رسالة من رجل مقهور

 

هذه الرسالة من رجل مقهور بطل من ابطال 13 تشرين 1990

تعليق بسيط: وصلتنا هذه الرسالة في اواخر العام 1994

ونشرت في جريدة الهيرالد اوستراليا في العام 1998

 وللأمانة ننقلها بعد ان سمح لنا صاحبها بنشرها، لهذا ان القصص الانسانية لا يمكن ان تمحى من الذاكرة ان مر عليها الزمن، انها كالخمر كلما تعتق في الدن كان طعمه اطيب.

تحية وبعد،

لا تسلني كيف اضناني القدر، لقد تعبت من الاعيبه واصبحت رهينة الأعين التي تلاحقني وتطلب مني ان اتجرد من ضميري والايام التي تضيع من عمري الآن افضل بكثير من تلك التي كانت ملآنة بالعفونة والرطوبة والليل الطويل والتعذيب من مجند لا يعرف الرحمة  ذاك القذر برائحته وكلامه ومنظره الذي لا يقل بشاعة عن من سلطوه علينا  ،رجاءً اكمل رسالتي لأنها لا تضر بك ابدا ولو لم يكن لي امل بالجواب منك لما تجرأت وكتبت لك وكن على ثقة انني لا اطلب مالا ولا اطلب أي اعانة ابدا ،

انني يا سيدي امر بأتعس ايام حياتي اذ لم تكن الاخيرة في عمر الزمن الطويل، الديون المتراكمة ستزهق روحي اذ لم ابادر بعمل ما قد ينقذ ما تبقى من حطامي كأنسان، قد تقول انك لست حائط المبكى ولكن من له حظ عثر كحظي يجب عليه ان يخرج ما في جوفه قبل ان يتكل في ساعة تأمل عميقة.

قد تقول عني اني مدمن مخدرات اومحترف ميسر اوزير نساءاو مدمن مدامة، صدقني انني لست هذا ولاذاك ولا ذاك انما قدري ان اقع بأيدي لاترحم وقد ضيعوا ايام عمري ، ويوم تخرجي من سجن المزة بدرجة مقهور حتى العضم، اعطوني شهادة و قد اهداني اياها من تفننوا في جلدي وتعذيبي وكأن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كتب جحيمه لأجلي، من يومها ولعنـة الوحدة والحرية والاشتراكية تلاحقني من مكان لآخر، طردت من وظيفتي، وسجلي العدلي مشاغب سياسي  وما من باب وطرقته الا اعتذر عن توظيفي الى ان اتى  احد اصدقائي الذي ابتعد عني ونصحني ان الحق بربعي في فرنسا،

قررت هذا ولكن من اين لي ثمن السفر،فشلت بكل شيء الى ان لجأت لبيع اشعاري في سوق النخاسة، الى تجار الكتابة الذي لا يكتبون، واخذوا يمعنون فيها تجريحا بدون اوزان ولا قافية لأن بحور الشعر عندهم اصبحت ضاحلة والشعر اليوم يكتب نثرا وفكرة، ولكل واحد رؤيا واسلوب وانا اقبض الليرات حبا في البقاء.

قد تقول انني مجنون،... لا ياسيدي اني بكل قواي العقلية رغم انني  اصبحت من هواة الفقر ولو اردت ان اكون غنيا لبعت نفسي الى شيطان المخابرات ولهذا جئت برسالتي لك لسببين كي اريح ضميري امام الله والناس،

اولا: انني مضطر الى السفر وكم اكون سعيدا لو تيسر لي ان اعمل خادم انظف الصحون خارج لبنان بدلا من ان ابيع اولاد بلدي للجلادين الذين اشترطوا عليّ قبل الافراج عني ، ان اقدم لهم وها ني ارسل لك هذه الرسالة قبل ان اركب من بور جونيه الى قبرص
ثانيا: اولادي ياسيدي، رفاق عمري، جمعتهم من كل مكاتب الدول العربية وبيروت، سأتركهم في عهدتك،كبيرهم في الطباعة ولد سنة 1859 توقيع الشيخ طنوس الشدياق في يوم الخميس من شهر ايار ، وقس على ذلك من روائع الادب والشعر منذ عهد هوميروس حتى اليوم هذا عدا مجلدات الجرائد السنوية التي كنت اكدسها في السطح تحت القرميد،

كل هذه العائلة الضخمة ليست للبيع حتى لو مت كما مات الشاعر ميشال طعمة ايام الحرب من القلة، انني على ثقة انها في  ايدي امينة تقدر معنى الادب والشعر والتاريخ ولو قدر لي ان اعود الى لبنان يوما ما اتمنى لو اتمتع بها واكون لك من الشاكرين

        بيروت آخر ايام سنة 1994