هذه المدرسة أنشأتها الحكومة العُثمانيّة لنفس الإعتبارات التي أُنشئت من أجلها (الدار العسكريّة) اهي الثانية من نوعها في بيروت خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وقد ذكرت جريدة (الجنان) لصاحبها سليم بطرس البستاني الصادرة في 21 تشرين الثاني 1877م أن الذي قرّر إنشاءها هو راشد باشا والي سوريا آنذاك بالتعاون مع مجلس بلدية بيروت في عهد رئيسه أحمد أباظة، على أنها لم تستعمل للتدريس أول الأمر بل أستخدم بناؤها لنزول المسافرين الذين يمرون في بيروت، ولما تعين رائف أفندي متصرفاً على هذه المدينة لأول مرة أخلاها من النزلاء وجعلها مدرسة حربيّة وخصص لها الأموال اللازمة من خزينة الحكومة ومن المجلس البلدي وصار لإفتتاحها يوم السبت 13 شوال 1294هـ 2 تشرين الأول 1877م وكان رئيس المجلس البلدي في ذلك الحين محيي الدين أفندي بيهم والد عمر بك بيهم الوجيه البيروتي. وجرى الإحتفال بإفتتاحها بقراءة الفاتحة من القرآن الكريم ثم خطب كل من الشيخ إبراهيم أفندي الأحدب (الطرابلسي) جدّ السفير إبراهيم والمهندس فايز ثم توالى على الكلام عبد الرحيم بدران ونعيم قيقانو أعقبهما الشيخ عبد الباسط فاخوري مفتي بيروت وشيخ مشايخ الطرق الصوفيّة بالدعاء للسلطان أمير المؤمنين وكان يومئذٍ السلطان عبد الحميد الثاني، وكانت كلمة الختام للمتصرف رائف أفندي.

   ونحن لا علم لنا عن المكان الذي بنيت فيه هذه المدرسة لأول مرة، فهذه المدرسة تغير مكانها وبُنيت من جديد في المحلة التي تُعرف اليوم باسم (حوض الولاية) الواقعة بآخر نزلة برج أبي حيدر بإتجاه المدينة. وكان تدشين البناء الجديد في شهر محرم الحرام 1303هـ تشرين الأول 1885م على أن الشيخ عبد القادر القبّاني نشر في مجلة (الكشّاف) البيروتيّة، المجلد الأول 1345هـ 1947م مقالاً جاء فيه أن افتتاح هذه البناية كان سنة 1284هـ 1867م وقد تبرع فخري بك رئيس المجلس البلدي آنذاك لهذه المدرسة بقطعة أرض موقعها في رأس بيروت تساوي قيمتها 25 ألف قرش تركي.

هذه المحلة ما تزال في الموضع الذي أُعيد بناؤها فيه في المحلة المعروفة اليوم باسم (حوض الولاية) وعُرفت هذه المحلة بهذا الاسم لأنه كان يوجد فيها حوض يستقي منه أبناء بيروت التي أصبحت مركزاً لولاية مستقلة تحمل أسمها إبتداء من سنة 1888م بعد أن كانت متصرفيّة تابعة لولاية دمشق. هذه المدرسة كانت مشهورة عند الناس باسم (المدرسة العسكريّة) كما كانت مشهورة كذلك باسم (مدرسة الحاووز) والحاووز هو اللفظ التركي لكلمة حوض العربيّة. 

   وفي مجلة الدستور البيروتيّة عدد 27/5/1947م قال محمد كزما عن هذه المدرسة وذكرياته فيها يوم كان من تلامذتها سنة 1924م فقال رحمه الله: (خلال تلك المدة 1924-1928م التي قضيتها في (حوض الولاية) كتلميذ، كان هناك من الجهة الغربيّة من البناء بستان فيه بعض أشجار الصفصاف العالية والبرتقال الجميل والأكيدنيا يقابله في الجهة الجنوبيّة ملعب للتلاميذ كان يُحدل يوميّاً ويُرش بالماء قبل الظهر وبعده، لا سيما في الأيام الحارة وذلك لمنع تطاير الغبار المضّر بصحتة التلاميذ، وكانت غُرف التدريس الواسعة غاية في النظافة).

ثم يذكر الأستاذ كزما عن والده (...أنه في سنة 1896 زار المدرسة العسكرية مفتش تركي جاء خصيصاً من العاصمة إسطمبول فرأي في زاوية إحدى الغرف عنكبوتاً فغضب غضباً شديداً على المدير وعزا إليه الإهمال، وبعد أسبوعين كان ذلك المدير المسكين يتسلم قراراً رسميّاً بعزله، وفعلاً أُبدل بغيره...).

   وهنا، نحب أن نذكر على سبيل المقارنة بين أيام الأتراك وبين أيامنا، ما قاله الأستاذ حسن فرّوخ مدير هذه المدرسة في أوائل سنوات الإستقلال من أن أحد كبار مفتشي المعارف زاره في مكتبه بالمدرسة أثناء دورة تفتيشيّة، وما إن أستقر به المقام في المكتب حتى طلب منه تجهيز نفس أركيلة (ليستمخ) به قبل القيام بمهمته الرسميّة. فثار الأستاذ فرّوخ رحمه الله لهذه البادرة (الكيفيّة) وطلب من سعادة المفتش أن يعود أدراجه من حيث أتى! .