إن هذا الحي تجاوزت شهرته حدود بيروت نفسها ومرت به أحداث سياسيّة ووطنيّة جعلته من المعالم الرئيسية في هذه المدينة، ولا يكاد إنسان يقيم فيه أو يجتازه زائراً أو عابراً إلا ويعرف عنه وعن سكانه الشيء الكثير، ولقد إكتسب سكانه شهرتهم المحليّة والخارجيّة بسبب تلك الأحداث التي ارتبطت بتاريخنا القومي منذ أيام الأيوبيين مروراً بالعهد المملوكي والعثماني وأيام الانتداب الفرنسي إلى عهد الاستقلال.

يخيّل للإنسان للوهلة الأولى أن كلمة البسطة عربية الأصل، بالرغم من هذا التخيّل لا يبعد كثيراً عن المعقول، إلا أن الأقوال التي تداولت هذه الكلمة ردتها إلى أصول كثيرة، إستعملت منذ أيام المماليك على أنها مصطبة أو دكّة أو قاعدة أو كرسي من الخشب إتخذت لجلوس السلطان.

(أصحاب البسطات) كانت قديماً تطلق عند العامة من أهل بغداد على الباعة الذين لا حوانيت لهم ويبسطون بضاعتهم على الأرض، من ذلك أنها الاصطلاح التجاري المعروف الذي يستعمله بائعوا الخضار الذين لا تساعدهم ظروفهم الماديّة على استئجار دكان لعرض المواد التي يبيعونها، فيلجؤن إلى اتخاذ صقة خشبيّة يضعون عليها بضاعتهم وهذه الصفة تعارف الناس علي تسميتها (بسطة)، ذكر بعض المعمرين من أهل بيروت أن بعض بائعي الخضار كانوا يتخذون لأنفسهم بسطة في المحل المرتفع وأخرى في المحل المنخفض، فتعارف الناس هؤلاء وأولئك على إطلاق البسطة الفوقا للتي في المحل المرتفع، والبسطة التحتا للتي في المكان المنخفض. ومما قاله المرحوم الحاج محمد عبد الغني رضوان أنه حفيد رضوان الحسامي الجبيلي، وأن رضواناً هذا قدم من جبيل لسبب غير معروف وسكن في محلة البسطة الفوقا وتزوج من عائلة البشناتي، وكانت في المحلة المذكورة ثلاثة بساتين لعائلات البشناتي والشدياق والشعار، وقام محمود رضوان ـ أحد أبناء رضوان ـ بوضع طاولة خشبيّة ـ بسطة ـ في موقع مخفر البسطة الفوقا لبيع الخضار كان يقف إلى جانبه إبنه حسن الذي كان سميناً أكولاً، فكان بائعو الخضار الذين يأتون من برج البراجنة والشياح لبيع منتوجاتهم في المدينة كلما شاهدوا حسنا وجدوه يأكل، فأطلقوا عليه حسن الغويل (تصغير غول)، وصار موقعه نقطة إلتقاء، وصاروا يقولون نزلنا عند حسن الغويل أو إلى بسطة الغويل، ويبدو أن زبائن هذه البسطة تكاثروا وشعر شخص من آل فرشوخ ـ من البسطة التحتا ـ بذلك فوضع بسطة للخضار قرب بيته، فصار الناس يقولون البسطة الفوقا لبسطة الغويل والبسطة التحتا لبسطة فرشوخ. 

ولكلمة البسطة في حدود معانيها الإصطلاحيّة مدلول ديني خاص، ذلك أن أجدادنا وآباءنا في أواخر العهد العثماني، كانوا يمارسون بعض الطقوس الروحيّة من خلال الطرق الصوفيّة، وخلال هذه الممارسة كانوا يجتمعون في حلقات للذكر يرددون فيها الأوراد والمدائح النبويّة والقرآن الكريم، وهذه الحلقات كانوا يطلقون عليها أحياناً إسم الحضرة ويلفظها أهل بيروت الحدرة، على عادتهم بترقيق الحروف المفخمة، وأحياناً البسطة الشريفة، لا سيما إذا كانت الحلقة مخصصة لتلاوة الأحاديث النبويّة الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور وهما، البسطة الفوقا والبسطة التحتا، ويعنون بهما الحلقات الدينيّة الصوفيّة.

جاءت أول إشارة للبسطة سنة 1882م في صحيفة (المصباح) التي ذكرت مرور عدة عربات (بطريق البسطة)، كما ذكرت البسطة في صحيفة (ثمرات الفنون) سنة 1895م باسم البسطة العليا عندما أشارت إلى تدشين جامع البسطة الفوقا. ولم ترد كلمة البسطة في السجلات الشرعيّة القديمة لأن المحلة المذكورة كانت من ضمن محلة الباشورة.

وتميّزت محلة البسطة بفتوة شبابها وحماسهم الوطني وعلى النخوة والحميّة وصدق الوطنيّة والحماسة العربيّة والغيرة الإسلامية، يُذكر أن جمعيّة بيروت الإصلاحيّة كانت إنتدبت ثلاثة أعضاء لتمثيلها في المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913م هم السادة :

سليم سلام

أحمد مختار بيهم

الشيخ أحمد طبارة

وعاد الوفد بعد المؤتمر إلى بيروت مروراً بالآستانة، فجرى له إستقبال شعبي حافل تقدمه أهل البسطة وأمامهم الموسيقى الوطنيّة وعليهم علم أهل المحلة يعلوه بيتان هما:

فرائص كـل جبّـار عنيــد لواء البسطة أرتعدت لديه

إذا سطع الوميض من الحديد   سحاب يمطر الأعداء حتفا

     

كما إن إبن المحلة مختار ناصر أنشد بيتين من الشعر هما :

سحاب يمطر الأعداء حتفا   سمعنا نغمة الإصلاح قـرت

ألم تؤمن فقلت بلى ولكن  فنادى الجميع يا مختار ناصر

 

مما يستدل على أنه آمن بالإصلاح ولكن إيمانه كان مشوباً بالريبة ويريد أن يقول (ولكن ليطمئن قلبي).

وإشتهرت البسطة بمعالمها ورجالها ومقاهيها وقبضاياتها. فمن معالمها مسجد البسطة التحتا أو جامع الأحمدين نسبة لأحمد حمدي باشا والسيّد أحمد البدوي، وهي زاوية الباشورة التي سعى الشيخ عبد الله خالد بإنشائها. ومن مقاهي البسطة قهوة المتوكل على الله الحاج سعيد حمد، مجتمع قبضايات المحلة، كما إشتهرت قهوة البسطة التحتا التي كان شحرور الوادي (فغالي) يتردد إليها وقال فيها من الزجل:

بسطة التحتا يا بسطتي

فيها بقضي بسطتي

وفيها بمد بسطتي

 

وروى المرحوم أبو علي قليلات حادثة الأسطة باولي مع قبضايات البسطة. فباولي هذا من أصل يوناني كان يتزعم محلتي المزرعة ورأس بيروت، وأراد التحرش بقبضايات البسطة كي يذيع صيته. فأخذ يمر في المحلة ويفتعل المشاكل وكانت والدته تنصحه بالإبتعاد عن البسطة ولم يرتدع فلحقه أحدهم وقتله. وعندما علمت والدته أنشدت عبارات صارت مشهورة بين أهالي البسطة خصوصاً وبيروت عموماً:

شو بدك بأولاد البسطة   ما قلت لك يا أســطة

اللي ما بيقتلك بالسكين    بيقـتـلك بالبلطـــه

وفي رواية ثانية:

  بيقـتـلك بالبلطـــه ما قلت لك يا أســـطة

كبيرهم حامل فرد وسكينه وصغيرهم حامل بلطـة

                                              

ومن منطقة البسطة إنطلقت موسيقى الأفراح التي أصبحت (فرقة فليفل أخوان) والتي أعطت الوطن العربي مجموعة من الأناشيد الوطنيّة الحماسيّة المشهورة.

وتجدر الإشارة إلى أن أهل بيروت ما زالوا حتى اليوم يعتزون بالبسطة ويطلقون عليها نظراً لارتفاعها عن باطن بيروت إسم جبل النار. 

البسطة اليوم

البسطة جبل النار: أرض القبضايات والزحمة وفسيفساء المذاهب والانتماءات

كل ما تطلبه في البسطة تجده. هكذا يعرّف أهل البسطة عن حيّهم البيروتي العريق. يستقبلك شارع البسطة بزحمة سيارات وحركة مارة وسط سوق تعج بكل أنواع البضائع. أهلاً بك في منطقة شهدت أحلى أيام العز زمن مرور القطار فيها، وتحولت اليوم إلى مقصد لتجار من مختلف المناطق.

بدءاً من مسجد البسطة التحتا، يطالعك تلاصق دكاكين صغيرة تزخر بكل ما تطلبه. موبيليا؟

هنا تجد طلبك. ثياب وأحذية؟ جاهزة، وإن لم تكن من الماركات العالمية. مرايا للسيارات؟

طلبك موجود. تستطيع رائحة «الكنافة بجبن» والخبز الطازج ان تدلك إلى محال الحلويات والأفران أيضاً، وإلى جانبها هناك دائماً مساحة لمحلات صغيرة تتنوع مهامها بين تزيين الخزفيات والتفنن في أعمال النجارة والحفر على الخشب.

لا يقتصر التلاصق والزحمة على المحلات في البسطة، تستطيع نظرة واحدة إلى مباني المنطقة أن تعكس تغيرات طالت الحجر والبشر بسرعة قياسية: مبان عالية لكن قديمة ملاصقة لبيوت بيروتية تقليدية من طابقين. أصبح «الروتين» بالنسبة إلى سكان المنطقة «الأوائل» أن يتعرفوا إلى جيران جدد ممن اختاروا الشقق السكنية، المكتظة اصلاً، عنواناً جديداً لهم في العاصمة بيروت.

يعتبر المحامي عمر زين الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب، ان إحدى أهم ميزات النسيج الاجتماعي للبسطة ضمها، ومنذ مطلع الأربعينيات، أكبر عدد من الطوائف المختلفة بين أبنائها، فاعتباراً من العام 1940 أتى الناس من الجنوب ضيعة بعد ضيعة ليستقروا في البسطة. يعطي زين أكثر من مثال: «أتى أهل الريحان إلى شارع محي الدين العربي، الخطوة نفسها اتخذها أهل كترمايا، في حين اختار أهل النبطية شارع شفيق الوزان في سيدي حسن.

لكن استقطاب البسطة لأبناء العديد من القرى لم يكن وليد مكانتها التجارية آنذاك فحسب، فإبان الحرب العالمية الثانية أو ما يعرّف عنه الحاج مختار الكوش بـ«أيام إعانات هتلر» قام عدد من أبناء المنطقة وعن طريق المصاهرات باستضافة ابناء القرى في الجنوب والبقاع.

يروي الكوش كيف قام المربي أبو أمين الكوش باستدعاء عدد كبير من أبناء عربصاليم وشمسطار ومن ثم أهالي بعلبك الذين اختاروا له عروساً من مدينتهم: «عمل حوالى ربع الأهالي الذين قدموا يومها في الجيش اللبناني، أما الباقون فحصّلوا رزقهم من معمل غندور».

 قبل الحرب وبعدها

يشير المحامي عمر زين إلى ان البطريرك المعوشي حصل في البسطة على لقب «محمد المعوشي»، أما الكوش فيلفت إلى تواجد كنيستين في المنطقة، علامة التنوع: كنيسة السريان في الخندق الغميق وكنيسة المخلص بعد محطة القطار.

مع ذلك فإن البسطة لم تسلم من تبعات أحداث العام 1958 على خلفية التجديد لكميل شمعون، وهي الأحداث التي أدت إلى ترك الأرمن البسطة بحسب زين الذي يشير إلى سيطرة حزب النجادة وحزب المقاومة الشعبية آنذاك على معظم المنطقة، في حين ان نزلة المخفر كانت الغلبة فيها للهيئة الوطنية.

اما النكسة الثانية التي عرفتها البسطة فكانت، كما كل لبنان، خلال الحرب الأهلية، يقول زين انه في العام 1975 نزحت عائلات كبيرة من البسطة، وترافق ذلك مع بيع أملاك وتهديم البيوت القديمة الفخمة. وفي حين يعود زمن «النزوح الأول» إلى الفترة الممتدة بين الأربعينيات حتى العام 1975 توجه خلالها عدد من الأهالي إلى طريق الجديدة بسبب التوسع العمراني. تمتد فترة النزوح الثاني من العام 1975 حتى اليوم، وترك خلالها عدد من أهل البسطة حيهم، إلى عرمون وبشامون ثم مشارف صيدا لأسباب تتعلق بالكلفة المعيشية المتدنية هناك.

بالطبع، تغيرت خارطتا الأحزاب والتوزيع السكاني جذرياً اليوم في منطقة يرسم فيها التنوع المذهبي خصوصية كبيرة. تمشي في شوارع البسطة وزواريبها لتطالعك فسيفساء من اللافتات، في البسطة الفوقا صور كثيرة للشهيد رفيق الحريري وشعارات لتيار المستقبل، وعلى بعد أمتار قليلة، أي في البسطة التحتا مزيج من صور السيد حسن نصر الله، الرئيس نبيه بري وطبعاً لافتات كتب عليها «معك» تحمل صورة الرئيس الشهيد. ما عزز هذه الفسيفساء هو ضم حوالى 25 ألف ناخب من الطائفة الشيعية في لوائح شطب البسطة التحتا أيام حكومة الرئيس سليم الحص. وهي خطوة أثرت بعمق على الخارطتين الديموغرافية والسياسية لمنطقة تتعدد فيها الانتماءات السياسية والمذهبية.

بين الميجانا وأخصماك آه

في البسطة التحتا، وداخل مقهى صغير متعارف عليه باسم قهوة الأسعد «نفَس الأركيلة بألف ليرة» أما فنجان القهوة «فبألف أخرى» و«القهاوي» التي اهمل معظمها اليوم، كانت في السابق «قهاوي» لا يقصدها إلا القبضايات وكبار القوم حيث يتم التشاور بالأمور المستجدة.

هذا المشهد ليس بغريب على الحي، فقد عرفت البسطة الفوقا والتحتا أكثر من مقهى، اكثرها شهرة قهوة الباشا التي حُولت اليوم إلى مطعم مقابل مخفر الدرك في البسطة الفوقا، ولـ«القهوة» هذه «ميزة» خاصة على زميلاتها، إذ شاهدها كل العالم العربي بعد تصوير المغنية نانسي عجرم أغنية «أخصماك آه» في داخلها.

غابت السكك الحديدية وغابت أيضاً ظاهرة القبضايات، والقبضايات بحسب زين والكوش هم «مجموعة من خيرة الأوادم، يملكون هاجس الحمية القومية والدفاع عن العرض، وتجتمع فيهم صفات النبل والأخلاق الحميدة والكرم».

 وكانت علاقات بعض قبضايات البسطة وطيدة مع الزعيم رياض الصلح، وكانت كل خلية شعبية من قبضايات بيروت تضم حوالى ثلاثين شخصاً، عائلات قبضايات البسطة آل نعماني، شهاب الدين، جنون، خانجي، دعبول، صيداني، غلاييني، سنو، زين، زعتري وحلوي.

قد يفسر الاكتظاظ السكاني في البسطة، سبب تمايزها عبر احتضانها في مساحة صغيرة عددا كبيرا من المستشفيات (البربير، الإسلامي، رزق، صبحي الطيارة، مليح سنو ومستشفى الدكتور محمد خالد وغيرها)، وكانت تلك المستشفيات تشكل مقصداً للخليجيين تحديداً، بسبب قيامها بعدد من العمليات الجراحية الدقيقة والمعقدة آنذاك. أما المعلم الآخر الأساسي من معالم البسطة (الفوقا والتحتا) فهو احتضانها لعدد قياسي من المدارس:

  • مدرسة الشيخ نور

  • مدرسة المربي عزيز مومنة

  • مدرسة شريف خطاب

  • مدرسة العلماوي، مكارم الأخلاق

الغنى في الخدمات قابله غنى في الموارد البشرية هذا ما يؤكده زين بالقول: «في بقعة لا تتجاوز مئتي متر في البسطة الفوقا كان هناك الفنانون نجاح سلام، محمد سلمان، انطوان كرباج، شوشو، محمود الرشيدي ، الدروندي، محمد شامل، محي الدين سلام، الرسام مصطفى فروخ ، الأخوين فليفل وغيرهم».

للأسماء اللامعة في البسطة نصيب إذاً، لكن أهل المحلة يذكرون أسماء لمعت على طريقتها، إذ لا يمكن استعادة اسم «محل برجاوي» من دون بسمة، بسبب بائع قرر ان يعلق على بوابة دكانه الصغير لوحاً أسود يدوّن عليه بطبشورة بيضاء وبخط جميل، كل ليلة سبت، «حكمة» الأسبوع من وحي الواقع السياسي. كانت كل بيروت تأتي لتعرف ماذا كتب «أبو طبشورة» نهاية الأسبوع. ما زال المحل في مكانه، لكن الإبن عادل برجاوي لم يتابع عادة والده هذه: «خلص، صار في عنا اليوم مين بيرسم كاريكاتور وصار في تلفزيونات بكل بيت».

 بين «الفيشي» و«الزنطرة»

تراقب الحاجة سعاد شقير بشيء من الحسرة التغييرات التي طالت المنطقة التي عاشت فيها منذ صغرها، إذ تغيرت جغرافيا المكان وتغيرت العلاقات بين الناس «كان كل بيت له جنينة وقرميد، وكل بيت فيه ياسمينة، ليمون بوصفير، شجرة أكي دنيا، إضافة إلى زهر الحنة والفتنة».
تعتبر ان النساء كن يتمتعن بكثير من الامتيازات. تتذكر عندما كانت شقيقتها ترتدي الفيشي مغطية عينيها بقماشة شفافة، وكيف بطلت الموضة عندما كانت هي شابة فحل «الإشارب» مكانها، «بعدها أتت موضة السفور الكامل، وكان في زنطرة كثير، كنا ننزل على سوق الطويلة ونشتري أجمل الأقمشة والموديلات، أيامها كان دارج القصير والساتان والحياكة المرتبة».
أما الغواية التي طبعت مرحلة كاملة فكانت عبر لبس القبقاب من «القببجي» القادم من حلب.
تتأمل اليوم الحاجة الصبايا اللواتي يخطرن على طريق البسطة وتعلّق: «تغيرت الامور كثيراً، عندما كان يتقدم لأي صبية عريس من رأس النبع أو رأس بيروت كان غالباَ ما يكون جواب الأهل «ما منغرّب!
«.

أما في حال حاول شخص ان يعاكس صبية، فشبان الحي جاهزون لتعليمه أصول المرور في البسطة!. وفي زمن غياب الـ«بلوتوث» والانترنت والهاتف الخلوي، «لم يكن يستطيع الأحباء ان يتواصلوا أبعد من «شعيرية» النافذة.

تبتسم الحاجة شقير عند حديثها عن النساء في البسطة، تؤكد انه «كما كان للرجال نشاطاتهم الخاصة خصوصاً أيام المولد النبوي، كذلك كانت النساء تجتمعن يومياً ومداورة في ضيافة إحدى السيدات، وكانت الحاجة فهيمة العاصي من أبرز اللواتي حرصن ان يغص صالون بيتها بنساء الحي برفقة الموسيقى والطعام والشراب... طبعاً لغاية بعد الظهر موعد عودة الرجال أو الأولاد من المدرسة».

 تغادر البسطة وسط الزحمة التي استقبلتك، تبتعد عن آخر معلم لارتداء وكي الطربوش القديم، لتلتقي بشبان ببنطلون الجينز وتسريحات شعر حديثة. يصعب على المرء ان يتخيل حال البقعة التي يقف فيها يوم كانت المباهاة تتمحور حول «الشروال الطويل المدعّم أحياناً ببحصة» والقبة المخمل المكوية بعناية.