الكراكوز

أما ما يسمى بالكراكوز وعواظ فهو أبو المسرح الحالي ويطلق عليه كذلك اسم خيال الظل وهي تسمية تركية وكان هذا المسرح منتشرا في تركيا خلال الحكم العثماني ثم انتقل إلى البلاد التي كانوا يحكمونها.


وكان الإقبال على مشاهدته كبيرا لأن الناس كانوا يجدون فيه متنفسا لهم فتجري على ألسنة شخصياته انتقادات مموهة للتقاليد البالية والفساد الاجتماعي والعادات السيئة ، يغلف كل ذلك فكاهات ظريفة مضحكة وملاحظات ساخرة تمس الأوضاع السائدة في البلد وذلك بشكل رمزي مستتر، فالكركوزاتي كان ناقدا شعبيا يتسقط ما يجري على ألسنة الناس بمختلف مستوياتهم فيضخم السقطات ويرويها على طريقته الخاصة مازجا إياها بالهزل حينا والمبالغة حينا آخر مضفيا عليها الكثير من الظرف القريب إلى النفس والدعابة المحببة بحيث أن كل ذلك يقع موقعا حسنا عند
المشاهدين فيطربون ويملؤون أشداقهم بالابتسامات بل وبالقهقهات التي تتردد أصداؤها في أرجاء الصالة . وينزل الكركوزاتي أحيانا للتجول بين المشاهدين بقصد إشراك جمهوره في تمثيلياته الفكاهية مثلما يجري في الوقت الحاضر في بعض المسرحيات الحديثة . أما في الاستراحة فتعزف فرقة موسيقية لتسلية الجمهور أو يقوم أحد المغنين المعروفين بتشنيف الآذان ببعض الأزجال الشعبية .


والكركوزاتي الناجح يجب أن يتمتع بصفات نادرة كالظرف وسرعة البديهة والقدرة على تغيير صوته ولهجته ليتماشيا مع أصوات ولهجات وطرق تعبير الشخصيات التي يتكلم باسمها،إضافة إلى تمتعه بالبراعة بتشغيل دماه وتحريكها بشكل ينسجم مع الموضوع الذي يتطرق إليه .

غير أن ابتذال النصوص في بعض الأحيان وإسفافها جعل الإقبال على مشاهدة هذه العروض يتضاءل، وصار الآباء يمنعون أولادهم من ولوج صالاتها بسبب لا أخلاقية الألفاظ المستخدمة ، ووصلت نهايتها بعد انتشار السينما والمسرح الجاد.

أشهر شخصيات مسرح الكراكوز هي : كراكوز ويليه عواظ، وهاتان الشخصيتان تكونان على الدوام في حالة خصومة يعاكس أحدهما الآخر بشكل مرح، يمثل كراكوز الإنسان البسيط الطيب والنزق الذي يصدق كل ما يقال له أما عواظ فهو الشخص الخبيث والمشاجر المتفاصح الذي يستغل بساطة صديقه كراكوز وسرعة انفعاله لينصب له المقالب وليوقعه بالمشاكل ثم هناك شخصية المدلل وهو طفل مدلل كما يدل اسمه وشخصية كرش وهو حمار يتكلم وتوجد شخصيات أخرى تبعث أسماؤها على الضحك مثل قشقو - بظاظو - شم قرين - أم قاووق وغير ذلك .

كانوا يصنعون رسوم هذه الشخصيات من جلود الحيوانات المقواة، ترسم عليها الأشكال المطلوبة وتجعل أجزاؤها متحركة، كما ترسم عليها الألبسة المراد إلباسها إياها وتلون حسب ألوان الأزياء التقليدية، ويجعل لكل منها مركز ثقل يتحرك الجسم وأجزاؤه حوله .

يستعين الكراكوزاتي بقطعة من الخشب يحرك بها أقسام الجسم المختلفة بخفة وبراعة ، كما يضع خلف الرسوم شمعة مضاءة من أجل ظهور شخصياته المختلفة على الشاشة الظاهرة لجمهور المتفرجين ويفعل الكراكوزاتي كما يفعل القصاص الشعبي وذلك بأن ينهي عرضه عند عقدة قصته التي يترك نهايتها غامضة يستكملها في اليوم التالي ، وذلك لتشويق المتفرجين وجذبهم للقدوم مرة أخرى إلى مسرحه .