 30، والبن الأميركي، والسكر والنيلة والرصاص والحديد والجوخ النسائي والمصنوعات الفولاذيّة والكريستال والخردوات الصغيرة، كل هذه السلع تقريباً معدّة للاستهلاك المحلي في سوريا كما يعاد تصدير بعضها من بيروت بواسطة القوافل بحيث يذهب الجزء الأكبر منها إلى دمشق.

البضائع المصدّرة لا تقلّ أهمية عن البضائع المستوردة، وقد ضمّت عام 1834 حمولة 816 سفينة بلغ وزنها 18451 طناً من الحرير الخام والقطن الخام ومن الأصبغة والصوف الخام، و300 أقّة من الإسفنج، والكمية ذاتها من العفص لاستخراج الحبر، وأخيراً كميات أكثر بكثير من العطور والأعشاب الطبيّة المستوردة من بغداد، وقد بلغ السعر الإجمالي للبضائع المصدّرة من بيروت قرابة سبعة وعشرين مليوناً وثمانماية وسبعة وأربعين ألف قرش عُثماني.

 

إنّ تجارة بهذا الحجم تتطلّب ولا شك نشاطاً متواصلاً. وهي تجعل من السكان محترفي مهنة كبيرة هي مهنة نقل البضائع وتوضيبها، وتجدر الملاحظة إلى أن جميع السلع المصدّرة تشحن بصورة رئيسيّة عبر مناطق جبليّة من منطقة تمتّد من نهر القاسمية حتى منطقة جبيل، بالإضافة إلى الدورة التجاريّة في بيروت وضواحيها القريبة صناعة واسعة ونشيطة جداً، ففي المدينة نفسها يعمل قرابة 260 نولاً تنسج أنواعاً خاصة من الأقمشة التي تستخدم للزنانير والأوشحة الحريرية والقمصان الحريرية والعباءات، وتبلغ قيمة ما يستهلك لذلك من الحرير ثلاثة ملايين قرش تدّر ربحاً صافياً يمكن تقديره بحوالي عشرين بالمائة.

 

سكان المدينة هم من العرب واليونان والأرمن وعدد قليل من اليهود وبعض الأتراك العُثمانيّين. أما المنتجون الذين يجمعون لبيروت المحاصيل الزراعيّة فهم من الموارنة والدروز المحبون للعمل.

 

في بيروت أيضاً تتجمع قنصليات الدول الأوروبيّة جميعها، لكن من يعتبر أوروبيّاً حقيقيّاً هو القنصل الفرنسي السيِّد Guys . أما الباقون فهم من مواليد أزمير أو من أبناء إيطاليا أو من الحي المسيحي في أسطمبول والذين يقطنون الشرق منذ أمد بعيد.

 

بصورة عامة، ويمكن القول إنّ هذه المدينة الصغيرة بسبب موقعها، تستعيض، جمال ضواحيها الرائع وتوفر كل أسباب الراحة في الحياة.