العَشَرَة في الحضارات  

في الحساب يُعتبر العشرة من أكثر الأعداد البسيطة دهشة البسيطة دهشة وشهرة وهي الصفر والواحد، فالصفر لوحده لا يعني شيئا، والواحد وحده قيمته بسيطة صحيحة ، والعددان يقفزان إلى مكانيّة عالية تفوق كل الأرقام الحسابية البسيطة. يرمز العشرة إلى الانسجام، بحسب الفلسفة اليونانية، باعتباره العدد الأساس في الحساب .

في اليونان :

في اليونان كانت الوحدة العشرية الأساس في كل عدّ . وكان اليونانيون ينظرون إلى العشرة نظرة خاصة، فهو يشتمل برأيهم، على خصائص ثلاث تدلّ إلى الانسجام، أولا: لأنه يحتوي مقدارا متساويا من الأعداد الأولية والأعداد غير الأولية ، وثاني: لأننا لو جمعنا الاعداد الأربعة لوجدنا أنها تساوي عشرة (1 + 2 + 3 + 4 = 10) فيكون بذلك أكمل الأعداد، وثالثا: لأن به من الأعداد الزوجيّة قدْر ما به من الأعداد الفردية. وبسبب هذه الخصائص الثلاث، كان اليونانيون يُعْنَوْن عناية خاصة بالعدد عشرة، فالغاية أو المثل الأعلى للرياضيات عند اليونانيين هو الانسجام، أي أنهم لم يكونوا يُعْنَوْن من الرياضيات إلا بما فيه انسجام، ومن هنا يمكن أن نفهم الصلة القوية التي وضعوها بين الأعداد والوجود، كما يظهر واضحا في فلسفة فيثاغورس. فالأعداد في رأيهم هي المثل الأعلى للانسجام، ولا بد أن نفهم الوجود من جهة الانسجام، ومن هنا الرابطة الأولية بين الأعداد والوجود، والمغالاة في تقدير هذه الرابطة تؤدي حتما إلى القول (إن الوجود أعداد)، مثلما قال الفيثاغوريون .

قَسَم الفيثاغوريون العدد قسمين : العدد الفردي والعدد الزوجي، وقالوا إن الفردي هو المحدود، والزوجي هو اللامحدود، فالفردي لا يمكن أن ينقسم قسمين بل يقف عند حدّه، فيما ينقسم العدد الزوجي، فهو غير محدود. ثم ربطوا بين المحدود واللامحدود وبين المذاهب الأخلاقية، فقالوا إن المحدود هو الخير واللامحدود هو الشّر، وأدى بهم هذا الأمر في النهاية إلى القول إن طبيعة الوجود طبيعة ثنائية، ففي الوجود هناك المحدود واللامحدود، وكل ما ينشأ من هذين المتعارِضيْن من صفات، فقالوا إن في الوجود تعارضا ، ورفعوا أنواع هذا التعارض إلى عدد ممتاز هو العشرة، فقالوا إن أنواع التعارض في الوجود عشرة هي:

1.      محدود ولا محدود .

2.      فرديّ وزوجيّ .

3.      الوَحدة والتعدّد .

4.      المستقيم والمنحني .

5.      المذكر والمؤنث .

6.      النور والظلمة .

7.      المربّع والمستطيل .

8.      الخير والشّر .

9.      الساكن والمتحرّك .

10.اليمين واليسار .(موسوعة الفلسفة - عبد الرحمن البدوي) .

وفي اليونان تتغنّى الميثولوجيا بنشيد وضَعَه فيثاغورس يُشيد بالعشرة رمزا لأمومة الكون .

 

في روما :

عند الزواج كان القانون الروماني يقضي بوجود عشرة شهود في العرس .

 

في الهند :

عند البوذيين وضع بوذا وصايا عشرًا وسمّاها خطايا يجب على الإنسان تجنبها والبعد عنها وهي : (القتل - السرقة - الزني - الكذب - الافتراء - الشّتم - الكلام الباطل - الطّمع - البغض - الظّلال)(إنجيل بوذا - ص 8) .

وقال بوذا : عشرة أشياء تَجعل أعمال الكائنات الحيّة رديئة . وتصبح أعمال الناس صالحة عندما يتجنّبون هذه الأشياء العشرة . وهي :

Ø    ثلاث خطايا في الجسد (القتل ، السرقة ، والزني) .

Ø    وأربع خطايا في اللسان (الكذب ، الافتراء ، الشّتم ، والكلام الباطل) .

Ø      وخطايا الفكر الثلاث (الطمع ، البغض ، والظّلال) (إنجيل بوذا - ص 8) .

يُمثّل الإله فيشنو الخير ويترافق مع الشمس والضّياء . وتقول الميثولوجيا إنه قام بعشرة تجسّدات أو تقمصّات أهمّها تَجَلِّي كريشنا الذي يَظهر في البهاغافاد - جيتا Bahagavad - gita) ، أما تجلِّيه التاسع فكان في جسد بوذا ، وتجسّده العاشر والأخير سيتم في المستقبل بهيئة كالكي Kalki لدى خَلْق عالم جديد أفضل .

الذي تريد لِتُنازل الشيطان المتوحش الذي يهدد الآلهة . وفي صراع ضارٍ ، حيث في كل يد من الأذرع العشر يوجد سِلاح ، تتغلّب على الشيطان وتصرعه {معجم الأساطير ص 90}

 

في الصين :

في الميثولوجيا الصينية ، جاء أن ملوك الياما Yamas عددهم عشرة يتربّعون كحكاّم وقضاة على عشرة بِلاطات الجحيم ، كل واحد منهم له اختصاص في مُحالكمة نوع معين من أنواع الجرائم المقتَرَفة في أثناء الحياة الأرضية (معجم الأساطير ص 266}.

وترى الميثولوجيا إلى (يانغ كو) واديا حيث تعيش عشر شموس مع أمهم يوميا ، كل بدوره حسب ساعة من النهار ، تَعبر الشمس الجَلَد ، كل في عربته الخاصة مع الأم ، وهي الحوذية ، إلى جبل في الغرب . وتضيف الميثولوجيا أنه كلما ظهرت الشموس العشر معا ، يُصوّب الرامي الماهر (يي) سهمه السحري ويُسقط الشموس إلا واحدة ، فيُنقذ الأرض من لهيب الحرارة (معجم الأساطير ص 266) .

وفي الصين يرمز العدد عشرة إلى الصليب، ويضم هذا العدد مجموع الأعداد البسيطة (1+2+3+4) .

 

في المكسيك :

يرمز العدد عشرة في المكسيك إلى الموت .

 

عند العبرانيين :

يُعتبر العشرة رمزا للكمال، لا سيّما الكمال الأدبي، وهو الطهارة والقداسة، وقد استُعمل بوجه خاص في قياس قُدْس الأقداس، فجاءت كل جهة من جهاته عشرين ذراعا - مضاعف العدد عشرة - . ولا شكّ في أن الأعداد في العبرية رموز تشير إلى أبعاد سرّيّة .

يُعطي الرب العتيق الرّبّ الإله عشرة أسماء . ويَعتقد العبرانيون بوجود عشر أرواح شرّيرة . ويتألف التصوف العبري من عشر درجات (اليقظة - الحذر - الفراق - الطهارة - الطقسيّة - القداسة - التواضع - القلق من الخطيئة - التقوى - والروح الطاهرة) . وكان يوجد في الهيكل عشر آلات موسيقية هي: (Halleluiah - Asre - Hodaia - Habel - Berache - Tephile - Sir - Mizmar - Nable - Neza) .

ويُنشد المَزامير عشرة رجال هم : (آدم - إبراهيم - ملكيصادق - موسى - أصاف - داؤود - سليمان - وثلاثة أبناء لخوراس) .

يدلّ العشرة عند العبرانيين إلى الوَفرة ، فيقول سفر التكوين في العهد العتيق : "لابان غيّر عشر مرّات أجرة يعقوب" (31 - 7) . ويلعب العشرة أيضا في العبرية دور الانطباع في الذاكرة ، مثل عدد الأصابع العشر ، فيدلّ هذا الدور إلى ضربات مِصْر العشر (خروج 7 : 14/12 : 29) . وإلى الوصايا العشر (خروج 34 : 28) . ويَذكر أيوب أن أصدقاءه عيّروه عشر مرات (19 : 2) .

كان الأسبوع عند العبرانيين يتألف من عشرة أيام وكانوا يسمونه (عاشور) . ويحتفل العبرانيون بيوم (كيبور) في العاشر من شهر تشري فيقضونه في الصوم والصلاة ؛ ومعنى التسمية يوم التكفير، فجاء في سِفْر الأحبار : "العاشر من الشهر السابع هو يوم الكفارة مَحفلا مقدسا يكون لكم تُذلِّلون فيه نفوسكم وتُقرِّبون وقيدة للرب" (23 : 27) . وعند العبرانيين قُنِّنَ الختان في التوراة، وأصبح فرضا في شرائع التلمود، بعد أن كان منذ إبراهيم عادة ثابتة عند المسلمين تَرجع تاريخيا إلى ما قبل الإسلام . يقول الطبري : "قد أُبتلي إبراهيم بعشرة أشياء هي في الإسلام سنّة : (المضمضة - الاستنشاق - قصّ الشارب - السواك - نتف الإبط - تقليم الأظافر- غسل البراجم - الختان - حلق العانة - وغسل الدبر والفرج) (الطبري : تاريخ الامم والملوك - طبعة خيّاط بيروت 1968 ج/1) .

 

عند المسيحيين :

يقول ترتليانوس (Tertullien) إن العشرة يدل إلى الولادة الروحية المتجدّدة . وفي الإنجيل شبّه السيد المسيح ملكوت السماوات بعشر عذارى (متّى 25 : 1)  وقال لوقا إن السيد المسيح شفى عشرة رجال بُرْص (17 : 12) . وأعطى السيد المسيح في إنجيل لوقا  مثلا عن عشرة عبيد دعاهم سيدهم وأعطاهم عشرة أُمناء (19 : 13) . وتوصي الكنيسة بالوصايا العشر .

 

في السِّحر :

يملك الله في كتب السحر عشرة أسماء لها مفعول سحري . ويقول السحرة بعشر وصايا . ويُصنِّف معبد السحرة الطوباويِّين عشر درجات هي: (المجددون - المسالمون - العادلون - المسامحون - المنتصرون - الأطهار - المحسنون - الأغنياء - الطوباويون - والأخيار) .

 

عند الماسونيِّين :

يبلغ عدد الظباط العظام في الماسونية عشرة هم : (المهندس الأعظم - التشريفاتي الأعظم - الموسيقيّ الأعظم - أمين المكتبة الأعظم - المهيب الأعظم - ناقِل العلم الأعظم - السيّاف الأعظم - الحاجب الداخليّ الأعظم - والحاجب الخارجيّ الأعظم) (الدستور الماسوني العام - ص 19) .

وتَعتبر الماسونية العدد عشرة عددا مقدسا على غرار الأسينيِّين والفيثاغوريين . ويرمز العشرة في الجمعية الماسونية، إلى الكمال، والسبب الأصابع العشر التي تتألف منها اليد (La franc-maconnerie - p.261) .