مستشفى الممسوسين

 

يدهشنا، بادية ومن أول الطريق، أن نقع على أن العهد بإنشاء أماكن تعنى بهذا الجانب من العاهات يرجع إلى طالعة العهد الإسلامي وأوليته:

(… وفي هذا الوقت زمن تأسيس المستشفيات الخاصة بالمجانين، ومن إليهم في البلاد الاسلامية، منذ القرن الأول للهجرة/السابع للميلاد/، كان المجانين في أوروبا يقيدون بسلاسل الحديد، والعلاج الوحيد لهم كان الضرب عندما ترتفع أصواتهم بالصراخ).

 

وروى أسامة بن منقذ (584هـ/1188م) في كتاب (الاعتبار) أن الفرنجة سألوا عمه أن يوفد إليهم طبيباً. فبعث واحداً نصرانياً يدعى ثابتاً، لم يغب غير عشرة أيام.

وإذ سألوه عن سبب رجوعه وشيكاً، روى لهم، فيما روى، أن الفرنجة، وقد أنكروا طبه في علاجه امرأة أصابها نشاف، استقدموا طبيباً منهم، (فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها. احلقوا شعرها، فحلوقه)، ولكنها لم تبرأ .(فقال: الشيطان قد دخل رأسها. فأخذ الموسى، وشق صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس، وحكه بالملح فماتت من وقتها).

على أن أسامة قد ذكر، بعد هذا، حالات ظهرت من الفرنجة في علاجها براعة.

 

وفي خطط مصر التي وضعتها الحملة الفرنسية على مصر في سنة 1798م إلى سنة 1801م، قال…. Gomara، أحد العلماء الذين استقدمهم نابليون مع الحملة: أنشىء في القاهرة، منذ خمسة قرون أو ستة، عدة بمارستانات تضم الأعلاء والمرضى والمجانين، ولم يبق منها سوى مارستان واحد هو مارستان قلاوون…. وقد كان في الأصل مخصصاً للمجانين، ثم جعل لقبول كل نوع من الأمراض، وصرف عليه سلاطين مصر مالاً وافراً… ويقال إن كل مريض كان له شخصان يقومان بخدمته، وكان المؤرقون من المرضى يعزلون في قاعة منفردة، يشنفون فيها آذانهم بسماع ألحان الموسيقى الشجية أو يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم القصاص. وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى، ويمتعون بمشاهدة الرقص. وكانت تمثل أمامهم الروايات المضحكة… قال Prisse d’avennes  : (كانت قاعات المرضى تدفأ بإحراق البخور، أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو شجر المصطكي أو بعساليج الشجيرات العطرية… وقد كان يصرف من الوقت على بعض أجواق تأتي كل يوم إلى المارستان لتسلية المرضى بالغناء أو بالعزف على الآلات الموسيقية. ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى، كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد، حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت. وقد شاهد علماء الحملة الفرنسية هذه العناية بأنفسهم).