الجامع العُمري الكبير

شاهد على تاريخ وحضارة بيروت والعروبة والإسلام

الصليبيون أزالواه: وابن السلطان قلاوون أعاد بناءه

كانت الموقعة الحاسمة سنة 922 هـ (1517م) بين المماليك بقيادة السلطان قانصوه الغوري وبين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الاول، التي انتصر فيها العثمانيون وأخرجوا المماليك من سوريا ثم من مصر والديار الحجازية المقدسة.

واستمر الحكم العثماني في لبنان منذ ذلك التاريخ حتى سنة (1918م) في هذه السنة غادر آخر جندي عثماني لبنان بعد أن بقي هلال آل عثمان الاتراك يرفرف في أجوائها اربعمائة سنة.
تم بناء عدد من المساجد في ايام العثمانيين في مدينة بيروت القديمة التي كانت داخل سور يحيط بها من جميع جهاتها ما خلا الجهة الساحلية منها، لم تكن بيروت حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تضم أكثر من حوالي خمسة آلاف ساكن، ومع قلة عدد السكان كان عدد المساجد فيها قليلا ايضا.

لا نعدو الواقع اذا قلنا ان هذا الجامع هو اقدم الابنية الاثرية التي ما تزال قائمة على حالها في بيروت حتى اليوم، في حين تعرضت جميع الآثار القديمة الاخرى في هذه المدينة لعوادي البلى والخراب، واصبحت مجموعة من الانقاض المبعثرة في باطن الثرى وبعض هذه الآثار اصبح اطلالاً دارسة، لم يبق منها غير رسومها الغامضة.

لمحة موجزة عن تاريخ الجامع

كان معبدا وثنيا وهيكلا بناه الامبراطور الروماني فيليب الحوراني في القرن الثالث قبل المسيح ليكون معبدا للشمس. وهو من بقايا سكان بيروت القدماء الكنعانيين الجرجشاشيين. تحول الى قلعة عسكرية ثم الى مركز علمي ثم تهدمت بيروت بزلزال عنيف عام 635 م، واحتلها المسلمون عام 136هـ.

بني على أنقاض المعبد القديم في الحروب الصليبية عام 1110م في عهد بقدوين ملك القدس باسم كنيسة مار يوحنا المعمداني.

تسلمه المسلمون في عهد صلاح الدين الايوبي من الصليبيين (583 هـ 1187م).
استرده الصليبيون 690هـ، 1291م. في عهد الامير سنجر مولى الملك اشرف خليل ابن السطان محمد بن قلاوون..جدد بناؤه حاكم بيروت زين الدين عبد الرحمن الباعوني سنة 764 ه. وادخل عليه فن البناء والهندسة الاسلامي.

أنشأ المأذنة المرحوم موسى ابن الزيني في عهد الامير الناصر محمد بن الحنش عام 914ه. وانشىء الصحن الخارجي في عهد حاكم بيروت احمد باشا الجزار عام 1183هـ.
ثم انشأ السلطان عبد الحميد الغازي القفص الحديدي داخل الجامع المنسوب لمقام النبي يحيى وانشأ المنبر القديم عام 1305هـ. وفي عام 1328 هـ. ارسل السلطان محمد رشاد (الشعرة النبوية) الشريفة تقديراً لولاء اهالي بيروت ويفتح الصندوق للتبرك في 26 رمضان من كل عام باشراف آل الفاخوري.

انشأ المنبر الحالي من الرخام على نفقة ابراهيم الغندور المصري عام 1956م. وفي عام 1952 و 1954 و 1960م. جددت سقوفيته وترميم عام ونقوش اندلسية من قبل مديرية الاوقاف الاسلامية العامة في بيروت وبمساهمة دار الاثار اللبنانية.

الأساس الذي قام عليه البناء الحالي للجامع

لم يتفق المؤرخون وعلماء العاديات الاثرية على تحديد هوية الاساس القديم الذي ينهض عليه البناء الحالي للجامع، وبالتالي فان هؤلاء واولئك لم يستطيعوا تعيين الزمن او العهد الذي يرجع اليه هذا الاساس، على ان الذي لا شك فيه هو ان البناء كما هو في حالته الراهنة يحتوي على العديد من الاعمدة والتيجان التي فوقها، قد استخرجها الصليبيون عندما شيدوا كنيستهم من الانقاض التي كانت مردومة تحت هذا البناء او مبعثرة في باطن الارض التي تقع الى جواره.

وقد كتب حول هذا الموضوع العديد من البحاثة والرحالة الاجانب، ففي سنة 1847م. كتب هنري غيز ـ احد الرحالة الاجانب ـ الذي كان قنصلاً لحكومة فرنسا ببيروت، مذكرات ضمنها مشاهداته وانطباعاته عن هذه المدينة وكان لمساجد بيروت في ذلك العهد نصيب مما كتب هذا القنصل الفرنسي. قال غيز مبتدئاً كلامه بالحديث عن الجامع العمري الكبير الذي كان يومئذ يعرف باسم (جامع النبي يحيى): (..ان المسجد الكبير لا يتميز الا بطراز بنيانه المسيحي ويعود بدء عهده الى زمن الصليبيين، اذ كان كنيسة على عهد القديس يوحنا..واضاف قائلاً: ان هندسته تشبه هندسة تلك الابنية التي هي من نوعه، ولا تزال بعض بقاياها قائمة على الشاطىء الواقع بين يافا والكرمل).

اما العالم الاثري الفرنسي دوفوغيه، فقد رجح ان تكون هذه الانقاض هي بقايا كنيسة بيزنطية كانت تقوم في عهد البيزنطيين بنفس المكان الذي اختاره الصليبيون لبناء كنيستهم التي حولها المسلمون فيما بعد الى جامع لهم.

لكن اختلاف الاقوال في تحديد الاساس الذي يقوم عليه الجامع الحالي يحملنا على عدم الركون الى الأخذ برأي الذين ذهبوا الى التأكيد بأن الصليبيين بنوا كنيستهم على اسم القديس يوحنا في مكان خال من اي اثر سابق.

هل شيد الصليبيون كنيستهم فوق انقاض معبد روماني قديم؟

من المعروف ان الامم التي تتغلب على اعدائها وتستولي على ارضهم تميل في العادة الى تجسيد انتصاراتها العسكرية والقومية بأعمال تعبّر عن رغبتها في ازالة جميع المعالم التي تشير الى الامم المهزومة، وتبنى على انقاض هذه المعالم ورسومها الدارسة منشآت ومؤسسات جديدة خاصة بها، وذلك امعاناً في التشفي من الاعداء والقضاء على كل آثارهم او ما يدل على وجودهم السابق، وعلى هذا، فإنه ليس من المبالغة القول بان المكان الذي يقوم عليه بناء الجامع العمري الكبير اليوم، قد عرف في سالف الازمان معبداً وثنياً قديماً قبل ان يعرف الكنيسة النصرانية في ايام الصليبيين ثم الجامع الاسلامي في ايام المماليك.

والذي يحملنا على هذا الاتجاه، هو ان داوود خليل كنعان، من المؤرخين المتأخرين اشار في احدى مقالاته التي كتبها في مجلة الجنان تحت عنوان (جواهر ياقوت في تاريخ بيروت) الى رخامة كانت موجودة على باب الدركة الذي كان قائماً في زمانه وعليها كتابة يونانية تفسيرها بالعربية: (ايها الداخل بهذا الباب افتكر بالرحمة).

تدل المكتشفات الاثرية التي عثر عليها صدفة اثناء الحرب العالمية الاولى بالقرب من الجامع الحالي ان الرومان ومن بعدهم البيزنطيون قد اختاروا المنطقة التي وجدت فيها هذه المكتشفات لاقامة العديد من المنشآت والدوائر الرسمية الخاصة بهم، على ان الاب لويس شيخو اليسوعي يقول: انه عندما اكتشفت انقاض هذه الكنيسة سنة 1916م كانت آثار الحريق الذي اعقب الزلزلة لا تزال ظاهرة على هذه الانقاض وسواد الحريق باد على حجارتها.

وفي رأي الاب شيخو ان الصليبيين شيدوا كنيستهم بالقرب من هذه الاثار المكتشفة التي يرجح شيخو انه كانت في الاصل كنيسة ملكية، فلما خربت بفعل الزلازل التي تعرضت لها بيروت سنة 550م اعيد بناؤها بأمر من الملك مرتينوس.

والذي يحملنا على الشك في ان الانقاض المكتشفة سنة 1916م كانت بقايا كنيسة بيزنطية، هو ان المؤرخين اكدوا لنا بأن المكان الذي وجدت فيه هذه الانقاض لم يكن فيه اي كنيسة سوي في ايام الرومان او في ايام البيزنطيين ومن هؤلاء المؤرخين، بطرس غالب الذي كتب عن نشأة الديانة المسيحية في لبنان فإنه لم يورد اسم الكنيسة التي اشار الها الاب شيخو، عندما تحدث عن الكنائس التي تهدمت في زلزال بيروت سنة 550م.

وكذلك فإن المؤرخ اسد رستم. لم يشر الى اي كنيسة في المكان الذي حدده شيخو، عندما القى محاضرته عن (دخول النصرانية الى لبنان) التي القاها في كنيسة القديس نيقولاوس ببيروت سنة 1961.

عودة الى الجامع العمري وتشييده على انقاض معبد روماني قديم؟

ان الحفريات المستمرة التي تجري في بيروت القديمة بين الحين والآخر ما تزال تتكشف في اكثر من مكان عن بقايا الاعمدة الضخمة التي تخلفت في باطن الارض من الحمامات والمسارح والقصور التي بنيت في هذه المدينة عندما كانت تحت حكم الرومان والبيزنطيين وغيرهم.

على اننا، لسنا الآن بصدد الافاضة بالحديث عن الاثار التي تركتها الامم الغابرة في ثرى بيروت، ذلك ان الذي يعنينا من هذه الآثار، هو الجانب المتصل منها بالمكان الذي يقوم عليه الجامع العمري الكبير نفسه، لان غرضنا الاساسي هو معرفة الاصول التاريخية للبناء الذي يرتفع عليه هذا الجامع وتحديد هوية هذا البناء والزمن الذي انشىء فيه لاول مرة.
لذلك نبادر الى القول، او بالاصح الى الترجيح، بان اصول هذا البناء تبدو لنا غير بعيدة عن ملامح العمائر الرومانية التي بنيت في بيروت يوم كانت هذه المدينة تشكل احدى المقاطعات الساحلية بولاية سوريا التي كانت معقودة اللواء لنواب الاباطرة الرومانيين، وعلى وجه التحديد في ايام شقيق الامبراطور فيليب الحوراني (العربي) الذي كان له الصولجان والسيادة على سائر الممالك الرومانية في العقد الخامس من القرن الثالث الميلادي (244 ـ 249).

وان ما يحملنا على الظن من ان الجامع الحالي يقوم على اصول رومانية هو ما جاء في كتاب (تسريح الابصار فيما يحتوي لبنان من الاثار) للاب لامنس الذي يقول: (ومما ازدانت به المدينة من البنايات على شبه رومية ساحة كبرى يجتمع فيها الجمهور وملعب للملاهي العمومية ولعلها ايضاً خصّت بهيكل كهيكل المشتري في رومية والمشتري هو نفس جوبيتر الذي كان الرومان يعتبرونه الههم الاكبر).

وان هذا الظن يكاد يرقى في ذهننا الى درجة اليقين عندما نطالع في المراجع التي لدينا من كتب التاريخ ما يشير الى ان الجامع العمري الكبير في بيروت يقوم على انقاض هيكل ديني روماني قبل ان يمر بالمراحل المختلفة التي انتهت به الى الوضع الراهن.

اننا حين نحاول ارجاع الاطلال التي تحت الجامع العمري الكبير في بيروت الى ايام الرومان، والى عهد الامبراطور فيليب الحوراني (العربي) بالذات، فإننا نفعل ذلك على سبيل ترجيح وليس على سبيل الجزم والتأكيد...ذلك ان هذه الاطلال، في حالتها الراهنة، لا تحمل في الواقع اي اثر يدل بصورة واضحة على انتمائها الى الامبراطوري المذكر، بالاضافة الى ان الاعمدة والانقاض الحجرية التي تتألف منها هذه الاطلال واستعملت في بناء الكنيسة الصليبية ليس فيها اي نص كتابي يشير الى هويتها وزمن بنائها، وانما نحن اعتمدنا على ملامحها المعمارية وهي ملامح تبدو في شكلها وطراز زخارفها الباقية رومانية او بيزنطية.

هل تكون هذه الأطلال بقايا هيكل جوبيتر نفسه؟

اذا نحن اعتمدنا نهائياً على ترجيح القول بأن الاطلال الموجودة تحت الجامع العمري الكبير هي بالفعل بقايا هيكل روماني فليس هناك ما يمنعنا من الاستنتاج بأن هذا الهيكل كان من بناء فيليب الحوراني نفسه، او على الاقل. ان هذا الامبراطور كان احد الاباطرة الرومان الذين ساهموا باقامة هذا الهيكل مثلما فعل بالنسبة الى هيكل جوبيتر الدمشقي الذي تعاورته الايدي بالبناء خلال اجيال متعاقبة من سنوات الحكم الروماني في البلاد السورية.
وحين نلقي نظرة فاحصة على واقع بناء الجامع في شكله الحالي، فاننا نجده باقياً حتى اليوم على نحو ما كان عليه بالامس البعيد سواء في اروقته او قبته نجده متجهاً نحو الشرق، اي نحو مطلع الشمس التي كانت معبودة الاقوام الغابرين. ومن الطريف ان النصارى في الشرق حافظوا دائماً على بناء كنائسهم وبيعهم نحو مطلع الشمس، حتى ان الناس ظلوا حتى عهد قريب يستدلون على جهة الشرق في الليل او النهار الغائم من ابنية هذه الكنائس والبيع التي صادفونها في بلادهم.

لذلك فاننا نبادر الى القول بأننا رجحنا وجود هيكل جوبيتر تحت البناء الحالي للجامع العمري الكبير في بيروت، وذلك لما تواتر عندنا من القرائن التاريخية، بالرغم من انه لم يعثر، حتى الآن على اي اثر كتابي يشير الى اسم هذا الهيكل، على انه وفقاً لما اكده غير واحد من المؤرخين الذين كتبوا عن تاريخ بيروت في ايام الرومان من ان البناء الذي يقوم عليه الجامع المذكور يرجع زمن انشائه الى ما قبل الفتح العربي لهذه البلاد وفوق كل ذي علمٍ عليم...

هل بنى العرب الفاتحون مسجداً لهم في مكان هيكل جوبيتر؟

ان بعض النصوص التاريخية المتأخرة تشير احياناً الى ان المسلمين عندما استقروا في بيروت بعد الفتوح الاولى، بنوا لانفسهم مسجداً صغيراً على الاراضي التي يقوم عليها الجامع الحالي، بل ان بعض هذه النصوص يؤكد بأن الجامع نفسه يرجع اساسه الى ذلك العهد البعيد، فلما احتل الصليبيون المدينة بعد ذلك بعدة قرون بادروا الى تحويل هذا الجامع الاسلامي الى كنيسة نصرانية ومن الذين قالوا هذا الكلام الشيخ محي الدين الخياط وذلك في كراسة مخطوطة له جاء فيها: وهو ـ اي الجامع العمري الكبير ـ اقدم جوامع البلدة بيروت ومن الذائع على الالسنة والمعروف عند المؤرخين انه من آثار الفتح الاسلامي واوائل ايام عمر بن الخطاب الخليفة الثاني..

اما عن نسبة هذا الجامع الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فاننا لا نستطيع الا ابداء تحفظنا بهذا الصدد لانه من الثابت ان هذا الخليفة لم يزر بيروت وان تسمية هذا الجامع بالعمري حديثة العهد وهي ترجع الى اسباب اخرى لا علاقة لها بزمن انشائه.
على انه مما لا شك فيه ان البناء الحالي للجامع لا يرقى الى ابعد من الزمن الذي انشأه فيه الصليبيون ليكون كنيسة على اسم مار يوحنا، وان هؤلاء الصليبيين كما اشرنا الى ذلك قد شادوا هذه الكنيسة على انقاض معبد روماني، وهو ما قد يكون العرب سبقوهم اليه عندما شادوا مسجدهم الذي نرجح بان الصليبيين قد ازالوه عند احتلالهم لبيروت.
ولما كانت سنة 690هـ. (1291م) اذن الله جلت قدرته بان تعود بيروت الى دار الاسلام من جديد حين استخلصها السلطان اشرف بن قلاوون من الصليبيين فما كان منه الا ان بادر واصدر امره بتحويل الكنيسة فوراً الى مسجدٍ جامع واطقلوا عليه اسم جامع فتوح الاسلام اي انتصار الاسلام.

وصف الجامع

في سنة 905هـ.(1449م) تعين ناصر الدين محمد بن الحنش حاكماً على بيروت ايام السلطان قانصوه الغوري المملوكي، وفي ايام ابن الحنش بنيت في الجامع المئذنة الحالية كما تشير النقشية الموجودة فوق مدخلها.

وفي ايام احمد باشا الجزار والي عكا في اواخر القرن الثامن عشر الميلادي الحقت بالجامع بعض الزيادات من الجهة الشمالية المؤدية الى الصحن وفتحت فيه بعض الابواب بهذه الجهة، كما بني في الصحن حوض ماء للوضوء وفوق الحوض قبة تحتها نقشية كتبت فيها ابيات من الشعر تشير الى تاريخ البناء، وعلى العمودين اللذين عند المدخل الغربي للجامع كتابة مملوكية. وكذلك توجد كتابة مماثلة على نقشية مثبتة فوق بابه المفتوح في الجهة الشرقية منه، وفي داخل الجامع مقام باسم النبي يحيى، وتقول التقاليد الشعبية ان كف يوحنا المعمدان مدفونة في هذا المقام الذي هو عبارة عن قفص حديدي على اعلاه كتبت بعض الايات القرآنية وكتابة تشير الى ان هذا القفص هو هدية من السلطان عبد الحميد الثاني العثماني.

تعاقبت على الجامع اسماء اشتهر بها عند الناس في ازمنة مختلفة ففي العهد المملوكي كان اسمه جامع فتوح الاسلام وفي العهد العثماني كان اسمه جامع النبي يحيى وهو يسمى اليوم الجامع العمري الكبير وقد جرت العادة على اطلاق صفة العمري على كل جامع قديم لتوهم الناس انه بني في ايام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي الجهة الشرقية من الجامع غطاء ناووس قديم جعله المسلمون محراباً عليه كتابة يونانية قديمة معناها صوت الرب عند خرير المياه.

قامت مديرية الاوقاف والمديرية العامة للآثار بإجراء بعض الترميمات فيه سنتي 1949 و 1952 وهو يعتبر من الابنية الاثرية بموجب مرسوم جمهوري صادر في 16 يونيو 1936م.، وفي الجهة الغربية بالقرب من بابه الكبير، نقشية رخامية مثبتة على الحائط تدل على اسم الجامع واسم خطيبه في ايام المماليك عند بدء عهدهم في لبنان، وفي الجهة الجنوبية الغربية منه غرفة معروفة باسم حجرة الاثر الشريف لان فيها ثلاث شعرات منسوبة الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اهديت لمدينة بيروت ايام السلطان عبد المجيد الاول العثماني في اواسط القرن الماضي وقد سرقت هذه الشعرات اثناء الاحداث التي عمت لبنان خلال الحرب الاهلية سنة 1975 وما بعدها.

في بعض جدران الجامع نقائش بيزنطية واخرى عربية وكان فيه مكتبة باسم المكتبة العمرية لكنها لم تعد موجودة.

وحوالي منتصف القرن الماضي بني المدخل الرئيسي لهذا الجامع بالجهة الغربية منه على الطراز العربي وزين بنقوش مرسومة بيد الفنان البيروتي علي العريس. وفي اثناء الحرب الاهلية في بيروت، تعرض الجامع للسرقة واصيب باضرار كبيرة وحطم الغوغاء اسماء الصحابة التي كانت في نقائشه الاثرية، وتعطلت فيه الصلاة في تلك الاثناء.

الجامع العمري الكبير رمزاً عربياً إسلامياً أصيلاً أستقر في أذهان البيروتيين منذ مئات السنين، كما أنه شاهد على إنطلاقة مئات العلماء والفقهاء الذين كانوا مركزاً لنشر العلم والمعرفة.

الجامع العمري الكبير كغيره من مساجد وسط بيروت ناله من ويلات الحرب ما ناله، فتهدم جزء منه وخرّب جزء آخر، إلى أن وضعت الحرب أوزارها إلى غير رجعة. وكان دور أهل الخير في إعادة ترميم هذه المساجد التي كان الجامع العمري الكبير والذي تم ترميمه وتجديده على نفقة المحسنة الكويتية السيدة سعاد حمد الحميضي لذكرى والديها الحاج حمد صالح الحميضي وزوجته شيخة محمد سديراوي.

الجامع العمري الكبير يلي جامع الإمام الأوزاعي من حيث القدم، بل إننا لا نعدو الواقع إذا قلنا إن هذا الجامع هو أقدم الأبنية الأثريّة التي ما تزال قائمة على حالها في بيروت حتى اليوم، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطّاب.