درّة بيروت تجسيد لرسالة لبنان وصيغة عيشه الواحد

مسجد محمد الأمين: حلم الرئيس الشهيد ووعده يتحققان

لمسجد محمد الأمين في وسط بيروت، مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري قصة وحكاية. فقد ارتبط اسم الأول بالثاني حياً وميتاً، إذ عايش المشروع مذ كان فكرة صعبة التحقق الى أن صار صرحاً يشارف على الاكتمال بين عامي 2002 الى 2005؛ يوماً بيوم، وخطوة بخطوة. وبعد جريمة 14 شباط الإرهابية، دُفن بجوار هذا المكان الذي أحب، لكن العمل لم يتوقف، فتولى إكمال المهمة نجله رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري، بالهمة والاندفاعة والمتابعة عينها إلى أن استحال الحلم حقيقة، والمشروع تحفة معمارية وحضارية ودينية تليق ببيوت الله تعالى ومكانة بيروت وأهلها، وموئلا للايمان والسكينة والعمل الصالح.

في صبيحة يوم خريفي في 3 تشرين الاول 2003، دَفعَ الرئيس الشهيد بيديه، وكان واصلاً لتوّه من جولة خارجية شملت عدداً من الدول وقد بدت عليه ملامح سهر طويل لكن بابتسامة وهمّة لفتت حتى أقرب مساعديه إليه، عربة اسمنت في أحد أساسات مسجد محمد الأمين، إيذاناً ببدء صبّ الاساسات وإطلاق مراحل تنفيذ المشروع، وأطلق وعداً بأن ينجز هذا المشروع "في أسرع وقت ممكن".

وكان مما قال يومها ـ رحمه الله ـ : "إنه لمن دواعي اعتزازي وسعادتي أن يمنّ الله علي بشرف وضع حجر الأساس لجامع محمد الأمين.. لقد كان بناء هذا المسجد أمنية عزيزة على المسلمين في لبنان عامة وفي بيروت بصفة خاصة طوال العقود الخمسة الماضية. ونحمد الله العليّ القدير الذي هيأ الظروف المناسبة للبدء اليوم في إقامة هذا الصرح الديني الجليل"، مشيراً الى انه "من حسن الحظ أن يقام جامع محمد الأمين في هذا الموقع بالذات من قلب العاصمة حيث تتعانق الأديان جميعاً لتشكل ركناً وطنياً في رحاب الايمان، ومساحة مشتركة للوفاق الوطني، تؤكد رسالة لبنان، وصيغة عيشه الوطني الواحد".

اليوم، وبعد ستّ سنوات كاملة على اطلاق العمل بالمشروع، يعود النائب سعد الحريري الى المكان عينه، ليفتتح هذا الصرح الذي كان الحلم الأحبّ على قلب والده، وقد أضحى درّة المدينة وتحفتها المتألقة.

■ قصة وَلَعهٍ بمدينة وحبّ لأهلها

من المعروف أن للمنشآت العمرانية حياة مثل الأشخاص، فهي تعرف بأسماء وتتحرك وتتقدم تبعاً للبيئة المحيطة بها، وتتناغم أو لا تتناغم معها، فبيت المقدس عُرفت بالمسجد الأقصى، ومكّة المكرمة عرفت ببيت الله الحرام، والمدينة المنورة عرفت بمسجد ساكنها عليه السلام، والقاهرة بالجامع الازهر، واسطنبول بمسجدي محمد الفاتح وأحمد الثالث، وتونس بمسجد القيروان، كما عرفت مدن معاصرة كالدار البيضاء بمسجد محمد الثاني ومسقط بمسجد السلطان الأكبر، وعلى ذلك فإن بيروت ستعرف بمسجدها الكبير، مسجد محمد الأمين عليه السلام، المشيد البناء، وساكن جواره الرئيس الشهيد رفيق الحريري، شاهدا باقيا، الى جانب تمثال الشهداء في ساحة الحرية، على قصة الحب التي ربطت الشهيد بهذا الوطن وعاصمته حتى قدم روحه فداء له.

عندما كانت بيروت مدينة صغيرة، كان مكان جامع الأمين زاوية موقوفة على أتباع الطريقة الخلوتية الصوفية، وسميت بزاوية أبي النصر نسبة لشيخ الطريقة عمر أبو النصر اليافي. وعندما كبرت بيروت، وازدادت الحاجة الى أمكنة الصلاة في وسط المدينة، لصغر حجم الجوامع التاريخية الموجودة فيها، ظهرت الفكرة بأن يقام جامع في مكان الزاوية وتشترى أراض مجاورة تسمح بأن يتسع البناء الجديد لآلاف المصلين. وبدون تفصيل كثير وعلى مشارف العام 2000، وبعد طول عمر المساعي واللجان، ما كانت المساحة المقتناة كافية لبناء جامع كبير، بالاضافة الى ما كان الواقف قد خصصه لذلك.

وقتها تجمعت لدى الرئيس الحريري عدة أسباب دفعت للتبرع بالبناء: طلب مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني مساعدته لاقتناء المزيد من الأراضي للجامع ولحل المشكلات مع لجنة الجامع. ورأى هو أن وسط البلد برز تحفة معمارية وساحة لقاء انساني بما في ذلك الكنائس التاريخية التي رممت وعادت الى سابق بهائها، فخالجته فكرة دعم بناء الجامع ليكتمل المشهد المعماري ولا تبقى تلك الزاوية البارزة باتجاه ساحة الشهداء خربة، ويقع في أصل ذلك أيضاً أن المشروع كان عزيزاً على أهل بيروت على مدى أكثرمن نصف قرن.

وهكذا لبّى الرئيس الشهيد الأجر والثواب، ثم نداء المفتي، وأهل بيروت، نداء تطلب الروعة المعمارية والفنية وسط المشهد الأخاذ في وسط بيروت.

اتخذ الشهيد قراره في شتاء العام 2001، فزار الموقع ـ كما ذكر مراراً لمجالسيه ـ حوالي العشر مرات، وأبلغ المفتي وكبار أهل بيروت بقراره بناء الجامع على نفقته، وليس له إلا شرط واحد هو في الحقيقة التزام أكثر مما هو شرط: أن يتولى المسائل المعمارية والفنية بنفسه، فكان له ما أراد.

وفي خريف عام 2004، وعندما كان الصرح، بيت الله، يتجه للاكتمال قال مرة لزواره من أهل بيروت على أثر تفقد ربما للمرة الخمسين خلال السنوات الثلاث، للموقع والجامع: لقد بنيت في ربع القرن الأخير آلاف المباني وبينها قصور ودور رائعة، لكنني أردت أن يكون هذا الصرح المبارك تحفتي المعمارية، والمسألة ليست ذوقاً فقط، ولا خبرة وحسب، بل هو قبل كل شيء نية وتوفيق.

■ المسجد في المنظور المكاني والهندسي

يروي المقربون من الرئيس الشهيد من فريق العمل الذي كان عهد اليه متابعة المخططات والتصميمات وأعمال البناء، أن الرئيس الحريري كان يبدي اهتماما لا حدّ له بكل تفاصيل البناء ويطلع على كل ما يتعلق به، حتى المواد المستخدمة في الورشة ونوعها، ويتدخل في التفاصيل، وهو الذي اختار اللون الازرق لونا لقبابه الثلاث التي يعلو كلا منها هلال نحاسي مطلي بالذهب، وقد استوحيت هندسة المسجد الداخلية وزخارفه من الفن المملوكي، أما قناطره وأبوابه فقد كساها الحجر الصخري وتزينت بلوحات من آي القرآن الكريم.

يقع جامع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم) في وسط مدينة بيروت التاريخية على الزاوية التي تصل ساحة الشهداء بساحة رياض الصلح عبر شارع الأمير بشير، على العقار الرقم 323 وقسم من العقار 1488 مرفأ، وهو بذلك يشغل موقعاً جغرافياً مميزاً في وسط المدينة، حيث يجاور عدداً من الأماكن الدينية المسيحية والاسلامية، ويشرف على حديقة الآثار المعروفة بحديقة السماح.

ويتميز هذا الموقع بكونه نقطة التقاء للكثير من الشوارع في وسط بيروت، فبالاضافة لاشرافه على ساحة الشهداء، هو نقطة التقاء لامتداد شارع فوش عبر حديقة السماح مع امتداد شارع عبد الحميد كرامي عبر ساحة النجمة وشارع سوق أبي النصر.

وبحسب فريق المهندسين في شركة " أوجيه لبنان" التي أشرفت على الدراسات وادارة الورشة وتنفيذ المشروع الذي كانت اعلنت "مؤسسة الحريري" سابقا أنها تتحمل تكلفته كاملة بناء على توجيهات الرئيس الشهيد، فان المفصل كان في اختيار الدثائر المعمارية هو التواصل مع العمارة العثمانية وهي الحلقة الأهم في صياغة الحل المعماري للجامع. ويفتح هذا الخيار المجال واسعاً لاستعمال المفردات المعمارية والعناصر الزخرفية من شتى الحقب الإسلامية التي مرت على لبنان إذ يلاحط التواصل المملوكي ـ العثماني في الأبعاد الهندسية للجامع وفي المآذن والقباب، وتتابع التأثيرات الأموية والفاطمية والمملوكية والعثمانية في التفاصيل والألوان، وتصاغ ممزوجة بأصالة الحرفي اللبناني معبراً عنها بالمواد مثل الحجر والرخام والجفصين والزجاج الملون والخشب لتنتج عمارة محلية رائدة.

ويقوم الجامع على مساحة مجملة من 10711م2 موزعة على النحو التالي:

❑ ـ الطابق السفلي الثاني 2142م2

❑ ـ الطابق السفلي الأول 3796م2

❑ ـ الطابق الأرضي 3460م2

❑ ـ الطابق الأول 1313م2

وقد توزعت على هذه الطوابق ­ العناصر والخدمات المكونة للجامع، ففي الطابق السفلي الثاني تقع الخدمات الميكانيكية وخزانات المياه وغرف الكهرباء والتحكم والمخازن.

وفي الطابق السفلي الأول ونتيجة لانحدار الطرق حول الجامع لناحية الشمال، حيث يمكن الدخول الى الجامع عبر مدخل للرجال يؤدي الى ردهة توزع الى قاعة متعددة الاستعمالات بمساحة 1150م2 وأماكن خدمة لهذه القاعة من مخازن وخلافه. كما تؤدي هذه الردهة الى الأماكن المخصصة للأحذية مع مكان للضوء ودورات المياه للرجال.

وعلى الناحية الشمالية أيضا مدخل خاص للزوار يؤدي الى ردهة فإلى صالون الاستقبال مع الخدمات المناسبة.

ومن ناحية الغرب مدخل خاص بالنساء يؤدي الى ردهة فالى مكان خاص بالوضوء للنساء ودورات مياه خاصة بهن مع درج ومصعد يؤديان الى مكان الصلاة المخصص للنساء.

وفي الطابق الأرضي، تقوم القاعة الكبيرة المخصصة لصلاة الرجال وتتسع لنحو 3700 مصلٍ مع مداخلها الأربعة المشرفة على ردهة خارجية مطلة على ساحة الشهداء، وتقع في هذا الطابق ايضاً غرف مخصصة لإمام الجامع وأخرى لحفظ القرآن الكريم، هذا إضافة الى اماكن خدمة الصوتيات والمرئيات ودرج يؤدي الى مخزن في الميزانين.

وفي الطابق الأول وبالجهة الشمالية مصلى للرجال يتسع لنحو 450 مصليا، يمكن الوصول اليه عبر درج ومصعد في الركن الشمالي الشرقي من الجامع. وفي هذا الطابق ايضا من الجهة الغربية المصلى المخصص للنساء بسعة نحو 850 مصلية. وبذلك تكون طاقة استيعاب المسجد العادية نحو 5000 مصلّ ومصلية، يضاف اليها نحو 2500 مصلّ ومصلية عند استعمال الفراغات الأخرى مثل القاعة المتعددة الاستعمال والردهات الخارجية.

■ العمارة: الواجهات والقباب والمآذن

مبنى جامع محمد الأمين صرح رباعي الأضلاع يغطي كامل مساحة العقار ويأخذ شكله ايضاً. ويعلو هذا الشكل الرباعي مربع آخر تلامس اطرافه الشكل الأول وتعلوه ارتفاعاً، وتنتصب على زوايا هذا المربع مآذن تتوسطها قبة وتنساب منها أنصاف قباب.

وقد بني المبنى كله من الخرسانة المسلحة وغلف كله بالحجر الأصفر الذهبي وزخرفت اطرافه بالكرانيش المزخرفة والأحجار المطعمة باللون الأبيض وكسيت القباب باللون الأزرق اللازوردي وركزت على رأس القباب والمآذن أجسام مكورة متعددة الطبقات تنتهي بهلال وصنعت من النحاس الأصفر وكسيت بماء الذهب.

وتعتبر الواجهة الشرقية الأهم بين الواجهات في المسجد. فهي تنفتح على ساحة الشهداء بطول53.40 مترا وتتكون من قسمين يفصل بينهما جسم المئذنة. القسم الأول الشمالي هو سلسلة من خمسة عقود مدببة بارتفاع 11.23 متراً ما عدا الأوسط فهو بارتفاع 11.70 متراً. ويعلو العقود شريط قرآني لآيات من سورة يس تبدأ في وسط هذا القسم وتدور حول الواجهات الأربع.

وتتوسط هذا القسم لوحة عليها اسم الجامع وقد طعمت أحرفه بالرخام الابيض. ويتألف القسم الثاني وهو الجنوبي من مستطيل يتوسطه عقد يدور حوله كورنيش ليكون مستطيلاً. ويتتابع فوق هذا القسم الشريط القرآني.

ونتيجة لانحدار الأرض نحو الشمال تقف الواجهة الشرقية على منصة مدرجة يزيد عدد ادراجها كلما اتجهنا نحو الشمال.

أما الواجهة الجنوبية فتمتد بمحاذاة شارع الأمير بشير وبطول 57.71 متراً وتتكون من قسمين يفصل بينهما جسم المئذنة.

ـ القسم الأول الشرقي يتوسطه مستطيل يحتوي على زخرف هندسي وقد طعمت خطوطه بالرخام الأبيض، وتعلو هذا العنصر الزخرفي آية من القرآن الكريم (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) (الأعراف 29).

ـ وتحيط بهذا العنصر الزخرفي من كل جانب الوحدة القياسية للفتحات.

ـ وفي القسم الغربي من هذه الواجهة تدالت ثلاث وحدات قياسية ضمن اطار واحد لتشكل عنصراً جمالياً مختلفاً. ويعلو الواجهة الجنوبية كما الواجهة الشرقية الشريط القرآني.

أما الواجهة الغربية فتمتد بموازاة الشارع الفاصل بين الجامع وكنيسة ما جرجس المارونية على طول 68.00 وتبدأ بتشكيل من خمسة عقود متراصة ضمن اطار واحد. والعنصر البارز في هذه الواجهة هو احتواؤها على مدخل مخصص للنساء مكون من اطار مستطيل على جوانبه عمودان يحملان عتبا يتدرج مكوناً قوصرة بمقرنصات مثلثة ويدور الاطار حولهم مكوناً عقداً ينتهي بسطح مستو.

ونتيجة لتراجع الواجهة عند منطقة باب النساء يبرز المدخل الى الامام مكوناً حجماً في الفراغ. وتلفت الناظر اليه أعمدة مستديرة من حوله. وتنتهي الواجهة الغربية بعقد مدبب كبير بارتفاع 15و40 متراً. ويعلو الواجهة الغربية كما سابقاتها الشريط القرآني.

كما تمتد الواجهة الشمالية بموازاة الشارع الفاصل مع ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري بطول62.20 متراً. وتتكون من قسمين يفصل بينهما جسم امتدادي لجسم المئذنة.

وتتكون اقسام هذه الواجهة من تشكيلين متداخلين من ثلاثة عقود مدببة ضمن اطار تشطيلي ويتكرر على الزاوية الغربية العقد المدبب الكبير المماثل للواجهة الغربية بارتفاع 15.40 متراً مشكلاً البوابة الخارجية لنقطة التقاء الطرق الممتدة من نسيج المدينة العمرني القديم.

أما بالنسبة للقباب فقد تمّ استخدام القبة في تغطية الفراغ الداخلي المركزي وهو تعبير مأخوذ من العمارة العثمانية تخفيفاً من ضخامة الجامع. وقد ارتفعت هذه القبة على مربع اضلاعه 24*24 متر وبارتفاع 6.21م زينت جوانبه الشرقية والغربية باثني عشر عقداً في كل جانب، وتعلو ذلك ثلاث قمريات. وقد زينت زوايا المربع بمقرنصات هرمية الشكل مما سمح بالانتقال البصري من مسقط الدائري التي اتت مستديرة الشكل قطرها الداخلي 20 متراً والخارجي 22 متراً وارتفاعها الخارجي 42.5م عن مستوى ارض الجامع. ويحيط بها جسم مكون من 24 عموداً على شكل دعامة تشكل فيما بينها 24 عقداً.

وللتأكيد على اتجاه القبلة انسابت على الجوانب الجنوبية والشمالية لهذه القبة المركزية أنصاف قباب أتت مستديرة الشكل قطرها الداخلي 16 متراً والخارجي 18 متراً وارتفاعها 29 متراً. وأحيطت كل منها بجسم مكون من 12 عموداً يشكل دعامة تكون فيما بينها 11 قنطرة. وترتكز أنصاف القباب على شكل نصف مثمن الأضلاع يرتكز هو الآخر على المربع الأساسي المرتفع.

وترتفع على جوانب هذه القبة المركزية وأنصاف القباب قبتان، كل منهما نصف مستديرة بأبعاد قطرها الداخلي 6م والخارجي 7م وبارتفاع 5.23م عن مستوى ارض الجامع. وثمة قبتان صغيرتان على الجهة الشمالية الشرقية والشمالية الغربية ايضا. وقد تمت تغطية القباب بالسيراميك الأزرق العابق لونه بزرقة السماء والمستورد خصيصاً للجامع من ايطاليا.

إلى ذلك تشكلت المآذن في جامع محمد الأمين استناداً الى النموذج العثماني وهي تعبير واضح عن التطور التاريخي لها، فهي تتكون من قاعدة مربعة الشكل يصعد منها جسم مثمن الأضلاع من ثلاثة أقسام تتدرج بالصغر مع الارتفاع، تفصل بينهما شرفتان محمولتان على مقرنصات، معبرة عن التطور وترابط النمو المعماري للعمارة الاسلامية، وذلك بالانتقال من المئذنة الأموية المربعة الأضلاع، الى المملوكية المثمنة الأضلاع، وتنتهي بالمخروطي العثماني المصدر.

وترتفع فوق سطح أرض الجامع، وعلى زوايا المربع، أربع مآذن وارتفاع كل منها 69.5 متراً. وأتت قاعدة المئذنة على مربع أبعاده 5.1 * 5.1م وارتفاعه 21.6م على مستوى أرض الجامع، وينتقل جسم المئذنة من المربع الى المثمن عبر منطقة انتقال متعددة الأضلاع على شكل مثلثات مقلوبة.

وينقسم الجسم المثمن على ثلاث مراحل، الأولى بارتفاع 15.3 متراً والثانية بارتفاع 8.7 متراً والثالثة بارتفاع 7.5 متراً، يعلوه جسم هرمي بارتفاع 8.7 متراً ويعلوه جسم مشكل من قباب نحاسية تنتهي بهلال ارتفاعها 4.6م، وقد تمت تغطية هذا الجسم النحاسي بالذهب.

ويتم الانتقال بين الأجسام المثمنة الأشكال بواسطة مقرنصات مثلثة الشكل عثماني المصدر في الشرفة الأولى ومقرنصات كروية الشكل مملوكية المصدر في الشرفة الثانية. وزينت الشُرَف بدرابزين متعدد الأضلاع محفور بأشكال هندسية ونباتية، وكسيت أجسام المئذنة بلوحات حجرية منحنية الشكل تبدأ وتنتهي بقناطر متداخلة.

وتمّ تصميم وحدة قياسية مستطيلة الشكل تحدها اطر لها كرانيش محفورة تشكل اطاراً لقنطرة كبيرة تستند إلى أعمدة مربعة الشكل لها تيجان مقرنصة مثلثة عثمانية المصدر، لتشكل الستارة الشفافة على الواجهة الشرقية المطلة على ساحة الشهداء والمطلة على حديقة السماح في الواجهة الشمالية الشرقية والشمالية الغربية.

وقد أضيفت لهذه الوحدة القياسية على مستوى الطابق الأرضي عقد ضمن اطار مزخرف وضع ضمن الوحدة القياسية الكبيرة مشكلاً بذلك وحدة التعبير عن الفتحات المستعملة في الطابق الأرضي والأول.

وفي المنطقة الفاصلة بين الطابق الأرضي الأول، وضمن لوحة مستطيلة الشكل آيات من القرآن الكريم منقوشة باللون الأبيض على خلفية زرقاء لازوردي مصنوعة من بلاط الازنك التركي.

■ قصة السجاد والثريات

يروي رئيس مجلس ادارة شركة "أوجيه لبنان" ومديرها العام الدكتور نزيه الحريري، وهو يكفكف دموعاً تأبى إلا أن تتدحرج لحظة التذكر هذه، أن الرئيس الشهيد استنبط شخصياً توليفة لسجاد المسجد مكونة من إطار زخرفي وألوان تريح النظر، وشدد على أن تنفذ بما يريح المصلي وبخاصة المسنون، بعد أن استعرض عدداً كبيرا من النماذج التي عرضت عليه، وأشرف شخصياً على متابعة انتاجه وتوريده الى الجامع.

ويقول الدكتور الحريري ان الرئيس الحريري ألحّ على أن تكون الثريات تعبيراً عن فخامة وضخامة الجامع، ولذلك قام شخصياً بتكليف مكتب أوجيه في باريس بتكليف أهم الشركات المصممة والموردة للثريات في أوروبا. وقد قامت شركة etilatsirC بتصميم وتوريد وتركيب الثريات الرئيسية في قاعة الصلاة والمصنعة من الكريستال. فيما قامت شركة semuL في تركيا بتصميم وتوريد الثريات من الكريستال والنحاس في مداخل الجامع وقاعات المداخل وقاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الطابق السفلي الأول.

في المأثور الإسلامي: اللهم اجعل أحسن أعمالنا خواتيمها، وقد كان تشييد جامع محمد الأمين من آخر ما أنجزه الرئيس الشهيد من مشروعات كبرى.

واليوم، وبعد ان شهدت ساحة الحرية في خلال هذه السنوات الأربع الأخيرة تغيرات كبيرة وهائلة، كان أبرزها وأفظعها جريمة 14 شباط الإرهابية، ينتصب هذا المسجد المشيد الضخم بهيبة ووقار شاهدا حيا لمنجزات الشهيد وشهادته، ويضمه في جنباته مزارا للوطن وموئلا للوفاء.