الجزء الأول

آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.

كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)

كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ 42) آل عمران)

بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 43) آل عمران)

ولادة عيسى عليه السلام:

كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً 21) مريم)