فريد الأطرش   

فنان ملأ الميدان الموسيقي الغنائي بإنتاجه الموسيقي والسينمائي في البلاد العربية، فلحن الكثير من الأغاني وعبأها على اسطوانات دخلت أكثر البيوت وله معجبون كثر لا يستمعون إلى غيره. وأكثر ألحانه نجاحا تلك التي لحنها لشقيقته اسمهان وقدمها في أفلامه السينمائية، ولو قدر لأسمهان الحياة لظهرت ألحانه بشكل أوسع وأعم ومع ذلك فقد أخذت ألحانه مركزها واحتلت مكانها اللائق.


هذا هو فريد الأطرش الفنان ذو الجنسية العربية لأنه ولد في حاصبيا اللبنانية من أم لبنانية وكان والده من جبل الدروز في سوريا، وقد استوطن أخيرا في مصر فحاز بذلك على جنسياته العربية الثلاث، وعروبة فريد ظاهرة في أغانيه وانتقائه للأشعار التي يلحنها .


ولد فريد في بلدة حاصبيا عام 1917 في بيئة نبيلة تنتسب إلى عائلة الإمارة الطرشانية فتعشق الموسيقى والغناء منذ حداثته، ومع دراسته الأولية كان يمارس هوايته الموسيقية، ولما اشتد ساعده قليلا سافر إلى القاهرة مع شقيقته اسمهان ووالدته وفيها انتسب إلى المعهد العالي للموسيقى العربية وكان اسمه آنذاك المعهد الموسيقي الملكي للموسيقى العربية فانصقلت موهبته في هذا المعهد وبدت تظهر بوادر إنتاجه، فاستدعته الإذاعة القاهرية ليقدم عزفا على العود، ثم نبه فريد إدارة الإذاعة أن له صوتا جميلا يرغب بأن يسمعه للجماهير العربية فلبت رغبته ثم بدأ يظهر له بعض الاسطوانات في أغان وطقاطيق لم تلبث أن ارتفعت هذه الألحان إلى أوبريت وأفلام استعراضية وقصائد كبيرة ذوات الإيقاعات الموسيقية المركبة. 


وهكذا نجد أن تاريخ فريد الأطرش في الميدان الموسيقي حافلا بجلائل الأعمال الفنية. فهو من رواد الموسيقى العربية المعاصرين الذين كان لجهودهم الأثر الكبير في نهضة موسيقانا العربية وازدهارها إلى جانب فرسان هذا الميدان الشيخ زكريا احمد ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومن سبقهم من الأعلام. مارس فن الغناء والتلحين أكثر من أربعين عاما قدم خلالها العديد من الألحان الغنائية والموسيقية من مختلف الألوان والمؤلفات الموسيقية التقليدية منها والمتطورة التي تتسم بالابتكار والأصالة والذوق الرفيع التي أضفت على الأغنية العربية ألوانا من الإبداع الفني والجمالي، وكان فريد من الأعلام الذين وضعوا اللبنة الراسخة في نهضة الموسيقى العربية الحديثة مع أقرانه الأعلام.


يعتبر فريد أول من قدم الأوبرا بعد المرحوم الشيخ سيد درويش من الملحنين وذلك في فيلمه الأول انتصار الشباب عام 1939 ولم يكن للسينما المصرية فبل هذا التاريخ عهد بالأوبريت الغنائية، كما سجلت ألحانه وموسيقاه بعض الدول الأوربية وقاد الفرق الموسيقية الأوربية في ألحانه الفنان الفرنسي فرانك بورسيل فسجل من مؤلفاته أغاني:

Ø حبيب العمر

Ø نجم الليل

Ø زمردة
 

إن هذا الفنان قد تخطى إنتاجه الفني نطاق البلاد العربية إلى البلاد الأوربية فنرى شركات الاسطوانات الأوربية تسجل له لحن "وياك" على اسطوانة دخلت الكثير من البيوت الأوربية، وحينما زار القاهرة عازف الارغن الأوربي جيرالدشو عام 1946 كان من ضمن معزوفاته الأوروبية التي قدمها على مسارح القاهرة معزوفة "حبيب العمر"، ولم يخل الاتحاد السوفيتي من الحان فريد، فان موسيقى "يا زهرة في خيالي" تعزف فيها باسم "تانغو اورينتال" كما أنشدت اشهر مطربات فرنسا ألحانه نذكر منهم: اريكوماسيان وداليدا ومايا كازابلانكا .


ومن أهم اتجاهات فريد الفنية عنايته بالاستعراضات الغنائية التي تتضمن جميع الألوان الغنائية الشرقية ووضع هذه الجهود الهائلة في معظم أفلامه السينمائية وكان مكثر في إنتاج الأفلام السينمائية، وقد بلغ عدد الأفلام التي أنتجها لحسابه الخاص وقام فيها بأدوار البطولة 32 فيلما منها حبيب العمر، لحن الخلود، رسالة غرام، عهد الهوى، الخروج من الجنة وغيرها هذا عدا عن الأفلام التي اضطلع ببطولتها لحساب شركات الإنتاج وعددها 35 فيلما منها: انتصار الشباب، أحلام الشباب، حكاية العمر كله، الحب الكبير، زمان يا حب، ولاشك أن هذه الجهود الفنية الجبارة التي قدمها لا تخلو من دعاية إعلامية لموطنه الثاني مصر التي فتحت له ذراعيها واحتضنته يوم قصدها. ولكنه كان مواطنا صالحا وأميرا نبيلا قابل الخير بالخير والإحسان بالاحسان .


وفريد يعتبر من العازفين البارعين على آلة العود فهو يعتز بهذه الآلة كثيرا وقد حرص على استخدامها في جميع حفلاته وفي رحلاته الفنية إلى خارج مصر كل ذلك رغبة منه في المحافظة على إحياء هذه الآلة العربية الأصيلة والحفاظ عليها، وقد استطاع أن يطور الأداء على هذه الآلة حيث خرج عن نطاق طور العزف المألوف الضيق إلى دائرة أكثر رحابة وهو استطاعته التعبير عن مختلف الأحاسيس الإنسانية المألوفة في التعبير الكلامي إلى التعبير اللحني، وهذه البادرة تعتبر خطوة جذرية نحو ارتقاء الموسيقى العربية إلى مكانتها المأمولة والمنتظرة في ميدانها العملي .


شارك فريد في فنه في خدمة الحركة الوطنية فقدم الكثير من الألحان الوطنية الحماسية منها "المارد العربي" الذي صورته إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة للسينما وعرض في جميع دور العرض في الجمهورية المصرية كما غنى العديد من الأغاني منها:

Ø  يا بلادي يا بلادي فيك عاش الأوفياء

Ø  اليوم يوم الشجعان

Ø  دعي الفجر هيا رجال الغد

Ø  سنة وسنتان

 
كما شارك فريد في جميع المناسبات القومية وكان في كل مناسبة يقدم لحنا جديدا يعبر فيه عن أحاسيسه ومشاعره ووطنيته الصادقة. ويذكر الميدان الفني المصري على سبيل المناسبة تعشق فريد لمصر ومصريته انه حين أوفدته الإذاعة المصرية إلى لندن عام 1939 بناء على طلب إذاعتها لتسجيل بعض الأغنيات أعلنت الحرب العالمية الثانية فأحس فريد بحنين غريب إلى موطنه الثاني فبعث برسالة إلى أحد الشعراء لينظم له أغنية يعبر فيها عن شعوره فنظم له الأغنية المعروفة :
(يا مصر كنت في غربة وحيد).وعندما عاد إلى القاهرة قدمها للإذاعة وسجلها على اسطوانة وزعت على العالم العربي .


إن هذه العاطفة بين فريد وعروبته قد قابلتها الدول بالمثل، أظهرت شعورها نحو هذا الإنسان الفنان فقلدته هذه البلدان أوسمتها الرفيعة فجاءته الأوسمة من سوريا ولبنان والأردن والمغرب وتونس ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومعنى ذلك أن هذه الدول قد شعرت بأحاسيس هذا الفنان وقدرت فيه مشاعره النبيلة وبادلته تلك المحبة بالمحبة والتقدير والإعجاب.

 

تغنى بألحانه مشاهير المطربات والمطربين في مصر والدول العربية منهم فتحية أحمد ونجاة علي وأسمهان وصباح وسعاد محمد ووردة الجزائرية وشادية ومحمد رشدي ومحرم فؤاد ووديع الصافي وكانت ألحانه سببا في شهرة كثيرين منهم هذا الفنان. فضلا عن كونه فنان مبدع فانه أيضا يؤدي الغناء من الطراز الأول والى جانب هذا الأداء المبدع فقد تحلى بالخلق الطيب والأريحية السمحة في إطار جميل من إنسانية الفنان مما أعاد إلى الفن والموسيقى العربية سيرته الأولى في عصره الذهبي فكان حصيلة هذا النجاح بما وهب من نفسه للفن وبما بادله الفن من عطاء سخي.