الصحفي والفيل

 

جورج شمالي

لاشك ان مدينتي قد تغيرت كثيرا وخاصة بعد الحرب، لقد تهدم ما تهدم وطمر ما كان تراثا جميلا، انما الذي تهدم على ايدي المجرمين ومصصاصي الدماء والمليشيات وقوات الردع والطيران الإسرائيلي والمافيات والعصابات،لن يعود ويبقى ذكرى   جيلنا وحده الذي سينقل المشاهد مكتوبة على الورق  وهو الجيل الذي عاش نهضة بيروت في مطلع الخمسينات حتى اوائل السبعينات ، كنا نتجول في شوارعها  ونشاهدالجمال الطبيعي في الجادات والزواريب والأسواق القديمة ومحلات بيع الأنتيكات والتحف النادرة وهذه الأشياء كانت تلتقى في اول مدخل وادي ابو جميل من جهة حيث كان يوجد هناك دكاكين صغيرة مليئة بأشياء ثمينة قديمة جدا اما السوق الممتد من وراء صيدلية قدورة حتى باب الدركة قبل ان يتهدم سوق النجادين، كان يوجد سوق النحاسين والخزفيات ولست ادري لماذا كانت تستهويني هذه الأشياء ولماذا يستهويتي هذا السوق ، وفي دكان ارضيتها من تراب مليئة بالشواكيش والأزاميل ورقائق النحاس وسندان كبير  وقفت مع صديقي  امام باب الدكان، فأومأ لكي نذهب الاّ اني قلت حتى ينتهي هذا الفيل  من هذه التحفة . وقفنا طويلا امام ذلك النحات او الرقاق كما يسمونه اهل مهنته الاّ انه في نظري كان فنانا ، كان يجلس على الأرض وتأملته مليا انه عتيق وزنه وزن فيل وفي يديه المطرقة والأزميل يحاور النحاس بشاكوش وازميل منها الرفيع وومنها المبلطح وتاررة بشاكوش صغير وطورا بمطرقة وأخذ يبرع في عمله وكأنه على علم بأمر من ينظر اليه فجاد بالحفر والزخرفة والتلميع ثم التفت الى صاحبي الذي يجمع التحف في مخيلته لأن جيبه دائمة النظافة ، ابتسم الفيل وعاد الى عمله من جديد ، وبعد جولة قصيرة التفت اليه مرة ثانية وقال بلهجته البروتية البسطاوية ( شو يا خال بيعجبك شغلي) اجاب الصاحب انت امهر من رأته عيني .

ü    شو بتشتغل يا خال

ü    صحفي وكاتب ، فتمتم الفيل بضع كلمات مبهمة  فسأله الصحفي ماذا قلت يا معلم

ü    قلت ( وقالها بتنهد ) بتبَدل

ü    نعم شو بتعني

ü    تبديل مهنتي بمهنتك

ü    ضحك الصحفي وذهب يتمتم ليتك تعرف كيف نعيش اننا نأكل اذا رضي عنا رئيس التحرير.

  عودة لصفحة قصص قصيرة