حافظ الأسد

ينحدر الرئيس حافظ الأسد من عائلة ريفية فقيرة تقطن قرية القرداحة إحدى قرى جبال سوريا. وتبعد عن مدينة اللاذقية عاصمة الساحل السوري نحو ثلاثين كلم. كسبت عائلته سلطة محلية على أهالي القرية منذ أواخر القرن التاسع عشر بفضل القوة الجسدية ومهارة استعمال السلاح اللتين تميز بهما سليمان جد حافظ الأسد.


ورث علي سليمان والد حافظ الأسد كثيراً من صفات أبيه فكان قوياً وشجاعاً ومحترماً ورامياً ممتازاً وخبيراً في فض النزاعات بين العائلات وتقديم الحماية للمحتاجين، وقاتل فترة قصيرة ضد الفرنسيين وعاش حتى رؤية ثورة حزب البعث سنة 1963م والتي جاءت بولده فيما بعد إلى السلطة.


أدخل علي سليمان ولده حافظ المدرسة الإبتدائية التي أنشأها الفرنسيون عندما أدخلوا التعليم إلى القرى النائية وكان أول ولد من أولاده يتلقى تعليماً رسمياً ثم تابع دراسته في الثانوية في اللاذقية. بعد ذلك حاول الرئيس الأسد أن يدخل كلية الطب في الجامعة اليسوعية في بيروت إلا أن الظروف الاجتماعية والمادية حالت دون ذلك وخاصة أنه لا يستطيع ترك والده الذي ضعف عن الاعتماد على نفسه بسبب تقدمه في العمر. فدخل الكلية الحربية في حمص خريف عام 1951م وتخرج منها ضابطاً طياراً في عام 1954 ونال كأس فوزه بالحركات البهلوانية الجوية. وكان الأسد متمرداً على الانتماءات الفئوية وساخطاً على الظلم فدفعه ذلك للإنضمام إلى أكثر الأحزاب اتجاهاً نحو العروبة والوطنية اي حزب البعث العربي الإشتراكي.


في عام 1954م وبعد سقوط نظام أديب الشيشكلي اشتد الصراع السياسي بين حزبي البعث والقومي السوري. وبعد اغتيال عدنان المالكي عام 1955م انفتح المجال أمام نشاط البعثيين.

اختير حافظ الأسد للذهاب إلى مصر من أجل المزيد من التدريب على الطيران وليترقى من قيادة الطائرات ذات المحرك إلى التدرب على الطيران النفاث. واختير ضمن مجموعة صغيرة من الطيارين للذهاب إلى الإتحاد السوفياتي للإشتراك في دورة تدريب على الطيران الليلي بطائرات ميغ 15 وميغ 17 التي كانت سورية قد تزودت بها.

نقل سرب الأسد في عهد الوحدة بين مصر وسوريا إلى القاهرة. وفي هذه الأثناء لاحظ حافظ الأسد أجواء التململ في الصفوف السورية بالصدمة والسخط ضد ميشال عفلق وصلاح البيطار اللذين اتخذا قرار بحل الحزب سنة الوحدة عام 1958م بدون استشارة كوادر الحزب. فسارع الرئيس الأسد مع بعض رفاقه بإعداد مشروع جديد للنهوض بالحزب وتخليصه من الشوائب التي دخلت عليه وعلقت به وقد قدر لهذا المشروع أن يغير مجرى تاريخ سوريا فيما بعد. بدأ الأسد مع أربعة من رفاقه الضباط بتطبيق مشروعهم السياسي الجديد بإقامة تنظيم سري عام 1960م أطلقوا عليه اسم «اللجنة العسكرية» وتضم كلاً من النقيبان حافظ الأسد وعبد الكريم الجندي والرائدان صلاح جديد وأحمد المير والمقدم محمد عمران. عقب الإنفصال بين مصر وسوريا أودع الأسد وزملاؤه في السجن إذ كانوا لا يزالون في مصر. وبعد أربعة وأربعين يوماً أطلق سراحهم وأعيدوا إلى سورية في عملية مبادلة مع مجموعة من الضباط المصريين المحتجزين في سوريا.


في عام 1962م وفي غضون ستة أيام ما بين 28 آذار و2 نيسان غاصت سوريا في حلقة مفرغة من الإنقلاب والإنقلاب المضاد إلى أن استلم الحكم جماعة من الضباط البعثيين والناصرين منهم الأسد ورفاقه.


وفي ليلة 8 آذار عام 1963م نفذ أعضاء اللجنة السرية انقلابهم بدون إراقة دماء وبعد أربعة أشهر عقب الإنقلاب استطاع الأسد وزملاؤه في اللجنة العسكرية أن يقضوا على كل مقاومة منظمة لحكمهم. وبعد المؤتمر البعثي القطري الذي انعقد في أيلول من العام 1963 أصبح أعضاء اللجنة العسكرية في أهم وأخطر المناصب فعمران يراقب جهاز الحكومة وجديد يدير جهاز الجيش أما الأسد فكانت مهمته توسيع شبكة مؤيدي وأنصار الحزب في القوات المسلحة.


لم ينجح حزب البعث من الصراعات الداخلية فقامت حركة عسكرية حزبية ضد القيادة القومية سميت حركة 23 شباط تسلم على إثرها صلاح جديد السلطة وبات الجميع في الحزب والجيش والجهاز الحاكم من جماعة صلاح جديد. وبدأ الحديث في عهده ما بين 1966 و1970 عن حرب الشعب الطويلة الأمد والتهيئة لإلغاء دور الجيش النظامي ومنح الحرية المطلقة للمقاومة وأخذت البلاد تعيش كابوساً أمنياً لا يرحم. هذه جملة من القضايا التي لم يكن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد موافقاً عليها، كما ساءت أن تنسب إليه هزيمة حرب عام 1967م وخصوصاً أنه لم يكن مساهماً في السياسات التي أفضت إليها.


بدأ الرئيس حافظ الأسد في تعديل الخطاب السياسي الذي اعتاده السوريون وكانوا قد بدأوا يمقتونه لكثرة ما حمل من شعارات لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ الفعلي. فتخلى عن حرب الطبقات وبدأ يوسع قاعدة تأييده ويغازل الطبقات الاجتماعية الساخطة بإحداث تحرر وانفتاح إقتصاديين وسياسيين ونزع إلى المصالحة الوطنية. وفي الثاني والعشرين من شباط سنة 1971 أصبح الأسد متمتعاً بصلاحيات رئيس الجمهورية وفي 12 آذار أدى استفتاء شعبي إلى تثبيته كرئيس للجمهورية لمدة سبعة أعوام ثم استمر في الحكم للولاية الرئاسية الخامسة على التوالي، وقد تم التجديد للولاية الخامسة في شهر كانون الثاني من العام 1999.

وبذلك يكون عهد الرئيس الأسد قد امتد لخمس وثلاثين سنة شهدت استقراراً وثباتاً في المجال السياسي والأمني أتاح المجال للدولة للعمل على تحسين أوضاع البلد بشكل عام فوصلت الكهرباء والماء إلى كل بيت في سوريا وأعيد تأهيل البنى التحتية بنيت المدارس في شتى أنحاء القطر وفرض التعليم الإلزامي على جميع الأطفال وكان التعليم مجانياً في جميع المراحل حتى الجامعية منها. واتبعت الدولة سياسة محو الأمية.

وعلى الصعيد الاقتصادي عملت الدولة على بناء المصانع والمؤسسات الكبيرة وأمنت للمواطن كل ما يحتاجه من موارد العيش الكريم وبأقل الأسعار حتى صارت سوريا أرخص دولة في المنطقة.


وعلى صعيد السياسة الخارجية حرص الرئيس الأسد على توحيد الصف العربي وجمع كلمة العرب لمواجهة المخاطر العدوانية المستمرة من الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين وللأراضي العربية والوقوف في وجه كل الضغوط الأميركية والصهيونية ويشهد له صموده وتصلبه في مواقفه الداعية إلى الإنسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط من كافة الأراضي العربية المحتلة في سوريا وجنوب لبنان والضفة وغزة كشرط أساسي لنجاح عملية السلام في الشرق الأوسط التي اتفق عليها في مؤتمر مدريد تحت شعار الأرض مقابل السلام.

توفي الرئيس حافظ الأسد في العاشر من شهر حزيران عام 2000م عن عمر يناهز 69 سنة.