أبو هريرة

إسمه ونسبه

كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً. ولا يضبط في الجاهلية والإسلام وانما يعرف بكنيته. وينسب الى دوس. وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث.

أما أبوه فقد قيل  ان اسمه عمير وانه ابن عامر بن عبد ذي الشرى ابن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.

 وكنى أبا هريرة بهرة صغيرة كان مغرماً بها ولعل من غرامه بها حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلم ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض .

نشأته وإسلامه وصحبته

نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين  جاهلياً لا يستضئ بنور بصيرة ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر. يخدم هذا وذاك وتى وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه حافياً عارياً. راضياً بهذا الهوان، مطمئناً اليه كل الاطمئنان.

لكن لما أظهر الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي. لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله صلى الله عليه واله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان سنة سبع للهجرة بانفاق أهل الاخبار.
أما صحبته فقد صريح أبو هريرة ـ في حديث أخرجه البخاري  ـ بأنها كانت ثلاث سنين.

 

على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم
لما أسلم أبو هريرة انضوى باسلامه الى مساكين الصفة  وهم ـ كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر ـ: أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلّم في المسجد ويظلون فيه. وكانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا اليها. وكان اذا تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشوهم. قال: ومن مشاهيرهم أبو هريرة الى آخر كلامه.
وكان أبو هريرة ـ كما نص عليه أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء اشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي صلى الله عليه
وسلّم ولم ينتقل عنها. وكان عزيف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين الى آخر كلامه.

وصف أبو هريرة نفسه فقال ـ كما في أول البيوع من صحيح البخاري ـ: وكنت امراً مسكيناً من مساكين الصفة، الحديث وهو طويل.

قال ـ كما في باب نوم الرجال في المسجد من كتاب الصلاة من صحيح
البخاري  ـ: رأيت سبعين من أصحاب الصفة  ما منهم رجل عليه رداء وانما عليه أما ازار واما كساء بطوه في اعناقهم فمنها ما بيلغ نصف الساقين. ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته .

‌‍‌وفي صحيح البخاري من حديث طويل  عن أبي هريرة قال فيه: وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه
وسلّم بشبع بطنه.

وفيه أيضاً من طريق ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة من حديث  قال فيه: وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ملء بطني.

وحدّث عن نفسه في مقام آخر فقال: كنت من أصحاب الصفة فظللت صائماً فامسيت وأنا أشتكي بطني فانطلقت لأقضى حاجتي فجئت وقد أوكل الطعام. وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام لأهل الصفة فقلت: إلى من أذهب؟ فقيل لي: الى عمر بن الخطاب فاتيته وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه؛ فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام، قال: فاقرأنى آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب فأبطأ، فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فانطلقت معه حتى أتى بيته فدعا جارية له سوداء  فقال: آتينا بتلك القصعة، قال: فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد اكل وبقى في جوانبها بعضه وهو يسير فأكلت حتى شبعت .

 

وكثيراً ما كان يصف نفسه فيقول: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه ـ من المسجد ـ فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر عمر بي فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلّم فتبسم حينٍ رآني وعرف مافي نفسي وما في وجهي. ثم قال: أبا هر قلت: لبيك يارسول الله؛ قال: إلحق ومضى فتبعته فدخل فأذن لي فدخلت فوجدنا لبناً في قدح، فقال صلى الله عليه واله: من اين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك؛ قال: إلحق الى أهل الصفة فادعهم لي؛ قال: وأهل الصفة اضياف الإسلام لا يأوون الى أهل ولا على أحد؛ وكان صلى الله عليه وسلّم اذا أتته صدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً، واذا أتته هدية أشركهم فيها، قال فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أنا أحق ان أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها؛ فاذا جاءوا أمرني ان أعطيهم، وما عسى ان يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فاقبلوا فاستأذنوا فاذن لهم واخذوا مجالسهم فقال صلى الله عليه واله يا أبا هر خذ فاعطهم؛ فاخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فاعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده عليّ فاعطيه الآخر فيشرب حتى يروى‎، ولم ازل حتى انتهيت الى النبي صلى الله عليه واله وقد روى القوم كلهم فاخذ القدح وتبسم اليَّ فقال: أبا هر بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يارسول الله قال: اقعد فاشرب؛ فقعدت فشربت، قال، اشرب فشربت، فما زال يقول: أشرب؛ حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما اجد له مسلكاً قال: فأرنيه. فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.

 
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: رأيتني واني لا خر فيهما بين منبر رسول الله صلى الله عليه
وسلّم الى حجرة عائشة مغشياً على فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى اني مجنون وما بى من جنون مابى إلا الجوع أهـ.

وكان ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب عليهما السلام كثير البر والاحسان والصدقة والعطف على البائسين. فكان يطعم أبا هريرة من جوع فوالاه.

 وأخرج البغوي من طريق المقبري ـ كما في ترجمة جعفر من الاصابة ـ قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس اليهم ويخدمهم ويخدمونه ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكنيه أبا المساكين.

وما زالت الصفة موطن أبي هريرة الذي يطمئن اليه ليلا ونهاراً، لا يأوي إلى ما سواها حتى ارتحل النبي صلى الله عليه واله من هذه الدار الفانية ولحق بالرفيق الأعلى وقبل ذلك لم يقم أبو هريرة بشئ يعود عليه بشبع بطنه سوى القعود في طريق المارة ينزع اليهم بجوعه. لا تحفزه مهمة. ولا يذكر في حرب ولا في سلم، بلى ذكروا أنه فر من الزحف يوم مؤتة.


وفاته وعقبه

كانت وفاته في قصره بالعقيق فحمل الى المدينة فكان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتى بلغوا به البقيع حفظاً بما كان من رأيه في ابيهم وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراً على المدينة وكان مروان معزولاً وانما صلى عليه الوليد تكريماً له تقدم للصلاة عليه بعد ان صلى بالناس فريضة العصر وفي القوم ابن عمر وابو سعيد الخدري واضرابهما.

 وكتب الوليد إلى عمه معاوية ينعى اليه أبا هريرة فكتب اليه معاوية انظر من ترك وادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم واحسن جوارهم وافعل اليهم معروفاً فانه ممن نصر عثمان وكان معه في الدار.