الهنود والإغريق والرومان

والعلاج بالموسيقى قديماً

 

يؤكد حكيم الهند القديم كونفوشيوس على مدى أهمية الموسيقى فيقول :

(إذا أرت أن تتعرف في بلد ما على إرادته ومبلغ حظه من الحضارة والمدنية، فاستمع إلى موسيقاه) .

وما نعرفه اليوم عن علم الموسيقى يعود بنا إلى  أيام الإغريق في أرض اليونان القديمة، عندما نصبوا للألحان والغناء إلهاً اسمه (أزوريس) كعهدهم في تنصيب آلهتهم في كل أمر من أمور حياتهم، وأزوريس الإله هذا كانت له فرقة من سبع بنات أطلقوا عليهن اسم الآلهات السبع للفنون الجميلة، وسموا كل واحدة منهن باسم (ميوز). ومن هنا جاءت كلمة (ميوزيك) التي شاعت وتسللت لكل لغة لتغني اللحن والنغم بينه وبين الموسيقى لما بين الفنين من ترابط.

وهبت على نظرية (تأثير الموسيقى) نسمة منعشة من الحياة باتصاله بآراء الإغريق عن التأثير .

ويقول إخوان الصفا عن مذهب (موسيقى الأفلاك) : {تبين إذاً أن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات وألحاناً} ووجدت في هذا المذهب (العلة الأولى) للموسيقى جميعها في عالم الكون والفساد وظنوا أن أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع ولكل مزاج  ولكل طبيعة، نغمة تشاكلها ولحن يلائمها. ولذلك استعملت الموسيقى في المستشفيات لأنها تخفف ألم الأسقام والأمراض عن المريض .

العلاج بالموسيقى قديماً :

لقد قسم (إخوان الصفا)الألحان إلى: (ألحان روحية مؤثرة، مثل تجويد القرآن والأناشيد الدينية، وألحان حربية وحماسية، وألحان جنائزية، وألحان داعية للعمل، مثل أغاني صيادي الأسماك، والحمالين، والبنائين، أو ألحان المناسبات مثل الأفراح وغيرها، وهناك الألحان الحدائية التي تستعمل في توجيه الحيوانات، مثل غناء الحداء في قافلة الجمال) .

وفي موقع آخر يقول (إخوان الصفا): { …  أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج، ولكل طبيعة نغمة تشاكلها، ولحن يلائمها، كل ذلك بحسب تغييرات أمزجة الأخلاق واختلاف طباع وتركيب الأبدان في الأماكن والأزمان … ولذلك فإنهم (والكلام لإخوان الصفا) استخرجوا لحناً يستعملونه في المارستانات وقت الأسحار يخفف من ألم الأسقام عن الأمراض، ويكسر سورتها، ويشفي كثيراً من الأمراض والأعلال} .

والشيخ الرئيس إبن سينا يوضح أن بعض النغمات يجب أن تخصص لفترات معينة من النهار والليل . ويقول : (من الضروري أن يعزف الموسيقار في الصبح الكاذب نغمة  راهوى وفي الصبح الصادق حُسينى، وفي الشروق راست، وفي الضحى بوسليك، وفي نصف النهار زَنكولا، وفي الظهر عُشّاق، وبين الصلاتين حِجاز، وفي العصر عِراق، وفي الغروب أصفهان، وفي المغرب نَوى، وفي العشاء بُزُرك، وعند النوم مخالف { زِيرَ افْكنْد} ) .

ويعني تلميذه الحسين بن زيلة عناية كبيرة بهذا الوجه التأثيري من المسألة .

 

كما يقول صفي الدين عبد المؤمن: (إعلم أن كل شد من الشدود فإن لها تأثيراً في النفس ملذاً، إلا أنها مختلفة . فمنها ما يؤثر قوة وشجاعة وبسطاً، وهي ثلاثة: عشاق وبوسليك  ونوى … وأما راست، ونوروز وعراق وأصفهان، فإنها تبسط النفس بسطاً لذيذاً لطيفاً، وأما بزرك وراهوى وزيرافكند وزنكولة وحسينى، فإنها تؤثر نوع حزن وفتور).

وهذا ما كان يرمي إليه إبن سينا من خلال تقسيمه الزمني لاستعمال النغمات الموسيقية، لأن الإنسان يمر بحالات نفسية مختلفة. بل ومتناقضة أحياناً في اليوم الواحد تبعاً لظروف حياته ونمط معيشته من الاستيقاظ حتى النوم. كما نقرأ في العقد الفريد عن علاقة الموسيقى بالطب قول ابن عبد ربه : (زعم أهل الطب أن الصوت الحسن يسري في الجسم ويجري في العروق، فيصفو الدم ويرتاح له القلب، وتهش له النفس، وتهتز الجوارح وتخف الحركات) .