لكل شعب أكلاته وعاداته

وللناس في رمضان مذاهب، فمنهم من يعشق السهر والسمر.. ومنهم من يهتم بالطعام والشراب فقط، ولكل بلد عاداته وتقاليده المتوارثة عن الأجداد والآباء، لهذا فإن رمضان له في كل بلد طعم مميز ورونق خاص، نحاول في السطور التالية التجول في بعض البلدان لنقل صورة سريعة عن الاحتفالات الرمضانية في العالم الإسلامي.
مع الاعلان عن ظهور هلال شهر رمضان في مصر.. تزدان الشوارع والمآذن بالأضواء وتعلو الابتهالات ويلهو الأطفال بالفوانيس.


مفردات وطقوس تميز شوارع المدن المصرية ايذانا بحلول الشهر الكريم ومن أهمها انتشار صانعي الكنافة والقطايف في كل الشوارع تقريباً، ملايين الفوانيس التي تزدان بها الشرفات ومداخل البيوت وواجهات المحلات.. ابتهاجات وأغان تردد (رمضان جانا) (وحوى يا وحوى).


وموائد الرحمن العامرة بالخيرات ونعم الله الكثيرة التي تخص هذا الشهر الكريم.. وبعد التراويح تزدحم المقاهى برواد المشروبات الساخنة والابتهالات أنها الأفراح والليالي الملاح احتفالاً بالعطايا والهبات التي تمتلئ بها جعبة رمضان.

ولهذه الليالي طابع فريد ينعكس على المساجد المصرية والمآذن.. فالقاهرة هي مدينة (الألف مئذنة) كما هو معروف.


وتبدأ الاحتفالات عادة قبل بداية الشهر بعدة أيام فيقوم الأطفال بشراء الفوانيس الملونة وإشعالها بالشمع في عز النهار استعجالاً بحلول الظلام لكي يطوفوا في الشوارع مرددين أغانيهم الشهيرة (وحوى يا وحوى) ويقوم الكبار بدورهم بتنظيف الشوارع ورش المياه وتعليق الإعلام والرسومات المبهجة على واجهات المنازل والمساجد وعندما يسمع صوت المدفع إيذاناً بالإفطار يتناول الصائمون طعامهم المطهي بعناية خاصة وتكون المائدة عامرة بكميات هائلة ثم يخرج الجميع إلى الساحات والميادين حيث فرق الفنون الشعبية في الخيام الرمضانية ولكن أفراح المساجد الرمضانية لها أصولها وطقوسها التي يحفظها المصريون عن ظهر قلب.


ألف بهجة وبهجة
فلهذه الأفراح جذور تاريخية تعرفها مآذن المساجد وتطرب لها، وأول مئذنة تبتهج بقدوم رمضان هي مئذنة الجامع الحسيني، وتقام في ساحته الخارجية مظاهر لا نظير لها منذ أن أنشأه الخليفة الظاهر بأمر الله الفاطمي عام (1154م - 549هـ) إذ يقيم المصلون بعد صلاة المغرب حلقات للاحتفاء بالمناسبة بعدها يخرج بعضهم من (الباب الأخضر) إلى السهر والجلسات العامرة بالمتسامرين.
وفي مسجد عمرو بن العاص وهو أول المساجد التي تم بناؤها بالقاهرة عام (21هـ -642م) هناك حيث الأروقة الفسيحة يكون موعد آخر مع البهجة، إذ يتجمع الأطفال والشيوخ معاً حاملين كل ما جاد به رمضان من وسائل الفرح والسعادة حيث أغطية الرأس الورقية اللامعة والهدايا على شكل أكياس من (حب العزيز) والفول السوداني التي تباع خارج المسجد بأسعار زهيدة وأحياناً مجاناً، ويستمعون للإنشاد الديني والغناء الشعبي.
الكنافة والقطايف
ومن المشاهد الرمضانية المحببة هي انتشار محلات الكنافة والقطايف في كل شوارع وحارات مصر تقريباً، فلا يكاد يخلو شارع أو حتى زقاق ضيق من صانعي الكنافة والقطايف الذين يصنعون الأفران الخاصة بهما في الشوارع في مشهد محبب لكل مصري مسلم.. وللكنافة والقطايف في مصر حكاية ترجع إلى عصر المماليك فهم أول من أدخلوا صناعتها للترفيه عن الصائمين والمحرومين لدرجة أنها أصبحت موضع مساجلة بين الشعراء فداعب أحدهم الكنافة بقوله :

وجاء عليها سكر دائم الدرر سقى الله أكناف الكنافة بالقطر
إنها.. تمر بلا نفع وتبا لأوقات المخلل


وقال شاعر في مدح القطايف:

فالصوم حينها لنا هات القطايف لي هنا
وأكرهها أنا قد كان يأكلها أبي
ذقت السعادة والهنا لكنى منذ ذقتها


 

سحر المقاهي
أما سهرات المقاهي في القاهرة فلها شكل مختلف ومذاق خاص، فهي عالم فريد متشابك له سماته الخاصة، وفي شهر رمضان تأخذ هذه المقاهي زينتها وزخرفها بشكل له سحر خاص، وظهور المقاهي القاهرية لم يحدد تاريخه ولكن الذي لا شك فيه أن المقاهي كانت جزءاً من الحياة القاهرية منذ أن اتسعت القاهرة، ولم تعد الحياة قاصرة فيها على الخلفاء الفاطميين، فالمقاهى في مصر بصفة عامة لها حكاية في التاريخ فالقهوة التي استمد منه المكان اسمه لم تدخل مصر إلا في القرن السادس عشر، وقيل إن أول من اهتدى إليها هو (أبو بكر بن عبد الله) المعروف ب(العيدروس) وللمقاهي في القاهرة تاريخ جميل، وسبب شهرة المقاهي أنها كانت للترفيه عند أولاد البلد وخاصة في شهر رمضان وأن أجهزة الراديو لم تكن منتشرة كما هو الحال اليوم، ولم يكن هناك بالطبع تليفزيون، ومن هنا تولي أصحاب هذه المقاهي الشعبية مسئولية تقديم المادة الترفيهية لهؤلاء الناس الشعبيين الطيبين، كانت وسيلة أصحاب المقاهي في تقديم هذه المادة هي الشاعر الشعبي بالربابة والمنشد البلدي الذي يشدو بالمواويل بكل أنواعها والشاعر الشعبي الذي كاد يختفي من حياتنا اليوم كان له وجوده المكثف في تلك الأيام التي تحكي من خلالها قصص التاريخ البطولي للعرب ورموزهم الشهيرة.
ورغم ظهور الفضائيات بسحرها، فما زالت المقاهي تعج بروادها طوال شهر رمضان، ومن يشاهد ازدحام هذه المقاهي في ليالي رمضان يظن ألا يوجد أحد في مسكنه، ولكن الحقيقة أن البيوت عامرة، والمقاهي تعج والخيام الرمضانية مزدحمة، والشوارع تموج بالبشر، في حركة دائبة وغير عادية احتفالاً وبهجة بالشهر الفضيل.


رمضان في لبنان
أول إطلالة لرمضان تعرف من أصوات مدافعه الثلاثة التي تطلقها الدولة وحينها يدرك المواطنون أن شهراً من نوع آخر يطل عليهم، شهر رمضان غير أن هذه العادة قد انقرضت في بعض المدن وخصوصاً في بيروت العاصمة أثناء الحرب الأليمة التي مرت على لبنان لكنها لم تغب عن المدن الأخرى كمدينة طرابلس، وهذا العام عاد البيروتيون ليسمعوا صوت المدفع من جديد بعدما طلبت دار الفتوى من قيادة الجيش إعادة إحياء هذه العادة.
ومدفع رمضان تقليد ابتدعه العثمانيون وعمموه في عدد من المدن والأمصار الإسلامية ويطلق عند غروب كل يوم في شهر رمضان إيذاناً بالأفطار أو بالأمساك.
السحور.. والأسرة
ينام المؤمنون في رمضان ويترقبون قدوم (المسحراتي) الذي يخترق بالمطرق الخيزراني سكون الليل يقرع به طبلته لإيقاظ النيام استعداداً لبدء يوم صومهم.
والمسحراتي هو أحد الرموز المحببة لنفوس المؤمنين ورغم أن صورته قد خفتت وتضاءل دوره في هذه الأيام إلا أن له رونقه المحبب دائماً في الأحياء الشعبية وبصوته الشجي منشداً أبياتا من الشعر الديني مثل: (يا نايم وحد الدايم يا نايم وحد الله) و(قوموا على سحوركم جاي رمضان يزوركم).
تكون العائلة اللبنانية في شهر رمضان على غير عادتها وبشكل لم تعهده من قبل، إذ إن الأسرة تجتمع بأسرها إلى مائدتي الإفطار والسحور، وهي كانت قلما تلتقي نظراً لتضارب مواعيد أفراد العائلة ومزاجهم وأوقات تناول طعامهم بسبب ظروف أعمالهم وانشغالاتهم اليومية.


موائد رمضان
مائدة رمضان في لبنان لها أصناف مميزة لابد أن تكون حاضرة كلها أو بعضها - على مائدة الإفطار أو السحور.
أول هذه الأنواع التمر الذي يتناوله الصائم عقب انطلاق مدفع الإفطار اقتداء بسنة النبي عليه الصلاة والسلام ولما له من فائدة طبية، فالتمر سيد المائدة وبه يبدأ الإفطار ويجب أن يكون في المقدمة.
أما ( الشوربة ( فإن لها الحظ الأوفر في الموائد الرمضانية وتنفع بضع حسوات منها في ترطيب الحلق الجاف تهيئة المعدة لاستقبال الوجبة الدسمة.
والشوربة على أصناف أفضل ما كان بالعدس المجروش والخضار، وهناك الطبق المميز في لبنان وهو (الفتوش) الذي يدخل في تركيبه جميع أنواع الخضار ويؤكل قبل بداية الوجبة الأساسية على الإفطار.
وتتفنن ربة المنزل - يشاركها معظم أفراد العائلة - في صنع صحن (الفتوش) فعملية تحضير (الفتوش) تحتاج إلا ثلاث أو أربع ساعات أحياناً للحصول على وجبة مغذية وضرورية لاشتمالها على أنواع الفيتامينات كافة.
وهناك (الفتة) والحمص بالطحينة اللذان يحرص الصائم على وجودهما على المائدة إضافة إلى العديد من المأكولات التي لا ينفصل وجودها عن رمضان منها الكبة النية والباذنجان بالطحينة وغيرها.
ثم هناك صنف آخر وهو (المغربية) تصنع من السميد ويفرك باليد ويتم (تهبيله) على البخار ويضاف إليها الحمص والبصل المسلوق وهى تشكيلة ضرورية مع المخلل.


مآدب جماعية في إندونيسيا
وتحتفل إندونيسيا باستقبال الشهر الكريم على المستويين: الرسمى والشعبي، فعلى المستوى الرسمي تتولى وزارة الشئون الدينية هناك إعلان بداية شهر رمضان بعد ثبوت رؤية هلاله، وعلى المستوى الشعبي.. بعد أن يتلقى الشعب البشرى بحلول الشهر الكريم.
بعدها يبدأ الأطفال والشباب فوراً في الطواف في الشوارع وهم يدقون الطبول ويرددون الأناشيد ليعلنوا فرحتهم بقدوم الشهر الكريم حتى موعد السحور.
ويبلغ عدد المسلمين في إندونيسيا نحو مائتي مليون نسمة، وهم من أشد المسلمين حرصاً على صيام رمضان، وممارسة روحانياته، وهم عادة يجتمعون رجالاً ونساءً في المساجد قبل الإفطار ليؤدوا صلاة المغرب، ثم يتناول الجميع إفطارهم في أماكن خاصة بالمساجد أقيمت خصيصاً لهذه المآدب الجماعية.
وعادة ما يبدأ مسلمو إندونسيا إفطارهم بالتمر واللبن سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلون المغرب، وبعد ذلك يتناولون الطعام الذي يعدونه في منازلهم، ثم ينقلونه إلى المساجد قبل موعد الإفطار.


السنغال.. زيارات مصالحة
وأهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في دولة السنغال هو حرص كل مسلم هناك على زيارة مصالحة أي شخص كان بينه وبينه أي سوء تفاهم أو خصام، ويطلبون من بعضهم البعض الغفران والسماح مع بداية الشهر الكريم، وهكذا يبدأ مسلمو السنغال الشهر الكريم كصفحة بيضاء، كما يمتاز هذا الشهر عند مسلمي السنغال بفرط عنايتهم واهتمامهم بفقراء المسلمين، وتأخذ كل عائلة مسلمة على عاتقها مهمة إطعام أسرة مسلمة فقيرة وإمدادها بكل ما تحتاج إليه من غذاء وكساء عدا ما تقدمه لها من صدقة أو زكاة فطر.
ويحرص مسلمو السنغال في إفطارهم في رمضان على تناول التمر والماء في بداية الإفطار، ثم يتناولون وجبة الإفطار الأولى بعد صلاة المغرب، وتسمى (اللاخ) وهي عبارة عن نوع من الحلوى المصنوعة من الدقيق المطبوخ من اللبن والسمن والسكر، وهي تشبه إلى حد كبير (سد الحنك) وبعد صلاة العشاء يتناولون الوجبة الرئيسية من طعامهم والمكونة من الأرز والسمك، وهم ينوعون في طبخ الأسماك باعتبارها عماد الأطباق التي يتناولونها على مدار العام.

وللناس في رمضان مذاهب، فمنهم من يعشق السهر والسمر.. ومنهم من يهتم بالطعام والشراب فقط، ولكل بلد عاداته وتقاليده المتوارثة عن الأجداد والآباء.