كسلا

  كسلا 

 

تعد مدينة كسلا عاصمة لإقليم شرقي السودان وهي تحمل اسمه. ورغم أن المدينة تعتبر من العواصم الإقليمية الهامة في السودان، إلا أنها لم تلق من الدراسات المدنية الحديثة إلا ما يتعرض لها كظاهرة عمرانية ضمن الدراسات الجغرافية لهذا الإقليم.

أخذت مدينة كسلا اسمها من جبل كسلا الذي يعتبر من أهم معالم المنطقة التي نشأت فيها المدينة، وهي العاصمة الإقليمية الوحيدة بعد الخرطوم التي تحمل اسم مديريتها.

وتقع المدينة على ارتفاع 496 مترا فوق مستوى سطح البحر، وعلى مسافة 480 كم من العاصمة المثلثة عبر أراضي البطانة، وتتوسط أجزاء الإقليم المختلفة، كما أن موقعها على رأس دلتا القاش قد أبرز أهمية هذا الموقع.

وكسلا مدينة حدود بالدرجة الأولى، إلى جانب وظائفها كمركز للإدارة والتجارة والمواصلات. كما تمتاز بأنها تقع في قلب إقليم زراعي وفير الإنتاج، وهذا أضاف إليها وظيفة جديدة بأن جعلها مصدر لكثير من المواد الغذائية، وهي مصدر تموين ميناء بورت سودان بالمواد الغذائية.


وتحتل مدينة كسلا حوضا ضحلا يرتفع تدريجيا في اتجاه الجانب الشرقي، وتقع المدينة تحت جبل كسلا الذي يرتفع إلى نحو 851 مترا فوق مستوى السهول المحيطة به، وهو كتلة ضخمة من الصخور الجرانيتية الملساء تمثل النهاية الشرقية للمدينة، وتبرز كعامل دفاعي هام. وينفصل جبل كسلا عن التلال الأريترية وشرقا بمسافة يبلغ اتساعها حوالي 24 كلم. كما يقع في غربة خور القاش، وهو مجرى موسمي يفيض بالمياه بين شهور يوليو وأكتوبر، ثم يصبح مجرى من الرمال في بقية شهور العام.

في هذا المظهر الطبيعي بين جبل سكلا وخور القاش نشأت مدينة كسلا. وكان هذا الوضع الحصين يمثل آثار مدينة قديمة هي عاصمة الحلنقة، وذلك قبل قيام مدينة كسلا الحالية. ويمتاز هذا الموقع الذي اختاره الحلنقة لعاصمة بلادهم بموقعه على الضفة الشرقية للقاش إذ يبعد عن أخطار الفيضانات التي تحدث دائما في اتجاه الغرب، وهو في الوقت نفسه يمثل أرضا مرتفعة تتوافر فيها موارد المياه، ويسهل السيطرة عليها. هذا إلى جانب المميزات العامة للإقليم من ناحية جودة موقعه بالقرب من الحدود الأثيوبية- السودانية. وتقوم المدينة بوظيفة الحامية، ويؤكد ذلك موقعها الحصين الذي يتمثل في نهر القاش وجبل كسلا ووفرة المياه، وكلها تعطي ميزات جديدة لموضع المدينة.

 
ترجع نشأة هذه المدينة إلى عام 1840 عندما اختيرت بواسطة القوات التركية كعاصمة لإقليم التاكا، وهي المنطقة التي تقع حول دلتا القاش، وبهذا قامت مدينة كسلا في أول الأمر لتخدم أغراضا إدارية ذات طابع عسكري.


وقد نمت المدينة حول قرية الحلنقة، وهي أقدم تجمع بشري في هذه المنطقة إذ استقر هنا سكان هذه القرية منذ أوائل القرن التاسع عشر، بعد ما هاجروا من التلال الأريترية إلى سهول السودان، واختاروا رأس دلتا القاش لاستقرارهم وشيدوا قريتهم في شرقي النهر. وقد زاد من أهمية المنطقة ظهور قرية الختمية في نفس تلك الفترة تحت سفح جبل كسلا حينما اختارتها العائلة الميرغنية في عام 1840 لتكون مركزا لها. وقد امتد نفوذهم الروحي إلى أنحاء القطر المختلفة، مما أدى إلى هجرة كثير من السكان خاصة من المديرية الشمالية إلى هذه المنطقة واشتغلوا بالزراعة في دلتا القاش. وقد ظهرت أهمية مدينة كسلا في عام 1860 كسوق تجارية رئيسية ومركز تجميع وتجارة عابرة بين السودان وأثيوبيا.

وحتى ذلك الوقت، كان عمران المدينة ينحصر في قرية الحلنقة التي تقع إلى جنوبها بعض المباني الحكومية، وتفصلها الأراضي الزراعية الواسعة عن قرية الختمية في جنوبها الشرقي.


وقد تطورت المدينة بعد ذلك حتى أصبحت في عام 1880 أهم مدن السودان الشرقي بعد سواكن. وبظهور الحركة المهدية كانت مدينة كسلا مسرحا للحروب التي دمرت بعض أجزائها. وقد احتل الإيطاليون مدينة كسلا عام 1894، واستقروا فيها باتفاق مع كتشنر، لكي يتسلمها الجيش البريطاني عندما تزحف إليها قواته، وقد تم بالفعل الانسحاب الإيطالي من المدينة في عام 1897. وقد نشأت في فترة الحكم التركي للمدينة مباني المديرية وبعض المنازل الحكومية ومنطقة الحامية العسكرية.


كانت معظم المباني في تلك المناطق السكنية من القش وفروع الأشجار، ولا تزال هي مادة البناء الأساسية في أحياء غرب القاش والبرنو حتى الوقت الحاضر. وقد ظهر في عام 1915 أن المدينة كانت منظمة مع وجود بقايا الأسوار القديمة وتراجع الطابع العسكري واستقرار الأمن، وأصبح يمتد حولها نطاق أخضر من الأشجار يخفف من حدة الرياح بدلا من الأسوار التي احتاجت إليها مدينة كسلا في امتدادها عند بداية نشأتها.


وقد انتعشت المدينة في فترة الحرب الأثيوبية الإيطالية بين عامي 1936-1939، وقد بدأ التخطيط في المدينة حيث شهدت بداية عمرانية، وذلك بإنشاء قنطرة تصل بين شرقي وغربي خور القاش، حيث كانت تستخدم القوارب كوسيلة للمواصلات قبل ذلك. وتم إنشاء حي بانت إلى الغرب من الخط الحديدي في نفس هذه الفترة.

تشغل المناطق الزراعية في مدينة كسلا مساحة كبيرة داخل حدود المدينة، تتخلل المناطق الوظيفية الأخرى، وهذا الوضع تنفرد به كسلا عن المدن الأخرى، إلى جانب أن المناطق السكنية تمثل أكبر استخدامات الأرض بعد المناطق الزراعية.