ابو الياس خمّة

جورج شمالي

كانوا يطلقون عليه هذا الأسم،اهو لمنظره، او لوسخه،لست ادري، انما الناس كلها في هذه النقطة من المدينة تعرف هذا الأنسان، يتحسنون عليه، ينهرونه، فينظر اليهم بعين باكية شاكية يتمتم بكلمات مبهمة ويمشي، ترونه  على مدار ايام السنة  يتسكع من زاوية لأُخرى ومن زاوية لزاوية في شارع البورصة القديم، لايتكلم مع احد انما في شرود دائم

مكانه المفضل امام بائع الكازوز يحى حمزة المستأجر حائط من شركة نقليات الغزال الذي يفصل بينه وبين محلات الشمالي وكانت ساعاته المفضلة بين الخامسة والثامنة مساءَ ، يجلس على صحارة الكازوز ويسند ضهره على الحائط مكان الحفارمحمد الأيراني ، ان لأبا الياس حساسية ضد النظافة لحيته الوسخة لاتقل قرفا عن قبة جاكته المطلية بالعرق والأتربة وهذه الجاكيت لاتفارقه لا صيفا ولا شتاء كأنها مخدته ولحافه وبيته وخزانته ،يمد يده خلسة الى جيب هذه السترة الداخلية ثم ينظر يمنة ويسرى و يسحب بطحة العرق ويأخذ مصةً ويمضغ بضع حبات من القضامة الصفراء المحببة له ويعيدها الى مكانها ويطمئن عليها .


 
في ليلة كانت فيها الحرارة والرطوبة عالية جدا، وبيروت في هذه الأوقات تكون شبه خالية من الناس لأنهم يهجرونها الى الجبال او الى البحر،  خرجت من مكتبي متأخرا فوقع نظري على ابي الياس يبكي ويقول هي التي عملت فيي هيك خرّبت بيتي اني اشرب حتى انسى تلك المرأة واولادها وكنت اسأله السؤال تلو الآخر ولم اعطه مهلة للتفكير  خشية ان يفوق من سكره وحتى يجاوب بسهولة.

 

 ـ من هي يا أخ ابو الياس فهز رأسه واجاب الله يخرب بيتها  صدقوني يا ناس هي التي خربت بيتي  كنت صحفي وكاتب وشاعر انا بعت اشعاري، حورياتي في سوق العبيد كالعواهر صدقوني ياناس كثيرون هم الذين عملوا شعراء من شعري كثيرون هم الذين اشتروا شعري وباعوه للملحنين والمغنين من اجل بعض ليرات لإشتري بها السم الهاري الذي اتناوله ، فتركته يصرخ وقد اجتمع حوله بعض الناس ومنظره لا يفارق مخيلتي ابدا، وذات يوم رأيته يجلس القرفصاء على الرصيف عند زاوية مقهى الفندق العربي وفي يديه ورقة وقلم ويبحلق بين الوجوه ربما على وجه امرأة قد اضاعها من زمان.

 عودة لصفحة قصص قصيرة