شارع الحمرا    

في غالب المدن العربيّة، لا سيما العواصم منها، أسواق تجاريّة تنفرد بطابع اجتماعي خاص، وفي هذه الأسواق يجد الإنسان ما يقصده من الأغراض وما يرغب به من أسباب الرزق أو مطالب اللهو وكذلك ما يرضيه من المرافق المتخصصة بشؤون الاقتصاد والمال أو بشؤون الثقافة والفكر وما إلى ذلك من المؤسسات الصحافيّة والإعلاميّة.

في دمشق نجد من هذا القبيل سوق الحميديّة الذي إكتسب إسمه من نسبته إلى السلطان عبد الحميد الثاني الخليفة العثماني المتوفى عام 1918م، وهو السوق الذي إرتبط إسمه باسم دمشق فلا يكاد يُذكر إلا ويتجه الذهن فوراً إلى هذه المدينة. وفي القاهرة سوق الموسكي وهو السوق التجاري الممتد من العتبة الخضراء إلى الجامع الأزهر الشريف.

أما شارع الحمرا في بيروت، فإن له حكاية خاصة به بدأت في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي حينما تنازع بنو تلحوق الدروز مع بني الحمرا المسلمين الذين كانوا يترددون على بيروت لبيع غلالهم ومحاصيلهم الزراعيّة، ونتيجة هذا النزاع إضطر بنو تلحوق إلى النزوح عن مساكنهم في رأس بيروت، المنطقة التي كانت تُعرف في عهدهم باسم، جرن الدب، وإلتحقوا بالجبل تاركين أراضيهم ومنازلهم لبني الحمرا الذين حلّوا مكانهم ونسبت المنطقة من يومها وعرفت باسم كرم الحمرا وأهمل إسم جرن الدب إلى غير رجعة، وهكذا فإن شارع الحمرا اليوم هو منسوب إلى بني الحمرا البقاعيين الذين تحدرت منهم عائلات بيروتيّة كريمة مثل:

·       آل العيتاني 

·       آل اللبّان

·       آل شاتيلا 

·       آل حمندي 

     وغيرهم.

 

وإذا عدنا إلي السنوات الأولى التي رافقت خروج بيروت المدينة إلى بيروت البريّة مع بداية الحرب الكونيّة الأولى 1914م ـ 1918م نجد أن كرم الحمرا أو مزرعة الحمرا كان قاطنوها يهتمون بأشجار المقساس لأنهم يستخرجون من ثمارها مادة الصمغ ليصنعوا منه الدبق لالتقاط العصافير، وكانوا يعتبرون ذلك تجارة رابحة تعطي أحدهم ليرتين عثمانيتين ذهباً ثمناً لما يلتقطه من العصافير في اليوم الواحد.

إن هذا الشارع الذي يحمل إسم الحمرا اليوم، كان حتى عهد بعيد عبارة عن خندق لا يكاد يتسع للرجل الواحد ودابته، بيد أن تطور العمران في بيروت وضواحيها وجّه الأنظار إلى كرم الحمرا فأخذت هذه المنطقة تشهد كثافة سكانيّة وأصبحت معابرها الضيقة تتسع وتمتد وتحمل أسماء تميزها بعضها عن بعض، فمحيط شارع بلس وجان دارك والمكحول كان يعُرف باسم زقاق طنطاس، وعندما دخل الخلفاء بيروت عام 1918م عرف شارع الحمرا باسم شارع لندن، كما أُطلق عليه إسم شارع شامبانيا على شارع جان دارك الحالي.

وطرقات مزرعة الحمرا بقيت كما عرفها الأجداد قبل مئات السنين بل عشرات المئات من السنين، أرضها رمال حمراء تلهب أرجل سالكيها في الصيف وتغرقهم بالوحول في الشتاء.

وأول بناء عصري على الطراز الحديث بني في شارع الحمرا هو البيت الذي بناه البروفيسور سيلي، ليكون مسكناً له وكان موضعه حيث مطعم الهورس شو اليوم وذلك عام 1923م، وهذه الطرقات لم تعرف التخطيط والتعبيد والإسفلت بما فيها شارع الحمرا نفسه إلا عام 1933م عندما قامت بلدية بيروت الممتازة بهذا العمل وأطلقت على شوارع المنطقة أسماء بعض العائلات المجاورة لها مثل :

·       العيتاني 

·       ربيز 

·       منيمنة 

·       مزبودي 

·       شهاب

·       دياب

وكان لكل من هذه العائلات مصيدها على إمتداد الشاطئ، تمارس فيه حرفة صيد السمك للبيع والمتاجرة، ومن هذه العائلات من كانت تحترف صناعة الأدوات الفخاريّة مثل القدور والأباريق والأطباق، وحتى الملاعق والمغارف، مثل آل الفاخوري الذين لهم فاخورة قرب الحمام العسكري حيث هو اليوم، وآل حمندي وكانت فاخورتهم في محلة الضهرة أي الروشة اليوم.

 وماذا أيضاً عن شارع الحمرا ؟

هناك المقاهي التي إختلط فيها الحابل بالنابل من أدباء بالفعل أو بالأمل، وفنانين بالطبيعة أو بالصناعة ومع هؤلاء وأولئك زمر الصحافيين الذين أصابتهم لوثة الكتابة الأدبيّة، وهلوَسة الشعر الحديث والحديث المنثور.

ومن أشهر مقاهي الرصيف في شارع الحمرا التي كانت تستقطب أولئك الذين مستهم حرفة الأدب أو جرفتهم التيارات الحزبيّة والسياسيّة مقهى الهورس شو الذي أفتقده هذا الشارع عندما بيع هذا المقهى وأخذ طريقه إلى الزوال، ومقهى الهورس شو ليس الوحيد الذي أقفل أبوابه بوجه المثقفين والفنانين، فتحولوا إلى كافيه دو باريس، فقبل الهورس شو أقفل لاروندا، وأقفل الروكسي، وأقفل مقهى النيغرسكو، وأقفل مقهى المودكا.

 

يبلغ طوُل شارع الحمرا اليوم نحو 1300 متر وهو يبدأ من الشرق عند تقاطع الطرق التي فيها وزارة السياحة والإعلام من جهة الجنوب وبناية جريدة النهار من جهة الشرق وينتهي غرباً عند تقاطع الطرق التي يقع فيها دكان البقّال الشهير بأبي طالب.