بيروت والعربات

 

ذكرياتُ بيروت في عهد العَرَبات، تمرّ في ذاكرّة البيروتي كحلم دافئ، رغم أنها جاءت في أشدّ العصور قسوةً، ألا وهو العصر التركي، ولا يكفي أن يذكّرك أحَدُ المسنيّن بحكايا تلكَ الأيَام لكي تعيشَ في أخيلتها.

 

فلنتوقف هنا وهناك في صفحات مخطوطةٍ في الخزانة التاريخية لمديريّة الآثار، لكي نعيش في تفاصيل تلك الأيام.

هذا ما جاء عن نظام الحوذيين سنة 1900م، قرأنا في جريدة سوريا الرسميّة صورة التعليمات المخطوطة الصادرة من جانب المجلس البلدي المصدّق عليها من لَدُن مجلس إدارة الولاية، وهي منطوية على ردّ شكيمة الحوذيين وأرباب عجلات الكرا الذين يتجولون داخل المدينة بعجلاتهم، وهذا النظام مستكمل لجميع الشروط التي يجب على الحوذيين العمل بها وردع أصحاب العربات من الاستخفاف بالناس.

 فالحوذيّ يجب أن يكون في السنّ الملائم لتعاطي هذه المهنة خالياً من الأمراض الوبائيّة، بيده رخصة تخوّله قيادة الخيل، وهذه الرخصة لا تُعطى إلاّ بعدَ الفحص المدقق وأن يكون حسنَ الأخلاق والآداب، ومن كان فاسِد الأطوار أو من ذوي السوابق في الجُنَح والجنايات لا يجوز له على الإطلاق تعاطي الحوذيّة.

وقد مُنع أيضاً استعمال الخيل المهزولة أو الضعيفة، وحظّر على السائقين الجري بسرعة في الأسواق والأماكن التي يكثر فيها الازدحام، ووضِعَ جزاءٌ نقدي لكلّ من تجرّأ على المخالفة، وعينت الأجرة عن كل ساعة داخِل البلدة وفي جميع أنحائها خمسة قروش، وعن كسور الأوقات على نسبة الساعات أو ذلك عدا الأيّام والمواسم المشهورة، ومن يخالف ذلك يؤخذ منه ربع مجيدية.

موقف عربات بيروت قرب مقهى الزجاج (القزاز)

وفي المخطوطة نفسها عن الحوذيين وعرباتهم جاء في سنة 1905م، بما أنّ الحوذيين في بيروت يستوفون أجوراً زائدة من الرّكاب منذ قرّر مجلس إدارة الولاية وضع التعريفة الآتية وتعليق نسخة منها في كل عجلة مُعدّة للأجور، وأن يؤخذ تحت المسؤولية كل حوذي يستوفي أجوراً زائدة عن القدر المعيّن، وقد أوعز حضرة ملاذ الولاية الجليلة بالأمر إلى رئاسة البلدية، وكان الأجرة بالقروش والبارات هكذا:

1.   ستة قروش أجرة الساعة الواحدة حتى وقت الظهر ما عدا أيام الآحاد والأعياد.

2.   سبعة قروش وعشرون بارد بعد منتصف الليل.

3.   ثلاثة قروش أجرة التوصيلة.

4.   والمدة التي تتجاوز خمس دقائق تعتبر ربع ساعة.

 

وكانت أعمال بعض الحوذيين توجب الإنتقاد واللوم، وبما أن الشاعر مرآة بيئته كتب الشاعر الخوري رفايل البستاني قصيدة إنتقادية للحوذيين هذا مطلعها:

عجلة الإنسان يتلوها الزلل يا آتياً بيروت سـر على مهلْ
لا تتخذ عجلة أو كهربــا وأمش الهويناء كمشي الرقبـا
أقره مجلسنا بل حتمـــا فحضرة الحوذي لا يرضى بما

 

وعن الحوذيين جاء في تاريخ لبنان الاجتماعي، في سنة 1921م، قامت المفوضية العليا بفرض ضرائب جديدة على عربات النقل والمواقف، مما دفع الحوذيين إلى إعلان الإضراب في الثالث من شهر تموز عام 1921م.

وقالت جريدة لسال الحال يومها:

(اليوم أصبحنا والحوذيون مصرّون على الإعتصام والإضراب والأسواق خالية منهم، لكن حضرة حاكم بيروت الإداري، والبلدية، أجبر أصحاب العربات وحوذييها بوجوب الرجوع إلى العمل قبل ظهر اليوم وإلاّ أخذت منهم رخصهم، مما أفشل الإضراب، وكان الفشل دافعاً لتشكيل نقابة).