إرهاف للإحساس

 

أطلق الأرواح من أصفادها *** في بهيج من رياض الأتقياء

 

غاديات رائحات كالسنا *** سابحات بين آفاق الضياء

 

إنها يا شهر ظمأى فاسقها *** مشتهاها من ينابيع الصفاء

 

شهوة الأجساد قد ألقت بها *** في قفار ليس فيها من وراء

 

ما غذاء الجسم في ألوانه *** فيه للأرواح شيء من حباء

 

إنما الأرواح تحيا بالذي *** في صيام الجسم تزجيه السماء

 

يا ربيع الروح أقل واعطها *** صولجان الحكم في دنيا الشقاء

 

كي يعيش الناس من آلائها *** في رفاء وازدهار وارتقاء

 

هل درى أهل الحجا أن الذي *** شيطن الإنسان في الأرض اشتهاء ؟

 

زورق الشيطان في وجدانه *** طعمه فيها مع الإفراط داء

 

ما ارتقت إلا بزهد أنفس *** في طعام عنه عاشت في غناء

 

واطمأنت في حياة الروح لا *** تبتغي إلا لقيمات وماء

 

إنما سلطانها من دونه *** كل سلطان به الإنسان باء

 

حسبه أن أخضع النفس التي *** تسترق الناس حتي الأقوياء

 

أي سلطان يكف النفس عن *** موبقات غير قيد كالوجاء

 

إنه الصوم الذي أوحى به *** رحمة بالناس رب الحكماء

 

فيه ترويض لطبع جامح *** فيه روح فيه للمرضى شفاء

 

فيه للإحساس إرهاف فلا *** يأخذ الدنيا بعين الأغبياء

 

ليت من قد أفطروا فيه وعوا *** ما به قد جاء خير الأنبياء !

 

في كتاب منزل أو سنة *** من بيان ليس فيه من حفاء

 

من تعامى عن هداه عامدا *** فليسر في غية أنى يشاء

 

إنما الدنيا سراب خادع *** يصرف اللاهي به عما وراء

 

كل لذات بها موقوتة *** شفي ثنياها بذور الانتهاء

 

فاصرف الإحساس عنها وانتظر *** دائم اللذات في دار البقاء

 

إنه آت بلا ريب فلا *** تغمض الأجفان عن آتي القضاء

 

محمد عبد الرحمن صان الدين