عن مغامرة الفرسان الخمسة في الملاهي الثلاثة

مونو: انتصار رصيف السياسة الجديّة على رصيف الليل والخفّة

بعد ظهر اثنين عادي، والمدينة في أوج ضجيجها وغبارها، يجلس بضعة شبان في ظلال شجيرات خضراء. يلتهمون أسياخ اللحم المشوي ويحتسون كؤوس العرق البلدي. يتناقشون.

هذا نقاش في السياسة خففه السائل الثلجي. جعل العوني والاشتراكي والقواتي واليساري الديموقراطي والموظف في إحدى مؤسسات تيار المستقبل يضحكون عالياً لحديث كان ليكون أكثر جدية بمراحل لو ان هؤلاء أنفسهم جلسوا في استديو «كلام الناس» مثلاً.

غداء الاثنين بدا مع التحركات اليومية للقوى الشبابية في 14 آذار. نسجت السياسة صداقة متينة بين شبان من قوى سياسية التقت فجأة عند ما قدرت، او اعلنت، يومها انه ثورة. كانت الباحة الخارجية المشتركة للملاهي الليلة الثلاثة، «موركو» و«ميوت» و«رد كاربت»، عند طرف شارع مونو، ملتقى نهارياً لهؤلاء الشبان ومنهم بعض اصحاب هذه الملاهي، وهم ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة بدورهم.

حين وقع الانفصام في السياسة، ظلت الصداقة على متانتها. وبقي اللحم المشوي والعرق البلدي يجمعان الأضداد، قبل ان يغادر الجميع، كل الى موقعه السياسي.

على هذه العلاقة الملتبسة بين التسلية والجّد يقوم شارع مونو. بين رصيفين، يتمدد الشارع:

رصيف الليل، ورصيف السياسة. والقرية الحجرية الصغيرة الجميلة التي تؤلف الملاهي الثلاثة مجتمعة تبدو نموذجاً مصغراً عن بلد بهوية تائهة.

عام 2004 قرر خمسة شبان خوض مغامرة تكاد تكون مضمونة: قرروا استثمار ثلاثة ملاهي دفعة واحدة. قبلهم كانت المحلات الثلاثة متجاورة لكن بإدارات مختلفة، وكانت شبه مهملة.

قرر هؤلاء الشبان الموظفون في مهن مختلفة اقتراض المال. وضعوا مجتمعين نحو 200 الف دولار في مشروعهم. حسنوا مواصفات الأماكن الثلاثة، وأعادوا البيوت التي تتألف منها إلى ما كانت عليه يوم بنائها في ثلاثينات القرن الماضي. بيوت قرميد بجدران صخرية وأدراج وأشجار وغيرها.

مونو سنة 2004 كان في اوجه. الورشة التي استمرت لأكثر من سنة وسبعة اشهر فيه انتهت في اواخر سنة 2003 وافتتح رئيس الوزراء يومها، رفيق الحريري، شارعاً جديداً مرصوفاً بالحجارة ومضاء يتمتع ببنية تحتية ممتازة. اتى صيف 2004 بسياحة تلامس الهستيريا. جو عون، احد الشركاء، تخلى عن عمله كمهندس مدني وتفرغ للإشراف على المشروع الثلاثي. بلغة المستثمرين في مونو، كان ذاك الصيف: «بووم». صخب يومي لا ينتهي إلا مع ساعات الفجر. حياة هائلة ونجاح يتحقق لشبان يكادون لا يصدقون ما يقع معهم. في آذارين من سنتي صعود الشارع، اي 2001 و,2002 أقيم مهرجانان في الشارع حضرهما آلاف الشبان. في 21 آذار 2002 وصفت سحر مندور في صفحة «شباب» في «السفير» المشهد بما يلي: «بعد منتصف الليل، حققت السهرة هدفها، كالعام الماضي:

سيطرت الموسيقى فانطلق الرقص، سيطر المشروب فتحرر الشباب. السكر بات اكثر ارتفاعاً من طائلة المسؤولية فانتشرت القبل في الشارع والرقص، حميماً او مجنوناً. الشارع استوعب درجات التحفظ والمراقبة وحس المسؤولية، وتحول الى نادٍ ليلي ضخم يتسع لأشكال الشباب المختلفة، لأهواء السهر المتباينة، لا يفرض جو سهرة معيناً، يفرض جو سهرة عاماً».

كان الشارع يصعد الى ذروة غير مسبوقة لبنانياً. وكان صيته قد صار ذائعاً في سماء العرب.

يكفي ان تضع اسمه على غوغل اليوم حتى تقرأ من ارشيف المدونين احكامهم المسبقة على لبنان من خلال اختزال البلد بهذا الشارع وحده، إن هياماً بالبلد الرائع، او شتيمة للبلد «المنحل».

شارع يختصر بلداً. هكذا كان مونو. ثم جاء 14 شباط .2005 عادت السياسة لتكون فاعلا مباشراً في الشارع الذي كان طوال الحرب خط تماس، او بكلام تلك الايام، واحداً من «خطوط الدفاع المتقدمة» عن المنطقة «الشرقية».

ليس غريباً ان يقرر الشاب سامي الجميل «الدفاع» عن الاشرفية في مساء «بسمات وطن» انطلاقاً من مونو. هو ورفاقه اتبعوا يومها، ربما، منطقاً غريزياً قادهم الى حيث كان المحتجون على «بسمات وطن» يقطعون طريق الشام عند اول شارع مونو لجهة بشارة الخوري. قبل ان يولد سامي الجميل، كان مراهق مجهول، «ابن المنطقة»، يحمل سلاحاً وينزل ليدافع عن «القضية اللبنانية في وجه الغريب الفلسطيني ومشروع تحرير فلسطين الذي يمر من جونيه». هذا المراهق في السبعينات، سوف يدافع وينضم الى صفوف «الكتائب» ويرى شارعه يُدمر ويُهجر وينفصل عن غرب المدينة بساتر ترابي عملاق. هذا الشاب سيكبر في «قلعة محصنة». وسيرى ايضاً بطله، الشيخ بشير الجميل، يأتي متفقداً الشباب تاركاً فيهم الكثير من الأحلام الكبيرة.

انتهت الحرب على شارع منكوب. الشاب، واسمه ميشال جان ناصر، سيسافر لسنوات قبل ان يقرر العودة الى الشارع الذي لذويه فيه مبنى. الشارع البشع المهشمة ابنيته نهاراً والمعتم ليلاً كان يجاور جامعة القديس يوسف. هذه الجيرة للجامعة جعلت احدهم يتجرأ ويفتتح ملهى في اوائل التسعينات ولن يستمر طويلاً. ميشال فكّر في منفعة من مبنى العائلة. دفع خلواً لمستأجر وجلب مستثمراً رمم المبنى وافتتح في طابقه الأرضي المطعم ـ الملهى «باسيفكو».

هذا الملهى كان يتيماً في شارع عرف قبل الحرب بكثرة المطابع فيه، على غرار الخندق الغميق، جاره في القاطع الآخر. سنة 1998 انتخب ميشال مختاراً عن منطقة الصيفي، وأخذ على عاتقه إصلاح الزاروب المتفرع عن مونو والذي يقع فيه «الباسيفكو». على طول 250 متراً كان عدد الملاهي قد بلغ نحو عشرين ملهى، وكان الليل قد بدأ يختلف في مونو. اصلح ميشال الزاروب وأعاد رصفه وقدمه نموذجاً لما يمكن ان تكون عليه هذه المساحة الممتدة بطول نحو 700 متر. الشارع المرمم صار معروفاً بزاروب المختار. ومن هذا الزاروب خرجت الملاهي وراحت تتمدد في مونو ومتفرعاته. «قب» الشارع بلغة المستثمرين فيه، وقد انتخبوا ميشال نصر رئيساً للجنة اصحاب المطاعم والملاهي. وفي سرعة قياسية، ارتفع عدد الملاهي حتى ناهز الخمسين. صارت كل زاوية مهما صغرت فرصة جديدة. والدكان الذي ظل يبيع السكاكر طوال ايامه، أزاح السكاكر جانباً، وفرش المشروبات الروحية، يبيعها لمن يريد أن يملأ دمه بالكحول كي يدخل ثملاً إلى المهلى الليلي ولا يضطر الى دفع ثمن كؤوس كثيرة كي يصل الى الحالة التي يريدها. الملاكون تشجعوا. دفعوا للمستأجرين القدامى مبالغ عالية لقاء الخروج من عقارات عتيقة وشبه متهالكة. وجاء المستثمرون يستأجرون ويرممون الأبنية العتيقة التي معظمها من طابقين او ثلاثة. عاد الشارع جميلاً، يذكر بتاريخ قديم كان يوصف فيه بأنه «راق». كله شجر وبيوت فخمة. يقطنه كبار القوم: الرئيس شارل الحلو وبيار الجميل الأب وغيرهما. لكن سكانه الأصليين صاروا قلة. وارتفعت بدلات الإيجار فيه. صار شارعاً لليل فقط. ينام نهاراً.

ميشال نصر يقول إن «القَّبة» الثانية لمونو كانت بعد نفض بنيته التحتية بالكامل والتي بدأت في ربيع 2002 وانتهت في تشرين الأول .2003 بعد نفض البنية التحتية ضمن مشروع لتحسين شوارع في المدينة منها الحمرا وبربور وكورنيش النهر، لم يعد مونو يتحول الى نهر حين تمطر. ولم تعد مجاريه تطوف. وخرج ليله من العتمة. الشارع الذي سمي باسم الأب امبواز مونو، وهو من الآباء اليسوعيين الذين اختاروا تلك المنطقة لمدارسهم وجامعتهم، هذا الشارع كان ينتظر خبراً سيئاً: انه الصراع السياسي يدق بابه، ويضع في احد نواحيه، ذات ليلة صاخبة من ليالي تموز 2005 عبوة ناسفة تؤدي الى سقوط ثلاثة جرحى، وإلى هرب الساهرين مرة جديدة، في زمن كانت العبوات الناسفة، تكاد توقت انفجاراتها في ايام آخر الأسبوع. مذ ذاك الوقت، ومونو يصاب بالخسارة الواحدة تلو الاخرى.

غداءات الاثنين في باحة الملاهي الثلاثة ليست مدفوعة. كما في النزهة الى البرية، يجلب كل واحد غرضاً، وتقوم النزهة. لكن جو عون وشركاءه ينتظرون الليل ليفتحوا دفتر الحسابات:

ثمانية آلاف دولار إيجار شهري هو وحده مبلغ هائل. وكما الساعة كانت تدفع الضرائب:

الصحة والمالية والضمان والبلدية وغيرها... إضافة الى فواتير اخرى كثيرة ورواتب لنحو اربعين موظفاً. لكن، وكالأميرة التي تنغص عليها نومها حبة البازيلا تحت عشرين فراشاً، فإن السياحة لا تقوم في مثل الطقس السياسي اللبناني بعد 14 شباط. موسمان صيفيان ضاعا حتى الآن. الأول في انفجارات سنة ,2005 والثاني في حرب تموز. بعد الحرب قام مونو قليلاً من كبوته فاغتيل الوزير بيار الجميل. نام الشارع من جديد. وأتى اعتصام وسط البلد متزامناً مع صعود شارع الجميزة، الذي بات يشكل خطراً حقيقياً على مونو.

جو عون يضع بعض اللوم على الاعتصام ويضع الباقي على الطبقة السياسية برمتها، معارضة وموالاة. المشروع الآن واقع في الخسارة. وجباة الضرائب لا يتأخرون عن موعدهم لحظة، بينما البلد في حالة فوضى عارمة. أربعون موظفاً كانوا خليطاً مسلما ومسيحياً لم يبق منهم إلا موظف واحد براتب شهري وبضعة آخرين مياومين. الدولة لا تنظر بعين الرأفة في الحالة التي وصل اليها شارع كان ايقونة سياحية. «العرب لا يأتون الى لبنان من اجل الثقافة»، يقول جو. «هم يريدون السهر واللهو، ومونو كان قد تحول الى ظاهرة جذب لهم ولغيرهم». في الاشهر الأخيرة ظهر نوع جديد من السياح: بضعة اميركيين وأوروبيين. هؤلاء صحافيون، منهم واحد اسباني قال لجو إن لبنان كثير المشاكل لذا فهو ما أن يذهب منه حتى يعود. لكن شارع مونو لا يمكنه ان يعتمد على مثل هؤلاء ولا ان يستمر على مثل هذه الحال.

هذه مشاريع لا تحتمل هزات متكررة. في لحظة ترتفع وفي مثلها تهبط. هكذا، بدأت ملاه كثيرة بإغلاق أبوابها. البعض هاجر الى الجميزة، والآخر اوقف عمله. جو يقول إنه الآن يفكر في كيفية ان يخرج من مشروعه، الذي كان حلماً، من دون ديون على كاهله وشركائه.

انقلاب المشهد درامي. من عمل ممتع وأحلام وسيولة مادية الى ضرب أخماس بأسداس وتوجس على سمعة وإحباط تام لشبان من بلدهم. هؤلاء الذين «يتخانقون» في السياسة، لم يتقاتلوا يوماً في احد الملاهي الثلاثة. الكأس يجمع المسلم والمسيحي، يقول جو. وتراهم ذاك يصنع بأصابعه مثلثاً قواتياً فيرد عليه الآخر بإشارة الصح العونية. ويضحكان لبعضهما. وفي النهار ينهار البلد، ولا احد يسأل.

اذا زرت بيروت فلا بد و ان تعرج على شارع "مونو" اما صدفة او بدعوة من العارفين بخبايا المدينة،أو ربما بفضول منك للتعرف على هذا الشارع الذي صار جزءاً لا يتجزأ من قلب بيروت النابض. فاسمه صار على كل لسان،بل انه ادرج على لائحة الاماكن المعروفة والمواقع المشهورة التي يشملها الدليل السياحي لمكاتب السياحة والسفر في لبنان.

◄ 50 مطعما في 300 متر

مونو تحول الى شارع ذائع الصيت بعدما زاره اكثر من فنان ونجم عالمي منهم كلوديا شيفر، ستينغ واخيراً انريكي ايغليزياس، الذي تجول في احيائه خلال اقامته القصيرة في بيروت، حيث احيا حفلاً غنائياً كما زار ايضاً شوارع لبنانية اخرى كشارع الحمرا والكسليك ومنطقة السوديكو.

يمتد شارع مونو على طول 300 م وسط بيروت، يزخر حالياً بحركة سياحية ناشطة سببها انتشار المطاعم فيه بشكل ملفت، ذلك ان اكثر من 50 مطعماً ومقهى توزعت في هذا الشارع الذي بات يضاهي شارع الشانزليزيه الفرنسي شهرة بازدحامه واضوائه وناسه، ولعل المطاعم المختلفة الموزعة على جوانب أرصفته والتي تخولك تذوق اطباق منوعة من مختلف بلدان العالم كالباستا الايطالية والسوشي اليابانية والشاتوبريان الفرنسية اضافت اليه هذه الشهرة الواسعة.

يشكل "مونو" امتداداً لساحة الدباس (وسط بيروت) فيتصل مباشرة بشارع عبد الوهاب الانكليزي الذي بدأت الشهرة تصله كونه الاقرب الى "مونو" ويتذكر احد سكان الشارع ويدعى جورج خوري بأن "مونو" كان شارعاً ضيقاً لكنه راق يسكنه "أعيان" بيروت من قضاة واطباء وحتى وزراء، منهم الوزير الراحل وديع نعيم وكانت اشجار الليمون والزيتون تظلل معظم عماراته التي لم تكن طوابقها تتعدى الاثنين.اما اسمه فقد حمله نسبة الى احد اهم الاساتذة الفرنسيين الذين توالوا على ادارة الجامعة اليسوعية الواقعة في شارع متاخم له فاراد اهل الحي تكريمه فاطلقوا اسمه على هذا الشارع.

واليوم تحول "مونو" من شارع ضيق وهادىء الى مركز تجاري ناشط يقصده السياح الاجانب ورجال الاعمال لعقد لقاءاتهم واتمام صفقاتهم على صوت قرقعة الصحون في مطاعمه المختلفة والمكتظة بالزبائن.

◄رواد من كل الأجيال

ولا يقتصر ارتياد هذا الشارع على اشخاص في عمر معين فهو يستقطب المتقدمين في السن ومتوسطي الاعمار اضافة الى جيل الشباب الجامعي، الذي يجد في احضانه مرتعاً "يفش فيه خلقه" ويدافع فيه عن استقلاليته ويذوب في رومانسيته لانه متعدد الاوجه ويتضمن المقهى والحانة والمطعم على السواء.

وتقول فابيان معماري الجامعية، "هنا بامكانك ان تعيش اجواء الشرق والغرب على السواء... فيه نشعر أنا واصدقائي اننا نلف العالم ونحن نجلس على كرسي في احد مقاهيه... وكما تعبق بعض حاناته بدخان السيجار الكوبي الفاخر فإن مطاعم اخرى يلفها صوت النرجيلة كما تمتزج رائحة السجائر في بعض مرابعه بروائح العطر الباريسية المستوردة لتعطي فكرة واضحة عن الطبقة الاجتماعية التي ترتاده وهي عادة من الميسورين".

وحراسة اماكن السهر في مونو يتولاها رجال يعملون "البادي غاردز" او بالـ"فاليه باركينغ" من شأنهم تنظيم عملية الدخول الى حرم هذه الاماكن او تسهيل مهمة ركن سيارة الزبون.

◄مسارح ومراكز للتسوق

وبالرغم من قصر مسافة هذا الشارع الا ان المرور فيه يستغرق وقتاً طويلاً نظراً لزحمة السيارات الوافدة اليه، وغالباً ما يسارع سكانه للعودة الى منازلهم قبل التاسعة مساء حتى يتسنى لهم ايجاد مكان لايقاف سيارتهم والا اضطروا للوصول سيراً على الاقدام.

وشارع "مونو" الذي يضم هذا العدد الكبير من المطاعم، هو اولاً شارع "الجامعة اليسوعية" في لبنان، اي اعرق مؤسسات التعليم العالي التي يعود تاريخها الى عام 1860، ومسرح مونو ومدرسة المخلص ومحلات للتحف وغيرها ذلك من المراكز التجارية الانيقة التي تقصدها عائلات بيروت المعروفة كآل طراد، بسترس، سرسق وغيرها. ويتوسطه المعهد الوطني الموسيقي والذي يضم طلاباً من مختلف مناطق بيروت".

البير ماضي صاحب محل حلاقة رجالي يقع وسط الشارع ما زال محافظاً على معالم محله القديمة والمتمثلة في باب زجاجي كبير ومروحة هوائية تتدلى من سقفه وتوزع الهواء الطري في اركانه، وهو يعتبر "مونو" من اهم الشوارع اللبنانية لاسيما وانه يحمل في احيائه وبين اشجاره الوارفة ذكريات جميلة لا تنسى ويقول: "في أزقة هذا الشارع كان يتم التحضير للانتخابات النيابية البيروتية، كان الناخبون يقصدونه من ساحتي الدباس والبرج ويتجمعون في مقاهيه الهادئة او امام مدرسة الليسيه القديمة فكان المرشح يعير افراده اهتماماً كبيراً اذ كانوا يشكلون قاعدة انتخابية هامة، اما اشهر العائلات التي سكنته فهي من آل جرمانوس والحلو وفرعون وطبرجي وغيرهم".

اثناء الحرب اللبنانية تحول شارع مونو الى واحد من خطوط التماس في بيروت، ودمر قسم كبير منه جراء القذائف العشوائية التي كانت تستهدفه، فهجره اهله وابتعد عنه سكانه مما ادى الى نسيانه. اما اليوم فتعتبر عقارات "مونو" من بين الاهم في بيروت والاغلى سعراً ويتباهى اهله بالسكن فيه، فيما يتنازع ورثة العائلات الميسورة فيه على ملكية عقاراته. اما عماراته القديمة فما زالت على حالها تزينها الشرفات المزخرفة بالحديد او الحديد المشغول ونادراً ما يطل عليها سكانها الذين يؤثرون البقاء في داخلها هرباً من الضوضاء وزمامير السيارات التي يضج فيها الشارع يومياً.

النائب الحالي عبد اللطيف الزين وهو من سكان الشارع العريقين وقد عاش فيه طفولته وايام شبابه، وما زال يذكر معالم قديمة كان يتميز بها هذا الشارع الذي يصفه بـ "الشارع الحدث" ويقول: "كان يتوسطه حرش كبير تتوزع حوله غرف يسكنها زوار اجانب او طلاب جامعة اليسوعية. اما ابرز الاحداث التي ما زال يتذكرها فهي تلك التي تتعلق بوفاة الرئيس رياض الصلح عندما مر فيه اكثر من خمسة آلاف شخص سيراً على اقدامهم ليصلوا الى ساحة الدباس للمشاركة في جنازة الرئيس الراحل".