أبو موسى الأشعري

 

هو عبد الله بن قيس بن سليم، الإمام الكبير. صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم. أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ.

وهو معدود فيمن قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.

 أقرأ أهل البصرة ، وفقههم في الدين.

ففي (الصحيحين)، عن أبي بردة أبي موسى، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريما)ً.

وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذاً على زبيد ، وعدن.

وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة.

 وقدم ليالي فتح خير، وغزا، وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل عنه علماً كثيراً.

قال سعيد بن عبد العزيز : حدثني أبو يوسف، حاجب معاوية: أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية في الليل ليستمع قراءته.

وقال العجلي: بعثه عمر أميراً على البصرة ، فأقرأهم وفقههم، وهو فتح تستر، ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتاً منه.

قال حسين المعلم: سمعت ابن بريدة يقول: كان الأشعري قصيراً، أثط – قليل شعر اللحية - خفيف الجسم.

عن أبي موسى، قال : خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة، أنا وأبو رهم ، وأبو عامر : فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي ، وعنده جعفر وأصحابه، فاقبلنا حين افتتحت خيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إلي).


عن أنس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم) فقدم الأشعريون، فلما دنوا جعلوا يرتجزون:

غداً نلقى الأحبة     محمد وحزبه


فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة.
عن عياض
الأشعري، قال : لما نزلت { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } (المائدة 57). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم قومك يا أبا موسى، وأومأ إليه).
عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمة. فقتل دريد، وهزم أصحابه، فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم، فأثبته. فقلت: يا عم، من رماك ؟ فأشار إليه ، فقصدت له، فلحقته، فلما رآني، ولي ذاهباً. فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربياً ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا ضربتين، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت : قد قتل الله صاحبك. قال : فانزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: ابن أخي، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره مني السلام، وقل له: يستغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً، ثم مات. فلما قدمن، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك). فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً).
عن أبي موسى ، قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، فأتى أعرابي فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ قال : (أبشر). قال : قد أكثرتَ من البشرى. فأقبل رسول الله علي وعلى بلال ، فقال : (إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما) : فقالا : قبلنا يا رسول الله. فدعا بقدح، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال: (اشربا منه، وأفرغا على رؤوسكما ونحوركما) ففعلا ! فنادت أم سلمة من وراء الستر أن فضّلا لأمكما، فأفضلا لها منه.


عن أبي بريدة ، عن أبيه، قال : خرجت ليلة من المسجد ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم ، وإذ رجل يصلي ، فقال لي: ( يا بريدة أتراه يرائي) ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو مؤمن منيب ، لقد أعطي مزماراً من مزامير آل داود). فأتيته، فإذا أبو موسى، فأخبرته.

عن مالك بن مغول : حدثنا ابن بريدة، عن أبيه، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، وأنا على باب المسجد، فأخذ بيدي فأدخلني المسجد، فإذا رجل يصلي ، يدعو، يقول : اللهم، إني أسالك، بأني أشهد أنك الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. قال : (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي أجاب). وإذا رجل يقرأ، فقال: (لقد أعطى هذا مزماراً من مزامير آل داود). قلت : يا رسول الله ، أخبره ؟ قال : (نعم) فأخبرته. فقال لي: لا تزال صديقاً. وإذا هو أبو موسى.
عن أنس : أن أبا موسى قرأ ليلة، فقمن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته. فلما أصبح، أخبر بذلك. فقال: لو علمت، لحبرت تجبيراً، ولشوقت تشويقاً.
عن أبي البختري ، قال : أتينا علياً ، فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال : عن أيهم تسألوني ؟ قلنا: عن ابن مسعود. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهي، وكفى به علماً. قلنا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه. قلنا: حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول، والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: أبو ذر ؟ قال : وعي علماً عجز عنه. فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وقال مسروق : كان القضاء في الصحابة إلى ستة : عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى.
عن صفوان بن سليم، قال : لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير هؤلاء : عمر وعلي ، ومعاذ وأبي موسى.
عن محمد ، قال عمر : بالشام أربعون رجلاً، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم. فجاء رهط، فيهم أبو موسى. فقال : إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم. قال : فلا ترسلني، قال : إن بها جهاداً ورباطاً. فأرسله إلى البصرة.
عن أنس : بعثني الأشعري إلى عمر ، فقال لي : كيف تركت الأشعري ؟ قلت : تركته يعلم الناس القرآن. فقال : أما إنه كيس ! ولا تسمعها إياه.
عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده موسى ، ربما قال له : ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ.
قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة، من حسن صوته.

عن مسروق، قال : خرجنا مع أبي موسى في غزاة، فجننا الليل في بستان خرب ، فقام أبو موسى يصلي ، وقرأ قراءة حسنة ، وقال : اللهم، أنت المؤمن تحب المؤمن ، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام.
وروى صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه، قال : اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً، فقيل له : لو أمسكت ورفقت بنفسك ؟ قال : إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.

 

عن أنس : أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه مخافة أن يكتشف.
لا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى رضي الله عنه، لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه، عزله، وعزل معاوية، وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.
عن أبي موسى : أن معاوية كتب إليه : أما بعد : فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله، لئن بايعتني على الذي بايعني، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة.

 وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إلي بخط يدك. فكتب إليه: أما بعد: فإنك كتبت إلي في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، وليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.
قال أبو بردة : فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني باباً، ولا كانت لي حاجة إلا قضيت.
قلت : قد كان أبو موسى صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغتر بالدنيا.
توفي سنة اثنتين وأربعين.
عن أبي نضرة : قال عمر لأبي موسى : شوقنا إلى ربنا. فقرأ. فقالوا : الصلاة. فقال : أو لسنا في صلاة.

 

روى الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، قال : ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي ما يخطئ المفصل.
عن أبي عمرو الشيباني، قال : قال أبو موسى : لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إلى من أن يمتلئ من ريح امرأة.

عن عبد الرحمن ابن مولى أم برثن ، قال : قدم أبو موسى الأشعري وزياد على عمر رضي الله عنه. فرأى في يد زياد خاتماً من ذهب، فقال : اتخذتم حلق الذهب ، فقال أبو موسى ، أما أنا فخاتمي من حديد. فقال عمر : ذاك أنتن، أو أخبث، من كان متختماً فليتختم بخاتم من فضة.

وقال أبو بردة : قال أبي : ائتني بكل شيء كتبته، فمحاه، ثم قال: احفظ كما حفظت.

عن الحسن : قال : كان الحكمان : أبا موسى، وعمراً، وكان أحدهما يبتغي الدنيا، والآخر يبتغي الآخرة.
عن أبي مجلز : أن أبا موسى قال : إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياء من ربي.