الرزاق

من أسماء الله الحسنى الرزاق، يقول الحق سبحانه وتعالى: إن الله هو الرزاق "58" (سورة الذاريات)

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق"
ورزق الله نعمة منه لا تحصى.

أولاً: رزق الخلائق جميعاً بكافرهم ومؤمنهم وكل ما في الكون حرصاً عليه وما فيه، منه وإليه، يقول الحق سبحانه وتعالى:  وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "6" (سورة هود)

وهذا عطاء الربوبية؛ لأن الله استدعى الكون إلي الوجود، وإلي ما يحتاج إليه في الخلود.

أما الرزق الثاني: فهو عطاء الألوهية للمختارين من عباده، وليس الرزق هو المال، فحلاوة اللسان رزق، والقبول رزق، وخفة الظل رزق، والستر رزق، والرضا بقضاء الله رزق. ومثال القبول نجد نجارين متجاورين مكاناً وزماناً وبضاعة، وتجد قبولاً في أحدهما وإعراضاً عن الآخر، ولا تسأل عن الحكمة في ذلك فهذه أرزاق. ونجد فتاتين إحداهن سوداء، والأخرى بيضاء، ونجد قبولاً في السوداء لأن كلاً منهما له رزقه، ورزق السوداء مقدم، لأن أمره جاء وقته، أما الأخرى فرزقها بميلاد يولد في حينه، وهذا تقدير العزيز العليم.

يقول الله سبحانه وتعالى: إن الذين قالوا ربنا ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة .. "30" (سورة فصلت)

والأرزاق لها غذاء، وغذاء القلوب ذكر الله، وبالذكر يحصل غناها ويزول فقرها، يقول الحق سبحانه وتعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب "28" (سورة الرعد)

ورزق النفس بالسكينة والطمأنينة، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيتها النفس المطمئنة "27" ارجعي إلي ربك راضية مرضية "28" (سورة الفجر)

ورزق السمع البيان والتبيين والتثبت، يقول الحق سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. "6" (سورة الحجرات)

ورزق العقل التفكير، يقول الحق:  ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .. "191" (سورة آل عمران)

ورزق الأدب اتباع منهج الله، واتباع سنة رسوله. ورزق اليوم الحلال من الطيبات، بدليل قوله تعالى:  ورزقناهم من الطيبات  "70" ( سورة الإسراء)

ولكي تدوم الأرزاق، وتدوم النعم فاذكر الله كثيراً بقدر ما أعطيت من نعم. يقول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيراً "41" وسبحوه بكرة وأصيلاً "42" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيماً "43" (سورة الأحزاب)

أي: اسألهم يا محمد هذا السؤال، ولا يسأل هذا السؤال إلا من يثق أن الجواب سيكون بما يحقق مراد السائل. لنفرض أن أنباً قال: إن أبي لم يعد يحضر لي ما أريد، وجاء الأب وعلم ما قاله الابن فسأله: م الذي جاءك بهذا الثوب الجديد؟ وهذا الحذاء الجديد؟ وهذا القلم الجديد؟ يسأل الأب هنا ليعرف من الذي جاء بهذه الأشياء؟ طبعاً لا.

لأن الأب هو الذي جاء بها، فكيف يسأل عمن أحضرها، مع أنه هو الذي جاء بها، وهل يريد فعلاً أن يعرف من أحضرها؟ طبعاً لا!! إنما هو يعرف أن ابنه لن يجد جواباً، إلا أن يقول: أنت الذي أحضرت هذا وهذا. وهذا ما يريده الأب بأن يشهد الابن على نفسه بأنه لم يهمه. كذلك هذه الأسئلة التي ساقها الله سبحانه وتعالى يريد بها اعترافاً، وليس جواباً من المسئول، فيقول تعالى: قل من يرزقكم من السماء والأرض "31" (سورة يونس)

والرزق ما ينتفع به، والانتفاع الأول هو ضروريات الحياة. والثاني هو كمالياتها. والرزق هو أصل استمرار الحياة، فإن توقف توقفت. الله سبحانه وتعالى طلب من محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل، ولم يطلب منه أن يجيب، بل طلب أن يجيب الكفار. الحق سبحانه وتعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172" (سورة البقرة)

فالرزق خلقه الله أولاً، وأعطاه لبعض خلقه ثانياً، وجعله ليخدم الذين أعطاهم الله هذا الرزق، ويعطوا منه لمن ضيق عليه فيه. فالله خلق الرزق، وأعطاه لبعض خلقه، وهذا البعض ينتفع به، ويخرج منه المحتاجين، فالله تعالى خير الرازقين؛ لأنه خلق الرزق وأعطاه لك، فأنت تعطي من رزق الله الذي أعطاه لك. ولذلك كره العلماء أن يسمى إنسان رازقاً، وإن كان ربنا قال عن نفسه: خير الرازقين

"114" (سورة المائدة)

فلا رازق إلا الله. ولذلك تجد إنساناً يعمل بواباً أو فراشاً أو ساعياً عند أحد أصحاب العمارات أو الشركات، فإذا حدث خلاف بينهما وفصله صاحب العمل.

تجد العامل الضعيف المحتاج يصرخ في وجهه ويقول: ربنا هو الرازق، إياك أن تفتكر نفسك أنك ترزق أحداً، وينصرف وهو يعلم يقيناً أن رزقه على الله، مع أنه كان يأخذ أجره منه. ولكن هذا العامل نظر إلي الرازق الأول سبحانه وتعالى الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ولأن الذين هاجروا في سبيل الله رزقهم حسن، فالله وعدهم أن يدخلهم مدخلاً يرضونه.

إن الأرزاق التي أوجدها الله في الكون تنقسم إلي قسمين: رزق يمكن الانتفاع مباشرة به، ورزق هو سبب لما انتفع به مباشرة. فالإنسان، يأكل رغيف الخبز، ويشرب كوب الماء، ويكتسي بالثوب، ويسكن البيت، وينير المصباح، كل ذلك رزق مباشر، ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر، فإذا امتلك إنسان جبلاً من الذهب وهو جائع فماذا يصنع به؟ إن رغيف الخبز في هذه الحالة أنفع للإنسان من جبل الذهب، إن رغيف العيش رزق مباشر.

إن النقود والذهب يشتري بها الإنسان هذا الشيء وغيره، ولكن النقود لا تغني عن الخبز والماء. وبعد أن وضع الله للإنسان قدرة أن يستغل المال في شراء كل شيء، فإن هناك بعضاً من الأوقات يجعل فيها الله هذا المال لا يشتري أي شيء، ولا يساوي أي شيء، وذلك حتى يعرف البشر أن المال ليس غاية، ولا يصلح أن يكون غاية، بل هو وسيلة، وإن فقد المال وسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون. إن علة فساد الكون كله في القدر المشترك هو أن المال أصبح غاية ولم يعد وسيلة.

عطاء الربوبية

إن الحق رحيم بعباده، ولكنه لا يختص برزق المؤمنين، فهو سبحانه العادل الكامل لا يترك غير المؤمنين دون أن يقيموا أود الحياة، وأن يحافظوا على حياتهم بأن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً. إن الحق سبحانه هو رب كل الناس، وهو الذي خلق كل الناس؛ لذلك فبحب الخالق لصنعته من الخلق يدعوهم إلي أكل الحلال والطيب؛ ليصون الحق سبحانه صنعتهن وهم الخلق أجمعون. المؤمن منهم والكافر.

إن الحق سبحانه رب ومرب، ويجب لصنعته أن تكون في احسن حال، حتى ولو لم يؤمن بعض الناس، إن الدعوة لأكل الحلال والطيب هي صيانة للإنسان من الشيء الضار. وهنا نأتي لموقف يتخذه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن يكذبوا قضية الدين، وقضية التحريم، لعل ذلك التكذيب ينجيهم من اللوم الفطري الذي توجهه النفس لصاحبها أن يخرج عن منهج الله. ولعل ذلك التكذيب ينجيهم من عذاب تصور الجحيم الذي يعرفون أنه بانتظارهم يوم القيامة. إنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله؛ لذلك يقولون الكذب ويسألون أسئلة تدل على عدم الفهم.

إن الواحد منهم يقول: مادام لحم الخنزير حراماً، فلماذا خلقه الله؟ ومادام هناك شيء تخرجه الأرض فلماذا يحرم الدين بعض المأكولات ولا يحرم البعض الآخر؟ إنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض له مهمته.

إن الزمن يلفتهم ـ وهم غير مؤمنين ـ إلي أن يمسكوا ـ على سبيل المثال ـ الثعابين والحيات ليستخلصوا منها السموم، ويأخذوا من هذه السموم دواءً ليقتلوا به ميكروبات تفتك بالإنسان. وقيل: إن الكافر منهم كان يتساءل بنبرة تعالٍ على الخالق قائلاً: لماذا خلق هذا الثعبان في الكون وما فائدته؟ ما لزوم خلق الثعابين؟ إن الحق سبحانه وتعالى يجعل الإنسان محتاجاً إلي الثعابين ليأخذها، ويحتال عليها ليأخذ منها السموم لمصلحة من؟ لمصلحة الإنسان. إن الثعبان ليس مخلوقاً من أجل أن نأكله، ولكنه مخلوق لنستخلص منه العلاج، لكن موقف المؤمن بالله يختلف عن موقف المنكر للإيمان، إن المؤمن إذا رأى شيئاً محرماً فعليه الالتزام بتكليف الإيمان .. إن على المؤمن أن يأخذ بأسباب الله التي خلقها في الكون، ليستكشف مهمة كل مخلوق في الكون.

إن كل شيء أو كائن إنما هو مخلوق لمهمة يؤديها في الكون، إن الخالق قد حرم على العباد أن يقتلوا أنفسهم بالسموم، ولكن الحق سبحانه أباح استخدام هذه السموم في التخلص من الآفات والميكروبات التي قد تفتك بالإنسان. إن على المؤمن أن يعرف أنه يجهل الكثير من قضية الكون، بدليل أنه يكتشف فيها سراً جديداً كل يوم. ولأضرب لكم مثالاً مر بي، وقد يمر بأي واحد منكم، إنني لا أنسى هذا المشهد الذي رأيته في أحد مراكز الأحياء المائية.

لقد رأيتهم يحضرون نوعاً من السمك، لا يزيد طوله على عقلة الإصبع، ولا يكبر، ولا يأكله أحد. وله مهمة واحدة هي تنقية الماء من أي عوالق أو شوائب، ويعيش هذا السمك في الأماكن التي لا ينقي الإنسان فيها الماء، فإذا رمى أحد في هذا الماء أي مخلفات، فهذا النوع من السمك يتجمع على الفور ليأكل هذه المخلفات وينقي الماء منها؛ لأن الخالق القيوم قد خلقه لهذه المهمة؛ لذلك لا يكبر هذا النوع من السمك حتى لا يطمع فيه أحد ويأكله. إنه ترتيب دقيق من الحي القيوم.

ولننظر إلي الذباب ـ على سبيل المثال ـ إن الذباب لا ينشأ إلا في الأماكن القذرة والخطر من الذباب إنما يأتي من أنه ينقل الميكروبات من الأماكن القذرة إلي الإنسان؛ لهذا نجد الدين الحنيف يأمرنا بالنظافة لا في البدن فقط، ولكن لابد لنا أن نحتفظ بأماكن حياتنا نظيفة. فإذا أراد إنسان أو مجتمع أن تقل فيه خطورة الذباب فلابد من الامتثال لأمر الإيمان بالنظافة، ونظافة الجسد والملابس والمكان.

 إذن: فكل خلق في الوجود مرتب ترتيباً دقيقاً، إن ترتيب الخالق الرزاق المربي. ومادام الخالق قد خلق الإنسان ورزقه، لذلك فعلى الإنسان طاعة نداء الحق، إن الحق سبحانه ينادي خلقه مطالباً إياهم أن يفتحوا أعينهم ليروا أن كل مخلوق مهما صغر له مهمة في الوجود. إن على الإنسان أن يتسامى في بحثه، ليدرك بعضاً من مهام غيره من المخلوقات، والذين يختصون الخالق الأكرم بالعبادة هم القدوة لغيرهم من الناس. لذلك يقول الحق سبحانه لهم: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172" (سورة البقرة)

عطاء الألوهية

قال تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيده