الفصل الأول

◄بيروت كلمة فينيقيّة تعني شجرة الصنوبر. وأرجح الظن أن مدينة بيروت أخذت إسمها من هذه الكلمة بسبب وجودها بجوار غابة الصنوبر (الحرج) التي ما تزال حيث كانت عند تأسيس المدينة منذ حوالي أربعة آلاف سنة وأكثر.

◄تقع المدينة على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط عند الدرجة 33،54 من خط العرض والدرجة 35،28 من خط الطول. وهي تقوم على أرض تبدأ مرتفعة من جهة الشرق وتنتهي منخفضة من جهة الغرب، على شكل لسان بري يمتد نحو 9 كيلومترات في البحر، وتتصل حدودها الشرقيّة بسفح جبل لبنان الذي يشرف عليها، ويفصل بينها وبين هذا الجبل نهر يحمل أسمها ينبع من لحف الجبل ويصب في البحر عند الحد الشمالي الشرقي من المدينة.

◄بناها أهل جبيل (بيبلوس) منذ أربعة آلاف سنة، وما لبثت أن كبرت وعمرت بالسكان وأصبحت مملكة مستقلة على الساحل الذي كان يُعرف باسم (فينيقيا) وعبد أهلها ربًّا خاصاً بها أسمه (بعل بيريت) أي إله بيروت. وضربت باسمها عملة نقديّة تحمل رسماً يمثل هذا الإله.

◄مرت عليها نفس الظروف السياسيّة والإجتماعية التي عاشها الساحل الفنينيقي كله. وتعاقبت على ترابها جيوش الدول التي أكتسحت هذا الساحل. وفي الصخور المحاذية لنهر الكلب الذي يصب على بُعد 9 كيلومترات من شماليها آثار تلك الدول إبتداء من المصريين القدماء حتى الحلفاء الأوروبيين الذين إنتزعوها من العُثمانيين سنة 1918م ثم الفرنسيين الذين غادروها في 31 كانون الأول سنة 1946م.

◄تعرضت للدمار والخراب أكثر من مرة، سواء بسبب النكبات الطبيعيّة أو بسبب الوقائع الحربيّة التي دارت على أرضها. ففي سنة 140 ق.م أحرقها تريفّون السلوقي (البيزنطي) عندما حاول إنتزاعها من خصمه ديمتريوس وتسليمها لأنطيوخوس السادس الذي أشتهر بإسم ديونيسيوس، وبقيت على خرابها مدة مائة سنة.

◄في هذه الفترة، هجرها سكانها وابتنوا لأنفسهم مدينة أخرى في الجهة الجنوبيّة منها عند الساحل المقابل لبلدة خلدة الحالية، وأطلقوا على هذه المدينة أسم (لاوذيسة كنعان) وهي التي أكتشفت أطلالها في السبعينيات من القرن الماضي قرب مطار بيروت الدولي. وأندثرت تلك الآثار بسبب بناء مدرج لهبوط الطائرات.

◄عرفت أزهى أيامها في أيام الرومان الذين منحوها لقب (المستمعرة الممتازة) لتشجيع مواطنيهم على الإقامة فيها. وبنوا فيها العديد من الهياكل والمسارح والحمامات، والمؤسسات الحكوميّة الفخمة. وفي عهدهم إشتهرت مدرسة الحقوق التي أقمها الرومان، وكانت في ذلك العهد مرجعاً لطلاب العلم من الوطنيين والأجانب. وهي المدرسة التي أكسبت المدينة في ذلك الحين للقب (أم الشرائع ومرضعة العلوم).

◄في أواسط القرن السادس للميلاد ضربتها سلسلة من الزلازل فأحرقتها، ودمرت مساكنها، وقضت على سكانها إلا القليل منهم الذين عادوا إليها بعد أن تحولت إلى قرية عديمة القيمة.

◄بعد حوالي مائة سنة أي عام 635م دخلها العرب بقيادة معاوية بن أبي سفيان في أيام عمر بن الخطّاب ثاني الخلفاء الراشدين الذي أمر بترميمها وتحصينها بالقلاع لحمايتها من هجمات الروم الذين حاولوا عبثاً إستعادتها من العرب.

◄عندما ارتقى معاوية سدة الخلافة الإسلاميّة جلب إليها قوماً من الفرس وأسكنهم فيها مثلما فعل بغيرها من مدن الساحل السوري وبعلبك.

◄في أيام العرب، على عهد الخلفاء الراشدين والأمويين ثم العباسيين، كانت تابعة لدمشق، وأتخذها المسلمون في العهود المذكورة رباطاً، أي قاعدة عسكريّة، ومنها إنطلقت الجيوش العربيّة التي حملها معاوية بن أبي سفيان على الأسطول الذي فتح به جزيرة قبرص أيام عثمان بن عفّان ثالث الخلفاء الراشدين.

◄في أيام أبي جعفر المنصور، ثاني الخلفاء العباسيين ظهر فيها عدد من العلماء البارزين أهمهم عبد الرحمن الأَوزاعي المتوفى سنة 773م، وقبره ما يزال موجوداً بالقرب منها عند الجهة الجنوبيّة على ساحل البحر حيث كانت تقع القرية المندرسة (حنتوس) وهذا القبر كان وما يزال مقصداً للناس الذين يزورونه ويتبركون به.

◄في سنة 974م وثب عليها ملك الروم يوحنا زيميسياس المعروف عند العرب باسم (الشمشقيق) ولبث فيها نحو سنة، ثم أخرجته منها القوات المصريّة التي أرسبها جوهر الصقيلي في أيام العبيديين حكّام مصر في ذلك الحين، في زمنهم كانت هذه المدينة تابعة لدمشق المرتبطة رأساً بالقاهرة حاضرة الخلافة العبيديّة يومذاك.

◄في سنة 1102م، هاجمتها جيوش الصليبيين لكنها أمتنعت عليهم وصدتهم، فلما كانت سنة 1110م أعادت هذه الجيوش الكرّة عليها بقيادة بغدوين الأول وتمكنت من إحتلالها بعد أن ذُبح أهلها ودُمّرت مساكنها وهُدمت مساكنها وهُدمت قلاعها. وقد ولي عليها بغدوين حاكماً من قبله يدعى فولك ده غين ومنحه لقب بارون. وفي هذه الفترة أُلحقت المدينة بمملكة القدس اللاتينيّة.

◄في سنة 1187م هاجمها السلطان صلاح الدين الأيوبي وأستخلصها من الصليبيين وولى عليها من قبله حاكماً أسمه سيف الدين الهكاري المعروف بإبن المشطوب، وجعلها تابعة لدمشق كما كانت في العهود الإسلاميّة السابقة.

◄بعد حوالي عشر سنوات عاد إليها الصليبيون من جديد وإنتزعوها من يد حاكمها أسامة الجبلي وهو غير أسامة بن منقذ الكناني الكاتب الشاعر الذي كان أميراً على بلدة سلميّة القريبة من مدينتي حمص وحماة في داخل سوريا. والقائد الصليبي الذي إحتلها يومئذ هو الملك آموري الذي نصّب عليها والياً من قبله أحد أفراد عائلة أبلين الإقطاعيّة الفرنسيّة.

◄في خلال الفترة الثانية من الإحتلال الصليبي جُعلت بيروت إمارة مستقلة باسم (إمارة باروت) وأُطلق على حكامها الفرنج لقب (سادة باروت) وكان مرجعها مملكة بيت المقدس اللاتينيّة.

◄في سنة 1291م حاصرها الأمير علم الدين سنجر الشجاعي على رأس الجيش الذي أرسله الملك الأشرف خليل إبن الملك قلاوون الصالحي من سلاطين المماليك الذين خلفوا الدولة الأيوبيّة في الشرق العربي. وقد تمكن الأمير علم الدين سنجر المذكور من إحتلالها بعد أن هزم الصليبيين وأسر روبان آخر حكامها فيها.

◄في أيام المماليك كانت بيروت تابعة، في الغالب لنيابة طرابلس الشام التي كانت مرتبطة رأساً بالقاهرة مفر السلطة المملوكيّة آنذاك.

◄وفي أيام المماليك هاجم بنو الحمراء البقاعيون آل تلحوق الدروز وأجلوهم هن منازلهم في رأس بيروت بالمنطقة التي كانت معروفة باسم (جرن الدب) قم إشتهرت باسم (محلة الحمرا) بعد أن سكنها بنو الحمراء وشادوا فيها جامعهم (زاوية الحمراء) وقد أُزيل هذا الجامع وأعيد بنائه على الطراز الحديث.

◄في أيام المماليك الأمراء البحرتيين، سكان عبيه في ذلك الحين، دركاً لحماية بيروت من قرصان الصليبيين الذين كانوا يغيرون عليها بين الحين والآخر. فقام هؤلاء الأمراء بتحصين المدينة وشادوا فيها عدداً من المساجد والقيساريات (البيوت التجاريّة الكبيرة). وفي أيامهم نشطت سوق الأدب والشعر، وإنتهى عهد هؤلاء البحتريين بأفول عهد المماليك على يد السلطان سليم الأول العُثماني الذي أكتسح بجيوشه جميع بلاد الشرق العربي يومذاك.

◄في سنة 1516م تغلب السلطان سليم الأول العُثماني على قانصوه الغوري سلطان المماليك وقضى عليه في معركة مرج دابق شمالي حلب، وتابع زحفه حتى أحتل جميع البلاد السوريّة ثم المصريّة، ومن ذلك الحين دخلت بيروت في حوزة الدولة العُثمانيّة وكان أول حاكم عُثماني فيها محمد بن قرقماز (قرقماز أوغلو) وهو جركسي.

◄قر العُثمانيون أمراء العشائر التركمانيّة التي كانت في البلاد من أيام صلاح الدين الأيوبي للحيلولة دون إتصال الصليبيين ببعض سكان جبل لبنان الذين كانت تجمعهم بهم رابطة الدين وغيره. وكان الأمراء المذكورون تارة من بني عسّاف وتارة من بني سيفا وأمتد حكمهم من حماة في الداخل حتى بيروت في الساحل، وكان مركزهم في غزير بكسروان. وما يزال في بيروت من آثار بني عسّاف جامع الأمير منصور عسّاف المعروف باسم (جامع السرايا) الذي بني حوالي سنة 1572م وهو ما يزال موجوداً وموقعه بمقابل شارع فوش من الجهة الجنوبيّة بالقرب من سوق سرسق.

◄في السنوات العشر الأخيرة من القرن السادس عشر للميلاد، تغلب الأمير فخر الدين بن معن على الأمير يُوسُف بن سيفا الذي كان حاكماً على طرابلس الشام وبلاد كسروان ومدينة بيروت وأنتزع منه المقاطعة الكسروانيّة وبيروت وطرد من هذه المدينة الآغا الذي كان متسلماً عليها من طرف إبن سيفا. إلا أن إبن معن إكراماً لأصهاره آل سيفا أعاد إبن سيفا إلى المناطق التي أنتزعها منه.

◄بعد سنوات قليلة، عاد فخر الدين إلى الإستيلاء على لواء بيروت ومدينتي صيدا وغزير ونصّب ولده عليًّا حاكماً على هذه المناطق.

◄في أيام فخر الدين المذكور أنفتحت بيروت على الأقطار الأوروبيّة لا سيما إيطاليا التي كانت ملجأ لهذا الحاكم عندما هرب من غضب الدولة العُثمانيّة عليه. ولقد أعتنى إبن معن بعمران هذه المدينة وأنشأ فيها البرج الذي عُرف فيما بعد باسم (برج الكشّاف) لأنه أستُعمل مرقباً لإستكشاف المراكب العدوة التي تحاول الإغارة على البلد. وكان هذا البرج يقوم في مكان سينما متروبول الحالية في الجهة الشرقيّة من الساحة المعروفة اليوم باسم (ساحة البرج) نسبة إلى البرج المذكور. وأستقدم فخر الدين من إيطاليا أثنين من المهندسين وهما تشيولي وفاني وكلفهما بتنسيق أشجار غابة الصنوبر (الحرج) وتزيين الساحة المقابلة للبرج بالأشجار المثمرة وزخرفتها بالتماثيل الرخاميّة الجميلة. كما أنشأ حديقة للحيوانات بالأرض التي تقوم فيها سوق سرسق، وكان البيروتيون يسمون هذه الحديقة (جنينة الوحوش). وفي أيامه أزدهرت التجارة في بيروت وكانت السفن الفرنسيّة والإيطاليّة والهولنديّة تنقل إليها محصولات البلاد الأوروبيّة وتُستبدل بها منتوجات البلاد الشرقيّة لا سيما الحرير والمنسوجات الوطنيّة وأنواعاً من الغلات الزراعيّة الأخرى، على أن فخر الدين أمر بردم مينائها وفعل مثل ذلك في ميناءي صيدا وعكا ليمنع خصومه من دخول هذه المدن. وقد أدى عمله هذا إلى تقهقر هذه البلاد وإنحطاط التجارة في جميع السواحل السوريّة إلى القرن التاسع عشر. وبسبب علاقته الشخصيّة الوديّة مع الأوروبيين تمكن هؤلاء من أيفاد البعثات الدينيّة إلى هذه المدينة وبنوا فيها كثير من الأديرة والكنائس.

◄في سنة 1633م لحظت الدولة العُثمانيّة على إبن معن بأنه يتصل ببعض الدول الأوروبيّة لإعطائها فلسطين مقابل دعمه في حركته الإنفصاليّة عن الإمبراطوريّة العُثمانيّة، فقبضت عليه وحكمت عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت.

◄بعد موت فخر الدين آلت بيروت إلى الأمير منذر بن سليم التنوخي من عبيه. وفي عهد هذا الأمير بني الجامع المعروف باسمه في سوق البازركان الذي أشتهر باسم (جامع النوفرة) لوجود بركة ذات نافورة في صحنه. وما يزال هذا الجامع موجد حتى اليوم بالقرب من محلة باب إدريس.

◄في سنة 1697م إنقرضت سلالة بني معن بموت الأمير أحمد آخر أمرائها مسموماً عندما كان بضيافة أخواله الأمراء الشهابيين الذين كانوا يطمعون بالولاية على هذه البلاد. وفي ذلك التاريخ أُعيد إلحاق بيروت بإيالة طرابلس الشام. وفي عهد والي هذه الإيالة قبلان باشا المطرجي نصّب عليها حاكم شهابي من أنسباء المعنيين يدعى الأمير بشير بن حسين وهو أول من تولى عليها من الأسرة الشهابيّة، ثم تعاقب أفراد هذه الأسرة على هذه المدينة وما يليها من جبل لبنان وأشتهر منهم الأميران ملحم وأخوه منصور اللذان دفنا في جامع الأمير منذر (النوفرة) تحت القبة، وقد درس القبران اللذان دفن فيهما هذان الأميران فيما بعد وأتخذت الغرفة التي كانا فيها للمدرسة التي أنشأها الشيخان عبد الله خالد ومحمد الحوت (الكبير) في أواسط القرن التاسع عشر لتعليم أبناء المسلمين.

◄في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر شهدت بيروت صراعاً شديداً بين حاكمها الشهابي الأمير يُوسُف وبين أحد أتباعه أحمد باشا الجزار، عندما كان كل منهما يحاول الإستئثار بها وتعرضت خلال هذه الصراع لإحتلالها من قبل أميرال البحر سبنسكوف الروسي الذي كان يقوم بأعمال القرصنة في المياه العُثمانيّة لحساب إمبراطورة روسيا كاترين، فلقد نصّب هذا القرصان مدافع في سهلات البرج ليتمكن من ضرب سور المدينة من قرب، ولهذا السبب أطلق الإفرنج على هذه السهلات إسم (ساحة المدفع)، ولكن إحتلال الروس إنتهى بعد شهور قليلة بعد أن دفعت لهم المدينة غرامة (خُوّة) قدرها 25 ألف ريال بعملة ذلك الزمان. فعاد إليها الجزار وقبض على سيده السابق الأمير يُوسُف الشهابي بواسطة إبن أخيه الأمير بشير الثاني المشهور بالمالطي، وأعدمه سنة 1790م في مدينة عكا.

◄في أيام الجزار مُنع الشهابيون من الإقامة في بيروت، وهُدمت بيوتهم التي كانت فيها، كما مُنع أهل جبل لبنان من السكن في هذه المدينة التي ألحقها الوالي المذكور بمدينة عكا التي أتخذها مركزاً له باسم إيالة عكا. والجزار هو الذي بنى السور الذي كان يحيط بيروت من كافة أطرافها ومنع الناس من السكن خارجه وبقي هذا المنع سارياً حتى سنة 1832م، ففي هذه السنة أقتحمها إبراهيم باشا المصري وهدم السور وأباح بناء المساكن خارجه.

◄على الرغم من أن الجزار كان مشهوراً بالشدة والقسوة على معارضيه، فإنه كان يوسع في مجالسه لأهل الفكر من العلماء والشعراء والأدباء فاشتهر منهم في ذلك الحين الشيخ عبد اللطيف فتح الله (المفتي) والشيخ أحمد الغر (القاضي) والمعلم اللغوي الشاعر إلياس إدّه وغيرهم.

◄في سنة 1804م توفي أحمد باشا الجزار فخلفه على إيالة عكا سليمان باشا الذي أشتهر بلقب العادل لعدله وتساهله مع المواطنين والأجانب على حد سواء، وبعده وجّهت الإيالة على عبد الله باشا الذي عزله وأسره إبراهيم باشا عندما قام بحركته الإنفصاليّة ضد الدولة العُثمانيّة.

◄وفي سنة 1832م أستولى المصريون على جميع البلاد السوريّة بعد القضاء على مقاومة عبد الله باشا والي إيالة عكا من قبل العُثمانيين. ولما تردد الأمير بشير الثاني في التعاون مع إبراهيم باشا تلقى منه إنذاراً بهدم بيوته ومعاقله وزرع أشجارالتين والزيتون مكانها، فما كان من الأمير الشهابي إلا أن خضع لهذا الإنذار ووضع نفسه تحت تصرف ذلك القائد المنتصر وسار في ركابه دون أي تحفظ. فكافأه إبراهيم باشا بأن خوله سلطة تعيين من أراد من أفراد عائلته حكاماً محليين على مدن بيروت وطرابلس وصيدا وصور، على أن القائد المصري، ما لبث أن أنتزع منه هذه السلطة ونصّب على المدن المذكورة حكاماً من جماعته، وكانت بيروت من نصيب سليمان باشا (الفرنساوي) للأمور العسكريّة ومحمود نامي بك (الجركسي) للإدارة المدنيّة، وأٌلحقت هذه المدينة بإيالة طرابلس الشام على أن تتولى شؤونها المحليّة لجنة من أعيانها دعيت باسم (ديوان المشورة) وكانت هذا اللجنة مؤلفة من أثني عشر عضواً: ستة مسلمون وهم عبد الفتاح حمادة (الإسكندراني الأصل) الذي أشتهر باسم (السيد فتيحة)، وعمر بيه (بيهم)، وأحمد العريس، وحسن البربير، وأمين رمضان، وأحمد جلول، وستة نصارى وهم: جبرائيل حمصي، وبشارة نصر الله، وإلياس منسّى، وناصيف مطر، ويُوسُف عيروت، وموسى بسترس، وأٌسندت نظارتها إلى عبد الفتاح حمادة.

◄بقيت بيروت تحت الحكم المصري من سنة 1832م حتى 1841م وهي المدة التي بقيت فيها البلاد السوريّة في حوزة إبراهيم باشا. وفي هذه الفترة عرفت هذه المدينة تطوراً أساسيًّا شمل سائر مرافقها العُمرانيّة والإداريّة، ونما عدد سكانها يومئذٍ من 8 آلاف نسمة إلى 15 ألفاً، وذلك بسبب إمتداد رقعتها إلى خارج السور الذي أمر إبراهيم باشا بهدمه وسمح للناس ببناء مساكنهم في الضواحي التي أصبحت فيما بعد جزءاً من المدينة نفسها، كما أزدهرت أحوالها التجاريّة بسبب إختيارها مركزاً للحجر الصحي (الكرنتينا( الذي أجبر جميع القادمين إلى سوريا على الخضوع له للتأكد من سلامتهم الصحيّة وخلوهم من الأمراض المعديّة.

◄في سنة 1841م تمكنت الدولة العُثمانيّة من إستعادة سيطرتها على التراب السوري ودخلت جيوشها إلى بيروت بعد أن مهّد لها الأسطول الإنكليزي بقيادة الكومودر نابييه الذي ضربها بمدافع أُسطوله وأجبر قائد الحامية المصريّة سليمان باشا والمتسلّم المدني محمود نامي بك على الإنسحاب منها.

◄بعد عودة العُثمانيين إلى المدينة نقلوا كرسي الإيالة إليها وعيّنوا عليها والياً من قبلهم أسمه سليم باشا. وفي عهد هذا الوالي ابتدأ السعد يخدم بيروت كما يقول داوود خليل كنعان وازدادت عماراً وسكاناً، وإنتقلت إليها تجارة الإفرنج، وعظم شأنها، وكثر مجيء المراكب الأوروبيّة إليها.