لا يمكن قياس عملية الإبداع الصحفي، منذ بداية التخطيط لإصدار عدد من الصحيفة، حتى ظهورها كمادة مطبوعة، في شكل جريدة أو مجلة، بأيام العمل. إضافة إلى أن الصحفيين كثيراً ما يضطرون إلى إنجاز واجبهم المهني، في أصعب الظروف وأكثرها استثنائية، وفي مهمات تتطلب ركوب المخاطر، وتستنزف القوة والطاقة بدرجة كبيرة. ومن ثم يعد الاعتراف الاجتماعي بالعمل الصحفي، وتعويضه تعويضاً عادلاً، وضمان راحته، وصحته بشكل مناسب، وحماية حقوق ومصالح الصحيفة جزء من المشاكل، التي تحاول كل منظمة صحفية أن تحلها، وتذللهـا.

المشكلات المهنية اليومية التقليدية

يواجه الصحفي، يومياً، مشكلتين تقليديتين، تنبعان من طبيعة مهنة الصحافة:

الأولى: عنصر الوقت؛ فالأخبار، وهي صناعة الصحافة الأساسية، سلعة سريعة البوار، فما يسعى إليه الصحفي، ويحصل عليه، من معلومات، ووقائع تشكل اليوم سبقاً صحفياً مهماً، لا قيمة له غداً، فهناك الجديد، ومن ثم يعمل الصحفي وسيف الوقت Deadline، أو عنصر الزمن، مسلط عليه بشكل مستمر.

الثانية: ضيق المساحة المخصصة للنشر Newshole، حيث لا تستطيع الصحيفة أن تنشر كل ما يرد إليها من مواد صحفية، فتختار بعضها، وتنشره في المساحة المناسبة، مع باقي الأخبار والموضوعات. ومن ثم قد يحصل الصحفي على أخبار مهمة ولكنه لا يستطيع نشرها، لأنها أتت بعد موعد النشر المحدد، أو لعدم وجود مساحة لها، لأن هناك أخباراً وموضوعات أكثر أهمية، أو تنشر، بعد اختصارها، وتركيزها، في سطور قليلة، قد لا ترضى غرور الصحفي، الذي بذل جهداً كبيراً في الحصول عليها.

 

◄الضغوط النفسية والعصبية

إذا كانت الصحافة، كما يصفها البعض، هي مهمة البحث عن المتاعب، أو هي مهنة البحث عن الحقيقة، فإن البحث عن الحقيقة، من خلال الأخبار والموضوعات، يجعل الصحفي يعيش في حالة مستمرة من الترقب، والانتظار، والتوقع، واليأس، والإحباط، والانتصار، والانكسار، مما يسبب التعب والإنهاك، الذي يؤدي بالدرجة الأولى، إلى الإصابة بأمراض القلب وأمراض أخرى بين الصحفيين.

ففي عام 1960، قامت مجموعة، من أطباء مدينة سان فرانسيسكو، بالولايات المتحدة الأمريكية بإجراء مسح عن تطور الأحوال الصحية لقلوب 3524 شخصاً، من سكان المدينة، الذين تراوح أعمارهم، بين 39 و59 عاماً، والذين تبدو عليهم علامات الصحة الجيدة. وبعد ستة أعوام من الملاحظات الطبية الجدية، نشر الأطباء القائمون بالمسح نتائج دراستهم، التي أثبتت أن الصحفيين والطيارين، والمهندسين العاملين، في مجال الفضاء الخارجي، في مقدمة الفئات المهددة بأمراض القلب.

وفي عام 1991، نشر طبيب أسباني، عضو في جمعية الصحافة الأسبانية، دراسة مماثلة أثبتت نتائجها أن العمل الصحفي يسبب اضطرابات قلبية، كما يسبب حالات، من القلق واضطرابات الجهاز الهضمي. وأوضح الطبيب الأسباني، في دراسته، أن متابعة الأخبار اليومية تؤدي إلى ظهور حالات اكتئاب منظمة وأرق دائم، كما تؤدي إلى مشاكل في التنفس، وارتفاع نسبة الإصابات بالنوبات القلبية بين الصحفيين، وأكد أن عدداً مخيفاً، من الأمراض الجديدة، بدأ ينتشر، بين الصحفيين، منذ بدأ العمل على أجهزة الكمبيوتر، مثل الإرهاق الشديد، والانفجار في المخ، والقرحة في المعدة.

وتشهد الصحافة البريطانية، وكذلك الصحافة الأمريكية، آلاف القضايا المرفوعة، من صحفيين بها، بسبب بعض الأمراض المهنية التي أصابتهم بسبب إدخال الحاسبات الإلكترونية، في صحفهم مثل: الإرهاق في الرسغ Repetitive Strain Injury (RSI)، والزيغ البصري، وعدم القدرة على التركيز.

وفي منطقة الخليج العربي، أكدت دراسة أجريت، على عينة من الصحفيين العاملين، في ثلاث صحف خليجية، في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، أن الضغوط النفسية تأتي في مقدمة الضغوط، التي يتعرض لها الصحفيون، خاصة المحررون الأجانب، الذين يعملون في صحف تصدر في غير بلادهم الأصلية. ورصدت هذه الدراسة الضغوط، في عدم الاستقرار العائلي، أو الوظيفي، خاصة بالنسبة للصحفيين العاملين في الصحف الأهلية، وخشية هؤلاء الصحفيين من الخطأ لعدم معرفة طبيعة العمل بهذا البلد أو ذاك، والخوف من الإنهاء المفاجئ للتعاقد، وتخطي بعض الصحفيين، في المكافآت والترقيات والعلاوات، وفرص السفر في مهمات صحفية إلى الخارج.

أما الضغوط النفسية، التي يواجهها الصحفي المواطن، من أبناء دول الخليج، فتتمثل في عدم الثقة في قدرته وكفاءته، وندرة الفرص التي تتاح أمامه، لإثبات مهاراته الصحفية، والتشكيك في مدى تحمله للمسؤولية، وشعوره الدائم بإن المناصب القيادية والإشرافية، والامتيازات الأدبية والمهنية والمادية، يستحوذ الصحفيون الوافدون على معظمها، بحكم الأقدمية والخبرة والكثرة العددية.

◄تحدي الموضوعية

تشكل الموضوعية قيمة أساسية مهمة في العمل الصحفي، يسعى الصحفي، بقدر الإمكان لتحقيقها. ويتطلب تحقيق الموضوعية فصل الرأي عن الحقيقة، وتحقيق النزاهة والتوازن، بإعطاء الأطراف المختلفة فرصاً متكافئة، لإبداء وجهات نظرها، حتى يتسنى للجمهور الحصول على كل المعلومات اللازمة، حول قضية، أو حدث من الأحداث. وهي تعني الحياد بدلاً من التدخل والمشاركة وتنقسم الآراء حول الموضوعية إلى اتجاهين أساسيين:

◄الاتجاه الأول

يرى أن الموضوعية خرافة، وأنه قد آن الأوان لأن يصبح القائلون بالموضوعية أكثر واقعية، وأن يعترفوا بأنها شيء لا وجود له، إلاّ في أذهانهم فقط. فإنه ينبغي أن تكون التقارير الموضوعية أمينة نزيهة وناطقة بالحق وصورة من الواقع، ولكن أين هي هذه التقارير ؟ فلا يوجد مراسل صحفي يعرف الحقيقة كل الحقيقة. ومن ثم فليس بمقدوره أن يكتب تقريراً يضاهي الواقع بكل أبعاده. ويدعم آراء أصحاب هذا الاتجاه دراسات علم الدلالة، والدراسات الانثروبولوجية. يصف عالم الانثروبولوجي الشهير ادوارد هوك، كيف تؤثر الثقافة، في الطريقة، التي يرسل بها الشخص الرسائل الاتصالية، ويستقبلها، بقوله: "إن الثقافة قالب وُضعنا فيه، فهي تسيطر على حياتنا اليومية بطرق عديدة.

ويرى وليور شرام أن عملية التعرض الانتقائي ليست عملية قاصرة على جمهور يتعرض للمحتوى الذي يريده فحسب، ولكنها تحدث كذلك للقائمين على اختيار الأخبار، فهم يختارونها، في ضوء خبراتهم، ويفسرونها لكي تقاوم أي تغير في ثقافاتهم والإطار المرجعي لأفكارهم.

◄الاتجاه الثاني

يرى أصحابه أن الموضوعية هدف صحفي يمكن تحقيقه، ويمكن للصحفي أن يكون موضوعياً إذا أراد، وسعى من أجل ذلك. وهو وإن لم يصل إلى الشكل الدقيق للموضوعية، الذي يتحدث عنه أصحاب الاتجاه الأول، إلاّ أنه يستطيع الوصول إلى درجة من الموضوعية، تثبت أن الموضوعية مفهوم ذو معنى، وليس خرافة على الإطلاق. والسؤال الأساسي، الذي يطرحه أصحاب هذا الاتجاه المؤيد للموضوعية هو ما هو موقف المندوب، تجاه تقريره الإخباري، وتجاه جمهوره ؟ هل يريد أن يكون محايداً؟ أو يريد أن يكون متميزاً؟ فالموضوعية، في ظل اتجاه محايد، يمكن أن تكون مفهوماً واقعياً، في وسائل الإعلام، على الرغم من كل العقبات التي تعترضها. والموضوعية تتطلب من جميع صحف العالم تقييم أداءها، بين الحين والآخر.

◄الرقابة

تشكل الرقابة، التي تفرض على وسائل الإعلام، ومن بينها الصحافة، أهم المشاكل التي تواجه الصحفي، في تلك الدول. ويوجد نمطان رئيسيان لممارسة الرقابة في المجتمعات الناميـة:

أولاً: الرقابة المباشرة أو المتطورة، وتتخذ الأشكال التالية:

1- الرقابة السابقة على النشر، بمعنى وجود رقيب مقيم في المنشأة الإعلامية، يمارس عمله، ضمن وزارات الداخلية، أو الدفاع، أو الثقافة، أو الإعلام، فيقرأ كل مادة صحفية، قبل أن تنشر، ويجيز أو لا يجيز النشر. وقد يحذف بعض الفقرات، أو الأجزاء، من هذه المادة، حتى يسمح بنشرها.

2- الرقابة، بعد النشر، وقبل التوزيع، بحيث يمنع توزيع عدد يحتوي على مادة صحفية، غير مطلوب وصولها إلى القراء، من خلال ضبط أعداد الصحيفة المعدة للتوزيع من المطبعة، ومنعها من التداول.

3- الرقابة بعد التوزيع، حيث يتم جمع أعداد الصحيفة، من السوق، ومصادرتها، وقد يتم إدارياً أو قضائياً.

◄ثانياً: الرقابة غير المباشرة، ويمكن أن تتخذ الأشكال التالية

1- إصدار قائمة بالتعليمات، أو التوجيهات الحكومية، حول بعض الخطوات الخاصة بالنشر، والتي يقال، عادة، إن المصلحة القومية تقتضيها.

2- التدخل في أسلوب المعالجة الصحفية، المتصلة بأحداث أو قضايا معينة.

3- تعرض الإعلاميين لبعض أشكال الضغط المادي (السجن ـ الطرد من الخدمـة ـ التعذيب) أو الضغط المعنوي (الإغراء ـ الترهيب ـ المنع من الكتابة ـ النقل على عمر آخر).

4- فرض الرقابة باستخدام مسميات وتعبيرات ـ قد يراها البعض أنها غامضة أو مطاطة ـ كالصالح العام، والمصلحة القومية، والحفاظ على الوحدة الوطنية، والأمن القومي، والمقومات الأساسية للمجتمع، أو حماية النظام العام. وهذه كلها قد تمتد لتصبح ستاراً تحمي به السلطة العامة نفسها، والأشخاص العاملين، من النقد.

5- الرقابة التي قد يمارسها رئيس التحرير، أو المحرر المسؤول.

6- وضع قيود على حرية استقاء الأنباء، من مصادرها، وحرية الرجوع إلى مصادر الأخبار.

ويطرح البعض مبررات عديدة لفرض الرقابة، في المجتمعات النامية، مثل:

1- إن الأفكار، التي تطرحها وسائل الإعلام، زائفة وباطلة أو خطيرة، من وجهة نظر بعض المسؤولين.

2- ادعاء فئة من المجتمع، مثل الصفوة، لنفسها الوصاية على بقية فئات المجتمع، بدعوى أنها تفهم أكثر من الآخرين، ومن ثم تفرض الرقابة على أفكار معينة، ويكون الهدف الحقيقي، من ذلك، هو الحفاظ على الأوضاع القائمة، التي تخدم مصالح هذه الفئة، وتبقى على سيطرتها على السلطة.

3- فرض الرقابة على الأفكار، التي تنتهك حرمة الآداب العامة، أو تخدش الحياء، أو الأخلاق العامة.

4- فرض الرقابة على الأخبار والصور والبيانات التي ترى السلطة أنها سرية، وأن إفشائها يضر بالأمن القومي، أو الصالح العام، والنظام الاجتماعي، من دون تحديد ـ من وجهة نظر البعض ـ للمقصود بهذه التعبيرات، أو حدودها.

أمَّا في الدول المتقدمة، خاصة في أوروبا، والولايات المتحدة، فثمة نوع آخر من الرقابة المعنوية لأداء وسائل الإعلام، في إطار فلسفة المسؤولية الاجتماعية، تتضمن بعض المؤسسات التي تراقب أداء وسائل الإعلام في المجتمع، بقدر من الحرية المسؤولة، مثل مجالس الصحافة، ومواثيق الشرف الإعلامية، وجمعيات واتحادات الصحف، التي تضم تجمعات المباشرين والمحررين، ونقاد الصحف، والمحكمين، والجمهور وجماعات الضغط.

وهناك نوع آخر من الرقابة، يرى بعض الباحثين، أنه آخر أشكال الرقابة الحالية لوسائل الإعلام العربية، وهو الرقابة الذاتية، التي يمارسها رؤساء التحرير، والصحفيون، والكتاب، من تلقاء أنفسهم، من دون الحاجة إلى رقيب رسمي.

ويقسمها الدكتور سليمان جازع الشمري إلى قسمين، يترتب عليهما، اختلاف في تعريف معنى هذه الرقابة ومصادرها:

القسم الأول: الرقابة الذاتية السلبية، التي تخضع للظروف الخارجية، كالضغوط الحكومية المباشرة، وغير المباشرة.

القسم الثاني: الرقابة الذاتية الإيجابية، التي تخضع لصياغات، والتزام، وضمير الصحفي، أو الكاتب.

◄التحدي التكنولوجي

من أخطر التحديات، التي تواجه الصحفي الآن، ما تطرحه الثورة الراهنة، في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من مستحدثات ونتائج وآثار متوقعة، في مستقبل الصحافة كصناعة وكمهنة. وقد حذر إبراهيم نافع، رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية، في برنامجه الانتخابي كنقيب للصحفيين، في مصر عام، من أن التطور، في تكنولوجيا البث التليفزيوني المباشر، سيكون له انعكاساته على الإعلام المكتوب والمقروء والمسموع، وحدد النتائج المتوقعة لذلك، فيما يلي:

1- سيطرة الإعلام المرئي، ولغة الصورة على عيون البشر وعقولهم، وخاصة بعد انتشار القنوات الفضائية، وأجهزة الاستقبال الأرضية، والهوائيات المتطورة، وأجهزة التليفزيون الحاملة لتقنيات الاستقبال.

2- تحكم الإعلام المرئي، الذي يُبث من الفضاء، في مبدأ حرية تداول المعلومات، والصور، والبرامج مع تآكل إمكانيات الرقابة السياسية والقانونية، من الدول المستقبلة للبث المباشر.

3- تآكل القيود السياسية والقانونية والأخلاقية التقليدية، التي تحكم وسائل الإعلام، في بعض الدول، وتعوق عملها وحركتها، وحركة وحرية العاملين فيها.

4- ستؤدي حرية تدفق الصور والمعلومات، القادمة عبر الفضاء، إلى سيطرة الإعلام المرئي على الوقت المخصص لقراءة واستهلاك الصحف، من القاعدة التقليدية للقراء. ومن ثم ستتأثر المهنة، ومكانتها، وموقع العاملين بها، لصالح العاملين بالإعلام المرئي، في القنوات الفضائية العربية والأجنبية.

5- استقطاب الإعلام المرئي لقطاعات واسعة، من المعلنين، يؤدي إلى تآكل قاعدة القراءة، خاصة في الدول، التي يتزايد فيها معدلات أمية القراءة والكتابة.

ولعل من أبرز آثار الثورة الراهنة، في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، هو ظاهرة تراجع وسائل الإعلام المطبوعة، وما تزامن معها من صعود للتلفزيون، باعتباره مصدر المعلومات المفضل، لدى الجماهير، منذ أربعين عاماً، وحتى الآن. ولا يدرك معظم الناس حجم ونطاق هذه الظاهرة؛ ففي الفترة من عام 1960 وحتى عام 1995، ظل إجمالي توزيع الصحف اليومية الأمريكية مستقراً عند حوالي 59 مليون نسخة، في حين ازداد عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية من 180 مليون نسمة، إلى 260 مليون نسمة، في الفترة نفسها، وهو ما يعني انخفاض معدل القراءة، لدى الفرد، بنسبة الثلث. ويرى البعض أنه من المرجح أن تتزايد معدلات هذا التراجع، نظراً لأن نسبة قراء الصحف تقل، بنسبة الضعف، عند أولئك، الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، مقارنة بهؤلاء الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة.

وهذا التغير في أذواق الجمهور، وتعلقه بالصور المتحركة الملونة، التي يقدمها التليفزيون، فيما يعرف بالنصوص المتلفزة، أو قنوات المعلومات التليفزيونية المرئية، أو الصحف المطبوعة، المنشورة على شبكة الإنترنت، تمثل تحدياً مهنياً للصحفي المعاصر، الذي تعود على جمهور الوسيلة المطبوعة بكل سماته واحتياجاته، وعلى تقنية الكتابة، أو التصوير، أو الإخراج للمادة الصحفية، التي تنشر في صحيفة مطبوعة، الأمر الذي يعني بذل جهد في إعادة تأهيل الصحفيين الممارسين للمهنة، وإعداد صحفي المستقبل، وفقاً لأسس جديدة تتوافق مع ما يحدث في صناعة الإعلام.

◄تحدي الإرهاب والعنف

شهد عقد التسعينييات من القرن العشرين تصاعداً لأعمال العنف، والتطرف، والإرهاب، ضد أصحاب القلم والفكر من الصحفيين والكتاب، وأشارت الأرقام، التي أعلنها بعض خبراء اليونسكو، إلى أن عدد حالات الانتهاك التي تتعرض لها حرية الصحافة بلغ حوالي 1500 حالة سنوياً، كما يقدر عدد الصحفيين، الذين يلقون حتفهم سنوياً، بضعاً وستين صحفياً.

فقد كشف تقرير لروبير روزينبلات، عام 1998، أن الفترة، من عام 1986 إلى عام 1997، شهدت قتل 474 صحفياً، في 117 دولة، خلال أدائهم لعملهم، من بينهم من تم اغتيالهم سياسياً، على النحو التالي: القارة الأمريكية 120، أوروبا 128، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 95 من بينهم 60 في الجزائر وحدها، 78 في آسيا، و53 في أفريقيا. وخلال عام 1995 تقول الأرقام إنه قد سُجن 182 صحفياً في 22 دولة، قُتل منهم 46 في مناطق القتال، و24 منهم في الجزائر.

وعلى الصعيد الدولي، شهدت بعض البلدان، في أواسط التسعينيات، اختطاف، واغتيال صحفيين، وكتاب من قبل جماعات إرهابية؛ فعلى سبيل المثال وقع في شهر واحد ـ هو شهر نوفمبر 1995 ـ العديد من الحوادث الإرهابية، ففي مانيلا احتجز خمسة مسلحين المتحدث السابق باسم الرئيسة السابقة، كورازون أكينو، في العاصمة الفلبينية مانيلا، وحصلوا على 40 ألف دولار مقابل الإفراج عنه، وقال المتحدث، عقب الإفراج عنه، إنه يعتقد أن مهمة المسلحين تهدف إلى إثارة الذعر في نفسه بسبب كتاباته الجريئة بجريدة فلبين ستار.

وفي كولومبيا، اغتيل السياسي الكولومبي، الفارو جوبيز هورتادو، أمام إحدى الجامعات في بوجوتا، بعد إلقاء محاضرة. وكان هورنادو البالغ من العمر 76 عاماً، قد كتب، قبل اغتياله، مقالات في صحيفة معارضة دعا فيها الرئيس الكولومبي ارنستو سامبير إلى الاستقالة بسبب الاتهامات الموجهة إليه بتلقي دعم هائل من عصابات المخدرات، في انتخابات الرئاسة، عام 1994.

وعلى الصعيد العربي، شهد الربع الأخير من القرن العشرين تصعيداً للعنف، من قبل جماعات التطرف والإرهاب، ضد الصحفيين في العديد من الدول، وقد اهتم اتحاد الصحفيين العرب برصد هذه الانتهاكات. وذكر بيان للجنة الدائمة للحريات الصحفية بالاتحاد، في ختام اجتماعات لها، عقدت في العاصمة التونسية، يومي 7 و8 مايو 1981، أن عدد الصحفيين العرب الذين قتلوا، في العامين الماضيين (1979،1980)، يفوق عدد قتلى الصحافة في أي مكان من العالم، وأضاف البيان: "إن الصحفيين العرب يفقدون صحفياً كل شهرين". وتضاف إلى أساليب القتل، أساليب الخطف والاعتقال والإبعاد وتحديد الإقامة، والحرمان من العمل الصحفي، والحرمان من حرية الحركة على الساحة العربية. وهكذا أصبح الصحفي العربي مواطناً مطارداً محاصراً ومهدداً بالقتل، في أي لحظة. وانتهكت أجهزة القمع، حرمة المؤسسات الصحفية، وأصبحت هي الأخرى معرضة للنسف.

وخلال عامي 1979، 1980، وهي الفترة التي تناولها تقرير اللجنة الدائمة للحريات بالاتحاد العام للصحفيين العرب، تعرضت الصحافة اللبنانية، أكثر من أي صحافة عربية أخرى، لشتى عمليات النهب، والسرقة، والنسف، والتهديد، والهجوم، والقصف. وقال التقرير إن كل المؤسسات الفاعلة، والرئيسية في ساحة المهنة تعرضت لأعمال من هذا النوع، وقدمت الصحافة اللبنانية، خلال عامين فقط زهاء 40 قتيلاً، بينهم نقيب الصحفيين رياض طه.

وأورد تقرير الاتحاد أسماء بعض قتلى الصحافة العربية، الذين لقوا حتفهم على أيدي التطرف والإرهاب، ومن بينهم الصحفي العراقي، عادل وصفي، الذي اغتيل في بيروت يوم 20 يونيه 1976، والصحفي الليبي محمد مصطفى رمضان، الذي اغتيل في لندن، يوم 15 أبريل 1980، والصحفي السوري فائق محمد، الذي اغتيل في حمص 30 سبتمبر 1980، والصحفي اللبناني سليم اللوزي، الذي اختطف في بيروت يوم 24 فبراير 1980، وعثر على جثته يوم 4 مارس 1980، والصحفي السوري، صلاح الدين البيطار، الذي اغتيل في باريس، يوم 21 يوليه 1980، والصحفي السعودي ناصر السيد، الذي اختطف في بيروت يوم 17 ديسمبر 1980، والصحفي اللبناني عباس بدر الدين، الذي اختفت آثاره في ليبيا منذ 31 أغسطس 1978، وغيرهم من الصحفيين العرب، الذين تعرضوا للخطف والاغتيال، كما تم نسف مطابع جريدة الشعب، في بيروت ومطابع جريدة الرأي العام في الكويت وتعرضت مكاتب ومطابع مجلة "الكفاح العربي" في بيروت لأكثر من اعتداء.

وفي مستهل شهر مايو 1996، أصدرت لجنة حماية الصحفيين باليونسكو ـ بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة ـ قائمة بأسماء "أعداء الصحافة" في العالم، وتضمنت القائمة عشر شخصيات ممن يشكلون ـ من وجهة نظر خبراء اليونسكو ـ خطراً بالغاً على حرية الصحافة ويتحملون مسؤولية أعمال القتل والعنف، التي تعرض لها الصحفيون، خلال عام 1995. وجاء على رأس القائمة متطرف جزائري ـ هو عنتر الزوابري ـ الذي أعلن مسؤوليته عن مصرع 58 صحفياً في بلاده، خلال أعوام 93، و94، و1995، وهدد جميع الصحفيين بالقتل.