ماذا تعني الموسيقى ؟! ومن هو واضعها

 

هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعاً عند قطعه فيكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغمة بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب. وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات، وذلك أنه تبين في علم الموسيقى أن الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت وربع آخر وخمس آخر وجزء من أحد عشر من آخر. واختلاف في هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب ، وليس كل تركيب منها ملذوذاً عند السماع بل تراكيب خاصة هي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلموا عليها.

ويعني علم النغم ما موضوعه الصوت من حيث تركيبه مستلذاً مناسباً ونسب الإيقاع على الآلات المخصوصة مثل الأرغر، يعني ذات الشعب .

وهذا العلم خمسة أصناف :

v  الأول : معرفة النقرات وكيفية تآلف الأصوات منها، وهي كالأسباب والأوتاد في علم العروض .

v  الثاني : علم الإيقاع، وهو تنـزيل الأصوات والنغمات على الآلات وطرق الضرب .

v  الثالث : علم النسبة، وهو معرفة أن البم مثلاً إذا كان ستين طاقاً يكون المثنى ثمانية وأربعين وأن السدس للثلث في الشد الأعظم على دستام الوسطى والسبابة وأن الرست مثلاً ينفع من الماليخوليا الكائنة عن البلغم إلى غير ذلك .

v الرابع : علم تفكيك الدائرة وبيان ما بين المقلمات من النسب، مثل الركبى والرمل .

v الخامس : علم التلحين، وهو رد الموشحات والأشعار الرقيقة إلى نغمة مخصوصة بطريق مخصوص والقاعدة فيه راجعة إلى العروض في الحقيقة  .

 

من هو واضع هذا الفن العظيم ؟ !

اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن أولاً هو فيثاغورس من تلامذة سليمان عليه السلام   وكان قد رأى في المنام ثلاثة أيام متوالية أن شخصاً يقول له قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني ، وحصّل هناك علماً غريباً. فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحداً فيه، وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جداً فانعكس، وكان هناك جمع من الحدادين يضربون المطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات، ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي ، صنع آلة وشد عليها إبرسيماً وأنشد شعراً في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا، وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء .

وبعد مدة قليلة صار حكيماً محققاً بالغاً في الرياضة بصفاء جوهره، واصلاً إلى مأوى الأرواح وسعة السموات .

وكان يقول : (إني أسمع نغمات شهية وألحان بهية من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري). فوضع قواعد هذا العلم، وأضاف بعده الحكماء مخترعا تهم إلى ما وضعه إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس، فتفكر أرسطو فوضع الارغنون وهو آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض، ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر، ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على حسب استعمال المستعمل .

 

وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس ، لا مجرد اللهو والطرب، فإن النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حُسن التأليف وتناسب النغمات بسط، فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي، وتسمع هذا النداء وهو: (ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى العقول الروحانية والذخائر النورانية والأماكن الفلسية في مقعد صدق عند مليك مقتدر).