تلة الخيّاط

أثبتت أنها أكثر ارتفاعاً من الأشرفية بعد تحدي» فخذ الخروف «

تلة الخياط: «عربة درويش» لم تعد تمر على ورشة الأبنية الفخمة

على واحدة من أعلى مناطق بيروت تستريح تلة الخياط. أهالي التلة الأصليون صاروا قلة اليوم. البنايات الحديثة والعملاقة والفخمة غزت منطقتهم القديمة وغيرت الكثير من معالمها.

قبل ذلك كانوا عدداً قليلاً من العائلات، وكل واحدة تعرف الأخرى، كما عائلة واحدة كبيرة.

هكذا يحبون التكلم عن أنفسهم. هذه التلة تؤرخ لذكرياتهم ولماضيهم. هنا سمعوا صوت مدفع رمضان للمرة الأولى، وقد كانوا وقتها أطفالاً. هنا بدأ التلفزيون الأول في لبنان بثه على الأراضي اللبنانية كلها، وكان التلفزيون الأول في العالم العربي.. وهنا، على رمول هذه التلة، تعلموا ألعابهم الطفولية الأولى. لكن تلة الخياط تغيرت اليوم.

لم تعد المنطقة العائلية نفسها التي يعرف أهاليها واحدهم الآخر. صارت منطقة لأناس جدد ولطبقة أخرى. بيوتها القديمة الأخيرة تكافح اليوم من أجل الحفاظ على حياتها في مجتمع مديني تتسارع الحياة العمرانية فيه؛ الحياة العمرانية نفسها التي هجمت على معظم مناطق بيروت العتيقة وغيرتها.

يلفت المؤرخ والباحث الدكتور حسان حلاق الى أن تلة الخياط تتميز بجغرافية بيروتية تختلف عن بقية جاراتها بسبب ارتفاعها، على عكس مناطق منبسطة وسهلية كعائشة بكار، أو فردان، الأمر الذي دفع مصلحة مياه بيروت لاختيارها مركزاً لخزاناتها من أجل تسهيل وصول المياه الى مختلف مناطق بيروت. أما لناحية اسمها فيؤكد أن أول من بنى منزلاً على التلة، التي كانت عبارة عن «بَرار»، كان أحد البيارتة من آل الخياط. كان هذا في أواخر العهد العثماني. يرجح أنه اختار هذه المنطقة طلباً للنقاهة خارج ما كان يعرف وقتها بسور بيروت والمناطق المحيطة به. وكان من أبرز من أقام في المنطقة العلامة الشيخ محيي الدين الخياط «الذي كان علماً في ميدان الفكر والفقه والدين والسياسة، باعتباره كان عضواً في جمعية بيروت الاصلاحية عام 1913». من وقتها صارت المنطقة تعرف باسم تلة الخياط.

هي المنطقة الواقعة في المربع المشكل من شارع بشير القصار، منطقة الأونيسكو، شارع مار الياس، وشارع فردان. هكذا يرسم مختار المصيطبة خليل دوغان حدود تلة الخياط. التلة هي من المناطق التي تتبع عقارياً للمصيطبة. كانت كلها كثبانا رملية. من شارع بشير القصار نزولاً صوب الأونيسكو لم يكن هناك سوى الرمال التي تغطي المنطقة. كانت تتشكل من عدد من البيوت الصغيرة التي صارت تتزايد. قبل بدء حركة البناء فيها كان يطلق عليها «أرض الكلاب والواوية» للدلالة على خلوها من الناس. «حفرا نفرا ما فيها شي» يقول دوغان، الى أن بدأ البناء فيها.

يحكي ابن المنطقة أنيس طرابلسي عن المنطقة بينما يجلس في محل الأسطوانات المدمجة لذي يملكه فيها. يحاول أن يفرغ ذاكرته كلها. طرابلسي يبلغ السابعة والخمسين من العمر.

ولد في المنطقة وتربى فيها. يتذكر التلة بعشرة منازل. يسمي مالكيها كلهم: آل الخياط، والطبش، واللاذقي، والأنسي، والبلهوان، والحاسبيني، وعليوان، وبردى، والغلاييني، والسبع، وجمعة، والأوبري. معظم هذه العائلات خرجت من المنطقة الى مناطق أخرى. آل سلام كان عندهم حوش فيه 15 مستأجراً. الحوش كان متعدد الطوائف. سنة وشيعة ودروز يعيشون في غرف منفردة. المنطقة كلها كانت رمولاً وكهوفاً. هكذا ترسمها ذاكرته.

مقهى أبي النور

أبرز معلمين تاريخيين يتذكرهما أبناء المنطقة الأوائل هما مقهى أبي النور الكوسا ومدفع رمضان الذي كان يهز دوي اطلاقه، عند الغروب، المناطق المجاورة كلها. الناس يتجمعون في المقهى المفتوح على الهواء الطلق. يدخنون الأراكيل ويشاهدون الطائرات التي تهبط وتقلع من مطار بيروت القديم الذي كان قائماً فوق الرمول في مقابل المدينة الرياضية اليوم، ويلعبون طاولات الزهر والورق. يتذكر طرابلسي أنه في أواخر الخمسينيات، في شهر رمضان، وكان يبلغ السابعة وقتها، كان أولاد المنطقة يعودون الى منازلهم، يقومون بواجباتهم المدرسية، ثم يصعدون ركضاً الى التلة للعب حتى موعد أذان الغروب حيث يتفرجون على اطلاق المدفع. «نضع أيدينا على آذاننا وبوف!،» فيعلو صراخ الأولاد وينطلقون بأقصى سرعة تجاه المنازل لتناول الافطار. الجيش كان عنده نقطة عسكرية على التلة. يأتي مندوب من دار الفتوى للتأكد من غروب الشمس. ينظر الى مأذنة مسجد الامام الأوزاعي وعندما تظهر أضواؤها يتأكد من أنه صار وقت الافطار. سليم الأبيض، وهو أحد أبناء المنطقة، يتذكر هذه التفاصيل بدقة. أيضاً كان هناك مسحر المنطقة، أبو رستم البيلاني، الذي كان منزله يقع مكان خزانات شركة المياه الحالية. أبو رستم كان يجول على المنازل وينادي أصحابها واحداً واحداً بأسمائهم للاستيقاظ وتناول السحور. كان الصغار يستيقظون باكراً صباح العيد لزيارة الكبار من الأجداد والأعمام والأخوال للحصول على العيدية. «الذي يحصل على ليرة كان زنكيلاً وقتها»، يقول طرابلسي. أما كيفية الاحتفال بهذه الليرات فـ«بأكلة مكدوس مخلل في عائشة بكار وبلعب المراجيح عند أم سليم مشاقة في زاروب تلة الخياط، ليختتم النهار بمشاهدة فيلم سينما في واحدة من الصالات الثلاث الموجودة في المنطقة: سميراميس، أو عايدة، أو بلازا».

بفخذي الخروف

يجزم طرابلسي أن منطقة تلة الخياط هي المنطقة الأعلى في بيروت. لهذا التأكيد قصة ينقلها عن لسان جده محمد محمود طرابلسي. يومها تراهن سكان الأشرفية وسكان تلة الخياط على أي من المنطقتين هي الأكثر ارتفاعاً في بيروت. كل فريق تمسك بوجهة نظره بأن منطقته هي الأعلى، فكانت ضرورة الحسم. قام سكان المنطقتين بإحضار فخذي خروف وعلقوا كل واحد منهما في أعلى نقطة من المنطقتين. أهالي الأشرفية علقوا الفخذ في منطقتهم وأهالي تلة الخياط علقوا الفخذ بحبل على شجر الكينا عند آل الأنسي. بعد مرور ثلاثة أيام توجه المتراهنون للكشف على «فخذ الأشرفية» فوجدوه متسخاً ورائحته الكريهة تعبق في المنطقة. صعدوا الى تلة الخياط فوجدوا «فخذها» على حاله. وصلوا الى قناعة بأن التلة أعلى لأن البرد في النقطة الأكثر ارتفاعا حفظ الفخذ، كما تأكدوا يومها من أن هواء المنطقة «نظيف ونقي وصحي».

يشير حلاق الى أن تلة الخياط كانت في العهد العثماني أكثر ارتفاعاً مما هي عليه اليوم، كذلك الأمر في عهد الانتداب الفرنسي. كانت تسيطر على المنطقة مجموعة من الهضاب المتوازية تتشكل من صخور، بعضها حاد وبعضها رملي يسمى «النحاتة»، أي الصخر المنحوت. أما لماذا كانت هذه المنطقة أكثر ارتفاعاً مما هي عليه اليوم فلأنها كانت تعتبر من البراري البيروتية خارج مدينة بيروت ولم تطأها الأقدام الا نادراً. ما حصل هو أن البيارتة صاروا يستخدمون هذه الصخور لبناء بيوتهم المتواضعة في داخل بيروت فصارت هذه الهضاب تنخفض تدريجياً.

عصبية «زائدة»

قصة أخرى يتذكرها طرابلسي تبين حب أهل المنطقة لبعضهم وعصبيتهم تجاه أبنائها. القصة حدثت معه في سينما عايدة التي تقع في منطقة الزيدانية. كان في السادسة عشرة يومها. ذهب مع أخويه لمشاهدة فيلم في السينما، وخلال العرض انقطع التيار الكهربائي فطلب من أخيه الذي يكبره أن يذهب لاحضار شمعة لأن أخاه الأصغر يريد دخول الحمام. بعد نزول الأخوين لاحضار الشمعة عاد التيار الكهربائي. مرت عشر دقائق ولم يظهر للأخوين أثر. شعر بالقلق فتوجه نحو مدخل السينما ليجد العمال يضربون أخويه. عندها استل سكينه «الست طقات» وقفز من عن الدرجة السابعة للسينما و«شطب» اثنين منهما. يتصل مدير السينما وهو من آل البيبي بمالكيها خالد وهاشم عيتاني فيحضران على الفور. خالد عيتاني كان من قبضايات المنطقة، مسدسه لا ينزل عن خصره، كان «زكرتاً» وله مكانته، هو وشقيقه. يتعرف اليه أحد الأخوان عيتاني. «هذا ابن شفيق طرابلسي وخاله مختار عيتاني». مختار عيتاني كان وقتها المفوض الأول «النقيب» الذي أسس فرقة الـ16 بتكليف من مدير شرطة بيروت المقدم عزيز الأحدب. بعد الاتصال بعيتاني (الخال) يصل على عجل الى السينما بمواكبة جيبين عسكريين. يأمر الولد بتسليم السكين ويطلب من العسكريين أن يضعوه في الجيب. في هذا الوقت يصل خبر الاشكال الى التلة فيتجمع أهل المنطقة ويتوجهون مباشرة نحو السينما. أكثر من خمسين شخصاً من آل العجوز، وجليلاتي، والسيوفي، والطبش، وعيتاني. يشكلون تظاهرة أمام مدخل السينما اعتراضاً على التعرض للشبان الصغار، لكن النقيب عيتاني يطلب منهم المغادرة. بعدها يأخذ ابن أخته الى منزلها ويطلب منها أن تمنع ابنها من حمل السكين مؤكداً أنه في حال كرر فعلته هذه فسيضعه في السجن مع المساجين.

يروي طرابلسي هذه القصة كلها ليؤكد أنه كان هناك محبة بين أهل المنطقة «أي مشكل يصير خارج المنطقة يركض جميع أهلها للمساعدة»، متأسفاً على هذه الايام، حيث يقف الجار ليتفرج على جاره عند حصول اشكال بدلا من أن يبادر الى الصلحة، ومعلقا «بيروت تغيرت كثيرا... ».

 
نغمة جديدة

في مكتبه الكائن في محلة دار الفتوى (تابعة أيضاً للمصيطبة) يتهكم المختار دوغان على الحال التي وصلت اليها النعرات الطائفية في البلد. «كان هناك رابط حميم بين أهل التلة لا سيما بين السنة والشيعة. لم نكن نعرف هذه اللغة. كنا نأكل ونشرب وننام عند بعضنا. كلما أرى أحدهم اليوم نضحك على الحال التي وصلنا اليها». يتدخل أبو علي رملاوي في الحديث متسائلاً باستغراب « من كان يعرف قبلاً أنني شيعي والمختار سني، كلنا مسلمون وقرآننا واحد». أبو علي هو من أبناء المنطقة ومساعد المختار في مكتبه منذ أكثر من عشرين سنة.

يروي المختار أنه قصد إحدى المكتبات منذ فترة وطلب من صاحبها «قرآنا سنيا» فصعق صاحب المكتبة. يضحك المختار معلقا «عيب، والله عيب». يريد ان يشرح ان القرآن واحد وكلا المذهبين ينتمي الى دين واحد.

الأبيض يستغرب بدوره النغمة الطائفية. «لم نكن نعرف طوائف بعضنا، كنا كلنا نعيش كعائلة واحدة.. تلة الخياط لم تعرف الطائفية بحياتها. كان أهلها خليطاً من السنة والشيعة والدروز والموارنة والسريان والأرثوذكس». يؤكد أنه أثناء الحرب لم تقع أي اشكالات في المنطقة «لأن سكانها قلة وعاقلون وبحالهم».

طرابلسي يستفيض أيضاً عن محبة أهل المنطقة وغيرتهم على بعضهم البعض. كان إذا مرض أحدهم ولم يشاهَد في المنطقة ليومين متتاليين، يتجمعون ويذهبون لعيادته في منزله. كانوا يجمعون المال له ويضعونه تحت وسادته. الأمر نفسه ينطبق على العاطل عن العمل. يقول طرابلسي «الأخوة في المنازل لا يحبون بعضهم اليوم مثلما كان أهل المنطقة يحبون بعضهم».

ترفيه أولاد التلة

ألعاب كثيرة لعبها أبناء المنطقة في صغرهم. كانوا يبتدعونها لضيق حال اليد وقتها ولانتفاء وسائل لعب أخرى. حفاة، يلعبون على رمال التلة. «كنا نلعب حفاة والحذاء نلبسه للمدرسة»، يقول طرابلسي. يتحدث عن هذه الألعاب المختلفة. من بين هذه الألعاب واحدة شهيرة تقوم على أن يحفر الأولاد حفرة صغيرة في الأرض يسمونها «المسكوبية» بعد أن يكونوا قد جمعوا الكلل و«صحون» (أغطية) قناني المشروبات الغازية. على اللاعب أن يرمي الكلة أو الصحن في قلب الحفرة ليرتطم مرتين، الأولى داخلها والثانية خارجها. الذي يعلق صحنه أو كلته داخل الحفرة يخسر. أما الذي ينجح في هذه المهمة فـ«يقش» الحفرة كلها. هذه اللعبة تطورت في وقت لاحق. صارالأولاد يلعبونها ببزر المشمش. مبدأ اللعبة بقي نفسه. أما بزر المشمش فيقوم الأولاد بتكسيره و«نقع» اللب (النواة) في المياه لعدة أيام حتى تخسر الألباب المرة مرارتها. بعد نقعها تقوم الوالدات بسكب القطر عليها فتشتد لتصبح مثل السمسمية والفستقية فتقطع وتؤكل. دوغان يتذكر أيضاً هذه اللعبة ويضحك. يضيف اليها لعبتي «الإكس» والطائرات الورقية التي كان يصنعها الأولاد ويقومون بإطلاقها عن التلة، ثم يستغرق في الضحك. يبدو أن حديث الألعاب يستثير جدية المختار الخمسيني. يقول: «شو كانت الدنيا فيها بركة». طرابلسي يشرح أن هذه الطائرات كانت تصنع من القصب والأوراق. من يقدر على ايصال الطائرة الى أبعد مدى فهو «الأرجل»، أي الأكثر رجولية. يغور في ذاكرته أكثر ليتحدث عن بائع حلوى التمرية. كان يمر في المنطقة حاملاً فرش التمرية ويتراكض الأولاد خلفه.

التمرية كانت تباع بفرنك واحد. هي عبارة عن خبز محمص محشو بالحليب المطبوخ ويغطي وجه الخبز السكر الناعم. أيضاً كانت هناك «عربة درويش» بائع التين والذرة المشوي والمعلل. المعلل هو تفاح يعلق على عود من الخشب ويغمس في القطر الأحمر. درويش كان ينادي بأعلى صوته لجذب أولاد المنطقة. ومما كان يصدح به: «على بوكر يا تين». وبوكر (بفتح الكاف) بالعامية، هي كلمة الدلع لـ«عبكرا»، أي صباحاً. طرابلسي ما زال يذكر هذه الكلمات بوضوح لافت. وبحسب روايته أيضاً، فإن جده محمد محمود طرابلسي هو أول من أدخل تلفزيوناً الى تلة الخياط. كان الجد يعمل جمركياً أيام الفرنسيين فأحبه الفرنسيون وأحضروا له تلفزيوناً صغيراً بالأبيض والأسود. التلفزيونات الملونة لم تكن قد ظهرت بعد. كان أولاد المنطقة يتجمعون في دارة الجد كل يوم خميس لمشاهدة مسلسل «ران تان تان».

التلة الحديثة

المار في منطقة تلة الخياط اليوم لا بد من أن يلحظ الكثير من الورش. أكثر من عشر ورش بناء في شارعين. حركة البناء لا تهـدأ فيها. «المنطقة أصبحت للأكابر والأغنياء اليوم والطبقة الشعبية لا تستطيع أن تتملك فيها لأن أسعار العقارات ارتفعت كثيرا»، يقـول دوغان، لافتاً الى أن أكثر من ثلاثة أرباع سكان التلة الحاليين هم من خارج المنطقة وبيروت. معظم السكان الجدد هم من كبار التجار والمدراء وأصحاب الأملاك والمغتربين والأثرياء، موازاة مع بعض الطبقات الوسطى. الأبنية الحديثة جذبت عائلات جديدة الى المنطقة. أسعار الشقق في هذه البنايات الفخمة والحديثة تبدأ بـ500 ألف دولار أميركي وتتدرج صعوداً. هذا ما يؤكـده أحد السماسرة في المنطقة. الأبنية القديمة كانت تتألف من طابق أو طابقين. صارت العائلات تبيع عقاراتها ليتوزع الارث بين الأولاد والأحفاد وهؤلاء إما يحصلون على شقة في البناء الحديث أو ينتقلون للسكن في مناطق أرخص. طرابلسي يتحدث بالأسماء عن العائلات التي غادرت. آل السبع انتقلوا الى عائشة بكار وبرج البراجنة.آل الطبش غادروا. آل عليوان عادوا لجمع شملهم بعدما هدموا بناءهم القديم وعمروا مكانه واحداً جديداً، هذا بالنسبة لشبان العائلة، أما بنات العائلة فتزوجن وانتقلن الى خارج المنطقة. الكثيرون توزعوا ما بين بشامون وعرمون والسعديات ومناطق بيروتية مختلفة. طرابلسي يسكن اليوم في منطقة الظريف.

وكتب الزميل فاروق الجمّال:

«تلّة الخياط».. بدون مدفع!

لشهر رمضان في بيروت «حارسة التقاليد» الرمضانية وأعيادها، طابع خاص مميّز تنفرد في بعضها عن مثيلاتها في المدن والقرى اللبنانية كعاصمة «القلب» طرابلس أو صيدا بوابة الجنوب.

وفي استقبال ليالي المقمرة المفعمة بالروحانية يقوم الأطفال بإطلاق (الألعاب النارية) التي تلوّن سماء بيروت (عاصمة التسامح)، بإبداع الألوان وهي عادة توارثوها عن الآباء والأجداد!!

الأكلات التقليدية تتصدّر مواعيد (العائلات البيروتية) وبين سطور الكلام تكتشف عن أنّ رمضان زمان يكسب بالحنين إليه بالكلام عنه، وبخاصة مدفع الإفطار فوق هضاب تلّة الخياط التي حلّت مكانها (ناطحات السحاب) وضاعت معالمها وعماراتها القرميدية وأشجار الورد والياسمين والعطرة التي كانت تنعش أصحاب (القلوب البيروتية) البيضاء عبر الفصول الأربعة!

أشهر العائلات التي كانت تقطن بجوار مدفع الإفطار: آل الخياط، كالمربية المقاصدية سلوى الخياط مديرة مدرسة خديجة الكبرى، والحشّاش، وحاسبيني، وعليوان والشامي، وشخصوني، وعائلة الرسام عمر الأنسي وزوجته الفرنسية، وآل المصري - محمّد المصري والد المطربة سعاد محمّد (المصري) والمدقّة (المطربة هيّب مدقّة الحسيني)، والشيخ محمّد عساف، والأوبري وغيرها.

ومع بناية «حسين العويني» والشركة «الخماسية» أوّل طلعة الخياط، اختفت معالم التلال المكلّلة بأغصان الزيتون، والصبير، ولوحات الأشواك التي لا تتطاير أشواكها وتجرح الطفولة وأسر بيروت العابقة بعطر الياسمين التي كانت «تتفرّج» على فوهة المدفع وتحنّ إلى صوته كل غروب شمس وتنتظر معه إلى سماع آذان المغرب عبر مئذنة مسجد عائشة بكار بصوت المقرئ الضرير الشيخ خالد الشرقاوي. المدفع اختراع عربي! والشرق اكتشف البارود.. والغرب طوّره..والمدفع حفيد المنجنيق. وعام 1313 تمّ اختراعه، ومدفع تلّة الخياط كان يضفي نكهة رمضانية جديدة ويذكّرنا بـ«المدافع العثمانية».

وعشية السحور يطل المسحراتي أبو رستم الكيلاني وينقر بطبلاته «الصلبة» بمشاركة أطفال الاحياء ويجولون عند أبواب وبيوت الحارات حاملين الفوانيس الملوّنة مهلّلين للشهر الفضيل.

أعلى الصفحة