بلدية بيروت

نظّمت أول بلدية في الدولة العُثمانيّة في العاصمة الأستانة سنة1857م، وكانت أول بلديتين في بلاد الشام في دير القمر وبيروت وذلك سنة 1864م.

كان عبد الله بيهم أول رئيس لبلدية بيروت، وكان سبق له أن تولى رئاسة مجلس التجارة فيها. كان مكتبه عبارة عن طراحة فوق حصير، بين يديه غليونه، وفي يده سبحته، وأمامه منضدة عليها دواة نحاسيّة وقلم وغزار ومرملة لتجفيف الحبر.

يُذكر أن قانوناً صدر سنة 1871م حدّد كيفيّة تأليف المجلس البلدي، من رئيس ومعاون له وستة أعضاء، ينضّم إليهم مستشارون : طبيب ومهندس ويعاونهم كاتب وأمين صندوق.

تعاقب على رئاسة البلدية عدة رؤساء أكثرهم من أبناء المدينة، نذكر منهم:
◄أحمد أباظه الذي كان قائمقاماً لمركز بيروت ووكيل متصرفها، ثم تولى رئاسة البلدية سنة 1872م. جرى في أيامه جّر مياه نهر الكلب إلى بيروت، وإحتفل بوصوله إليها في 12 أيار سنة 1875م. كما صدر أثناء رئاسته الترخيص للجامعة اليسوعيّة، لأن أولي الأمر في الأستانة، إشترطوا موافقة البلدية المسبقة، قبل إصدار فرمان الترخيص.

◄محيى الدين عمر بيهم، كان رئيساً للبلدية سنة 1877م، وأُعيد إنتخابه رئيساً لها سنة 1888م.

◄إبراهيم فخري بك إبن محمود بك حاكم بيروت أيام إبراهيم باشا، وهو من مواليد بيروت سنة 1839م. عيّن رئيساً للبلدية سنة 1878م، فأجرى عدة تحسينات. منها تنظيم ساحة البرج وإصلاح مجاري المياه وترميم الطرق الرئيسيّة وفتح طريق رأس بيروت وزيادة المصابيح لإنارة البلدة وتنظيم الأسواق، كما شجَّع الأجانب والتجّار على إنشاء النوادي وتوسيع المرفأ وإنشاء البورصة. وإستصدر في أيامه بتولي البلدية شؤون غابة الصنوبر ، فرتبها وأعدها كمنتزه للبلدية. كم أعد مشروعاً لترقيم البيوت وتسمية الشوارع لم يُنفذ في عهده.

◄عُيَّن محيى الدين بن عبد الفتّاح آغا حمادة سنة 1882م رئيساً للبلدية، وبقي فيها حتى سنة 1892م، عندما إستقال لرفضه المباشرة بتوسيع طريق الفشخة (الشارع الجديد ـ وفيما بعد شارع ويغان) قبل دفع تعويضات إستملاك لأصحاب العقارات. ثم أعيد إنتخابه سنة 1899م. ومن أهم منجزاته ترتيب ساحة السور ووضع حجر الأساس للسراي الصغيرة في ساحة البرج، وتوسيع الطرق ورشها بالماء، وتبليط سوق الخضار والإهتمام بالنظافة العامة.

◄إختير محمد عبد الله بيهم رئيساً للبلدية سنة 1892م فأكمل مشروع طريق توسيع طريق الفشخة.

◄تولى عبد القادر القبّاني رئاسة البلدية سنة 1898م، وجرى في أيامه تدشين برج الساعة العربيّة في ساحة القشلة (السراي الكبير)، وتدشين السبيل الحميدي في ساحة السور (الذي نقل فيما بعد إلى حديقة الصنائع)، وتنظيم إستقبال إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني.

◄إنتخب عبد القادر الدّنا سنة 1906م رئيساً للبلدية، وكان رئيساً لمجلس التجارة فيها وصاحب جريدة (بيروت) مع شقيقه محمد رشيد الدّنا.

◄بعد الإنقلاب العُثماني على السلطان عبد الحميد سنة 1908م، عُزل عبد القادر الدّنا وكُلّف محمد أياس برئاسة البلدية.

◄ثم إستقال محمد أياس وعيّن سليم علي سلام رئيساً للبلدية، حتى سنة 1909م حين قُسّمت البلدية إلى دائرتين:شرقيّة برئاسة بطرس داغر وغربيّة برئاسة منح رمضان.

◄أما أثناء الحرب العالميّة الأولى فتولى عمر الداعوق رئاسة البلدية.

تدابير البلدية:
حدّد نظام البلديات العُثماني الصادر سنة 1875م وظائف المجلس البلدي. فكان منها:

■ النظارة على الأزقة والسواقط ومجرى المياه.

■ رصف الأسواق وإشعال القناديل.

وفيما خص البيع والشراء:
تحقيق الأرواق والتجسس عليها. وعلى الكيول المستعملة كلقبابين والموازين والكيول، وعلى اللوكندات ومحلات البالو، ومنع الأشياء المضّرة الصحة العموميّة، وعدم التغاضي عن حراس الأسواق، وفوانيس الغاز، ومستشفى المدينة، وتعديات أرباب الإحتكار، وعلى تسهيل حاجات الفقراء والعواجز.

وأضيف سنة 1877م إلى هذه الصلاحيات: (كل ما يتعلق بالأبنية والأقنية وتطهير البلدة وحفظ الصحة العموميّة، قيد الأملاك والعقارات وقيد النفوس وتحرير المواليد والوفيات والوقوعات، تنظيم النقل الداخلي وأجور المركبات والنقليات، تشكيل مستشفيات ومأوى للغرباء وبيوت إصلاحات، ومكاتب لأجل تربية الأولاد العميان والخرس والأيتام المنقطعين، ومداواة الفقراء والمحتاجين، وإيجاد طرائق لإستعمال المقتدرين على الشغل من المتسولين، وعلى تجهيز الذين يتوفون من المنقطعين وأمثال ذلك).

وقد قامت بلدية بيروت بعدة أعمال نذكر منها:
■ منع دخول عظام الحيوانات والخرق البالية إلى داخل البلدة وتخصيص جهتي الرميلة وميناء الحصن لها.

■ نقل مخازن البترول من منطقة ميناء الحصن، وإنشاء مخازن لها في موقع الكرنتينا.

■ مراقبة الحرفيين وأصحاب الصناعات وتنبيه شيوخ الحرف لمراقبة العمّال.

■  تسعير المواد الغذائيّة وعلى رأسها الخبز ومعاقبة المخالفين.

■ ترتيب تعريفة موافقة لنقل البضائع والأمتعة من الجمرك إلى المخازن.

■ إصدار التعليمات الخاصة بتنظيم جمع النفايات وإلزام السكان بوضعها قرب أبواب بيوتهم بعد غروب الشمس بثلاث ساعات إلى قبل طلوعها بساعة.

■ تعيين محل مخصوص في الدائرة البلدية لأجل تطعيم كل من أراد من الأهالي ضد الجدري.

■ إلزام الجزارين وباعة الخضار بفرش دكاكينهم بالبلاط أو القرميد، وتنظيفها يوميًّا وتغطية اللحوم بالشاش.

■ قطع جميع الصبير البارز على الطرقات العامة.

■ إخضاع العربجيّة لإمتحان وإلزامهم بالحصول على رخصة.

■ إلزام ساقة الحيوانات وأصحابها بعدم تحميلها فوق طاقتها وعدم ضربها.

◄الدخوليّة:
زار أحد الرحالة الروس بيروت في الرابع عشر من شهر نيسان سنة 1844م فكتب في مذكراته يقول: (يقف جباة الضرائب والرسوم الجائرة على كل بوابات المدينة، بحيث أن أي فقير من بسطاء المدينة أو ضواحيها، صيّاد سمك كان أوبائع خضار أو غير ذلك، ملزم على دفع الرسوم الجمركيّة قبل أن يبيع بضاعته. وكان لا يُسمح له بتصريفها في السوق أو في شوارع المدينة، بل عليه تسليمها إلى الحوانيت التجاريّة صاحبة الإمتياز بالبيع بموجب ترخيص من الباشا).

يُذكر أن مجلس الإدارة والمجلس البلدي أصدرا سنة 1886م قراراً بدفع عشر بارات على كل جمل وكل بغل يدخل المدينة وخمس بارات على كل حمار. كما قرر إقامة مخافر في أطراف البلدة وتوظيف مأمورين أمناء لضبط المداخيل اليوميّة. وقد سُمّيت هذه الرسوم (رسوم الدخوليّة)، وكانت أجهزة البلدية تتضمن مصلحة بهذا الأسم، كان خالد العيتاني رئيساً لها سنة 1946م.

كانت هذه المصلحة تفرض رسوماً على البضائع المحمَّلة على سيارات أو دواب أو طنابر، دون الأشياء التي يحملها الإنسان بيديه. وكانت نقاط الدخوليّة سنة 1940م محدّدة في النقاط التالية: الحرج قبل الجامع، الطيونة، فرن الشباك،كورنيش النهر، جسر نهر بيروت.

وكانت البضائع توزن في القبّان العام في سوق الخضار، ثم نقل القبّان إلى نقطة الطيونة، وقد يصار أحياناً إلى عد الصناديق وتقديرها. وحدّد رسم معيّن لكل صنف. بلغت واردات البلدية في حينه عشرة آلاف ليرة لبنانيّة، إرتفعت بعد ذلك إلى خمسة وعشرين ألفاً.

ويُذكر أن مفتشي المصلحة كانوا يفرضون جزاء وغرامة على كل من لم يسدّد الرسم، أو من لم يكن يحمل إيصالاً بتسديده.

ر