نشأت أزمة المصداقية الاتصالية Credibility Crisis، أو فجوة المصداقية الإعلامية، كرد فعل لزيادة عدد الرسائل الإعلامية، التي تبثها وسائل الأعلام العديدة، وزيادة كمية المواد الإعلامية المدمرة (سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً)، والتي تسعى إلى جذب انتباه جمهور أكثر.

وتلخصت أزمة المصداقية الاتصالية، منذ نهاية الخمسينيات، في التساؤلات التالية:

ماذا نصدق؟ وأي من الرؤى ووجهات النظر العديدة أصح ؟ وهل هذا الانتشار الهائل للمعلومات يساعد على أن نعيش حياة أفضل، ونتفاعل، بشكل أكثر إيجابية، تجاه الآخرين؟ ونهتم بشكل أفضل بالعالم حولنا، ويجعلنا ننمو، وننضج، بشكل أقل إحباطاً؟

ومما يزيد من خطورة ما سبق، إن وسائل الاتصال والإعلام قد تجعلنا نعيش، في جو من الحلم، أو الأمل، أو التوقع للأحسن، وقد لا يتحقق معظم توقعاتها، فنُصاب بثورة من الإحباط واليأس المدمر، أو تجعلنا نعيش في عالم من الوهم، والشعارات المزيفة، التي تجعلنا في حالة من التخدير النفسي والتنويم، لا نفيق منها إلاّ على حدث ضخم، اقتصادي أو سياسي يجعلنا نقرر حقيقة هي: إن ما قُدم لنا كان غير صادق، وغير حقيقي، وغير موثوق فيه.

وقد جعل هذا الانفجار الاتصالي، بعض الأشخاص الأكثر حساسية ينسحبون، ويرفضون التعامل مع وسائل الإعلام؛ فقد وجدوا إن الجهل ربما يكون نعمة، أفضل من تزييف الوعي الاجتماعي والسياسي.

وما فعله هؤلاء يعد أمراً في غاية الصعوبة على الآخرين، فمادياً نحن لا نستطيع أن نهرب من هذا الانفجار الاتصالي، بل ينبغي أن نتعلم كيف نتعايش معه، بفطنة وذكاء، وإلاّ فسوف نعاني نحن، وأولادنا، من السقوط المباشر فكرياً وحضارياً.

وترجع أهمية مصداقية وسائل الاتصال، إلى أن جماهير القراء، أو المستمعين، أو المشاهدين، عندما لا تثق فيها، وتحترمها، وتقدرها، كمؤسسة من مؤسسات المجتمع، ولا تقنع بالمعلومات التي تقدمها معتقدة أنها تحذف، أو تشوه، أو تعدل، فيها، فسوف تلجأ إلى مصادر أخرى، غير رسمية، للمعلومات، فيسألون الأصدقاء والجيران، وبعض المصادر غير الموضوعية، والأسوأ من ذلك، أنهم قد يصنعون المعلومات من مخيلتهم الخاصة، هو أمر يحدث كثيراً، في أوقات الحروب، أو الأزمات، وعندما تُفرض الرقابة على وسائل الاتصال ونشر الأخبار. وكذلك في الدول، التي تسيطر فيها الحكومات، على وسائل الاتصال وتوجه مصادر الأنباء، تتحكم فيها، فتكثر الشائعات، والهمسات، والقيل والقال، وتنشط الصحافة السرية.

أمَّا عبارة فجوة المصداقية Credibility Gap، وهي العبارة، التي ظهرت، خلال إدارة الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، وما تزال باقية، فإنها تعني الشك العام في صدق الحكومة الفيدرالية فيما تقوله للشعب، وامتد هذا الاعتقاد إلى مجالات عديدة أخرى في البلاد. ولكن كيف يمكن مواجهة ذلك ؟

يقول خبراء الإعلام والاتصال، وخبراء أجهزة العلاقات العامة، والمنفذين للحملات الإعلامية، إن الحل من السهل جداً وصفه ولكن من الصعب جداً تحقيقه. فالجمهور ينبغي أن يكون مقتنعاً بأن الحكومة تقدم له الحقيقة، ولا شيء غيرها، وينبغي أن يكون مقتنعاً، كذلك، أنه، في بعض الحالات، لا تستطيع الحكومة أن تذيع الحقيقة كلها، بسبب تأثيرها على الشؤون الخارجية.

وصلة وسائل الإعلام والاتصال بما سبق وطيدة، فهي الأداة، والوسيلة التي يمكنها أن تصنع المصداقية والثقة بين الشعب والحكومة، وقد تتسبب، كذلك، في خلق فجوة مصداقية، وأزمة ثقة بين الشعب والحكومة، ولا شيء يثير ثائرة الحكومة مثلما يثيرها فجوة المصداقية هذه، أو أزمة الثقة، وسُحُب الشك التي تغلف ما يصدر عن المسؤولين فيها.

ولا شيء يضايق أصحاب السلطة والنفوذ، مثلما يضايقهم إحساسهم بأنهم معرضون، يومياً، لاختبار حسن النية، وحسن التصرف من خلال ما تكتبه الصحف، وما تذيعه باقي وسائل الإعلام.

وقد شهدت العقود الأخيرة، زيادة في الاهتمام بقضية المصداقية، نتيجة لظاهرة انهيار الثقة في وسائل الاتصال، والتي أشير إليها وقتئذ بعبارة أزمة المصداقية Credibility Crisis، التي امتدت وتطورت، لتصبح انهياراً للثقة في كل مؤسسات المجتمع.

◄الاتصالات البديلة والإعلام المضاد

كرد فعل لأزمة المصداقية، شهد عقدا الستينيات والسبعينيات ما سمي بالاتصالات البديلة والإعلام المضاد، وهما مصطلحان يشيران إلى مجموعة متنوعة من الأوضاع، مظهرها المشترك معارضة وسائل الاتصال الرسمية والمؤسسية، ويندرج تحتها مجموعات محلية تصمم على كسر احتكار نظم الاتصالات المركزية، وأحزاب سياسية أو جماعات تهتم بأشكال متنوعة من أنشطة الاتصالات المعارضة، كما يندرج تحتها كذلك المنشقون والمعارضون للمؤسسات القائمة، والأقليات، التي تتوسع في قدراتها المتعلقة بوسائل الاتصال والمجموعات المعنية بالتجارب البيئية الجديدة. ولم تكن القوة الدافعة هي عدم وجود الاتصالات، بل الرغبة، في إعادة تقييمها، وتوسيع نطاقها، على ضوء شعور جديد بأهميتها، في المجتمع. تجسدت هذه الظاهرة، بصفة خاصة، في البلاد الصناعية، إلاّ أنها موجودة، كذلك، في بعض البلاد النامية، ولاسيما في أمريكا اللاتينية.

وفي خط مواز للاتصالات البديلة والإعلام المضاد، ازدادت شعبية الإعلام الفردي، الذي يستفيد من تطورات تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، مثل التليفزيون السلكي، ثنائي الاتجاه، والاستقبال المباشر، من الأقمار الصناعية، من خلال الهوائيات، وإذاعات الهواة، وأجهزة تسجيل الفيديو، وأشرطة واسطوانات الفيديو، وكاميرات الفيديو، والنصوص المتلفزة (الفيديو تكست، والتلي تكست)، وأجهزة التليفزيون، التي تعمل بالقطع النقدية. وتعتمد هذه الوسائل المستخدمة على فردية الاستقبال أو الاستهلاك الاتصالي، وتعمل على المزيد من تجزئة عملية الاتصال الجماهيرية Fragmentation، ولكنها، في الوقت نفسه، تفتح طرقاً جديدة للحصول على المعلومات، وللترفيه، وتتيح لمن يتلقونها فرصاً حقيقة، أو وهمية، للمشاركة في عملية الاتصال، ولكنها في الوقت نفسه تساهم في كسر وحدة القرية الإلكترونية، التي تحول إليها العالم، فيما سبق، وتجعل الأفراد يعودون، مرة أخرى، للعيش في جزر منفصلة، ويستهلكون مواداً إعلامية مختلفة عن جيرانهم وأصدقاءهم.

◄الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام

تتلخص الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام والاتصال، في دول غرب أوروبا، والولايات المتحدة، في النقاط التالي:

إنها تستخدم قوتها الضخمة لخدمة مصالح ملاكها، الذين يروجون لوجهات نظرهم، خاصة في السياسة والاقتصاد، في حين يهملون وجهات النظر المعارضة، أو يقللون من شأنها.

إنها تقاوم التغيير وتعمل على استمرار الوضع الراهن.

إنها تهتم، عموماً، في تغطيتها للأحداث الجارية، بالأمور السطحية، والمثيرة، أكثر من اهتمامها بالأمور المهمة. وتقدم الترفيه في مادة تفتقر إلى المضمون، وتعوزها القيمـة الفنية.

إنها تهدد الأخلاق العامة بالخطر.

إنها تنتهك، بلا مسوغ، حياة الأفراد الخاصة وتحط من كرامتهم، وليست الصعوبة، التي يلاقيها بعض المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة بسبب النشر، سوى وجه واحد لهذه المشكلة.

إن أفراداً، من طبقة اجتماعية واقتصادية واحدة، يسيطرون عليها، ونتيجة لذلك، يتعرض سوق المعلومات المفتوحة والحرة للخطر.

إنها ساعدت على جعل الشعب الأمريكي أمة من العاطلين لا العاملين.

إنها ترسخ عقيدة تؤمن بالنجاح العاجل، وتقود الفرد إلى الاعتقاد بأن رغباته لا يمكن أن تتحقق، وبأن الديموقراطية لا لزوم لها.

إن حضورها في مسرح الأحداث، التي تغطيها إخبارياً، يخلق مزيداً من الأخبار.

إنها غير دقيقة غالباً.

إنها أسهمت ساهمت في زيادة حجم المعاناة الاجتماعية، وزيادة ظاهرة شعور الفرد بالغربة عن المجتمع، أي "بالاغتراب"، أو أن يكون الفرد في مجتمعه أو في بيته، بجسده، ولكن قلبه وعقله، في واد آخر، مع "الحلم أو الوهم"، الذي خلقته وسائل الإعلام.

إنها أفسدت مصادرها، والمتعاملين، معها بالهدايا، والرشوة، والخدمات، التي تدفعها مقابل الحصول على المعلومات.

إنها قضت على الثقافة الرفيعة الحقيقية، "المكتوبة المطبوعة"، لتحل محلها ثقافة خفيفة سطحية هي "المسموعة المرئية"، ولا تستطيع، بسبب الضغوط الاقتصادية، وجمهورها العريض، التعمق، أو التحليل، بل تقدم المعلومة السريعة العابرة.

إنها تتصرف بغير مسؤولية، رغم الحرية الضخمة المتاحة لمعظمها.

إنها أسهمت في صنع "فجوة مصداقية"، بين الشعب: القارئ، والمشاهد، والمستمع، وبين قادة مؤسساته المختلفة، من خلال توظيف القيم الصحفية المثيرة، الاستعراضية، وغير الإيجابية، القائمة على قيم الشذوذ، والتطرف، والغرابة، مثل: "الخبر أن يعض رجل كلباً وليس كلباً يعض رجلاً"، "الأسماء تصنع الأخبار"، "فتش عن المرأة".

إنها بتدخلها، غير المبرر أحياناً، في بعض القضايا العامة، ومطاردتها لسلوك بعض الموظفين العموميين، قد تتدخل في سير الأحداث، وتعطل العمل، وتربك دولاب العمل الحكومي، أو الخاص، ويصل الأمر، في بعض الحالات، إلى أن تتحول عملية التغطية الإخبارية الاستقصائية، إلى نوع من الابتزاز الذي تمارسه وسيلة الإعلام، لحساب جهة أخرى، منافسة للجهة المستهدفة.

إنها تخضع للضغوط غير المنظورة، التي تمارسها سلطات سيادية، (مثل وكالة الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة البريطانية، والحكومة الفرنسية) لمنع نشر بعض الأخبار أو لتوجيه الأخبار وجهة معينة، أو لتوظيف الوسيلة الإعلامية ورجالها لجمع المعلومات، لحساب هذه الجهات.

إنها لم تعد، فقط، تصنع نجوم الفن والرياضة والتسلية، بل أصبحت، كذلك، تصنع نجوم السياسة، وحكام الغد، من خلال إظهارهم، في نمط معين، وتخطيط حملات إعلامية، وإعلانية للتأثير على الرأي العام، لقبولهم، مثال لذلك الرئيسان ريتشارد نيكسون ورونالد ريجان

كانت الانتقادات السابقة، هي التي وُجِّهت إلى وسائل الإعلام والاتصال، في المجتمع الأمريكي، وبعض دول غرب أوروبا، وبعض دول العالم الثالث، التي تطبق نظريتي الحرية (الليبرالية)، و"المسؤولية الاجتماعية".

أمَّا في دول المعسكر الاشتراكي، في الاتحاد السوفيتي وشرق أوروبا، وباقي دول العالم الثالث، فقد كانت الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام والاتصال كالتالي:

إنها أداة من أدوات النظام السياسي، تتوازى أهميتها، مع الاقتصاد، والجيش، وأجهزة الأمن، ولا يسمح بالعمل فيها إلاّ لمن يثبت ولاءه السياسي، وخلو سيرته الذاتية، من أي شك في اتجاهاته السياسية خلال مراحل عمره، وكذلك أفراد أسرته!!

إن معظم هذه الدول مازال يعيش مرحلة الإعلام الثوري، ولم ينتقل بعد إلى مرحلة الإعلام التنموي.

إنها في تغطيتها الإخبارية تركز على الأخبار الإيجابية المؤيدة، والأخبار الروتينية، التي لا تعكس سوى توجهات النظام السياسي، بينما تخفي أي سلبيات، أو معوقات، أو انحرافات.

إنها مازالت تحجب الكثير من الأخبار، والوقائع اليومية، التي تحدث، داخل بلادها، وفي دول العالم المختلفة، متناسية أن المواطن يستطيع الحصول عليها، من مصادر أخرى، خاصة من الإذاعات العالمية والمحلية المجاورة.

تجاهل حق الجماعات المعارضة، أو المختلفة مع الأنظمة الحاكمة، في الرد والتعليق والتصحيح، وإبراز وجهات نظرها.

إنها تتسم بالتجهم، والعبوس، والخطابية، والمبالغة في الترغيب والترهيب، أو الجدية الزائدة عن الحد، وإن كان هذا لا يمنع من أن مضمون وسائل الاتصال والإعلام، فيها، أكثر عمقاً وجدية من المعسكر الغربي، وأكثر اهتماماً بنقل التراث الاجتماعي، من جيل إلى جيل، من خلال رؤية محددة.

ولعل ما كانت تعاني منه وسائل الإعلام والاتصال، في العالم الثالث، ودول المعسكر الاشتراكي هو الذي دعا عدداً كبيراً من الأنظمة، في هذه الدول، إلى إعادة النظر، في أنظمتها الاتصالية، بعد إعادة النظر، في أنظمتها السياسية، ولعل التوجهات الإعلامية، الحالية في بعض دول العالم الثالث، تؤكد ذلك.

وعندما زاد الاهتمام بقضية مصداقية وسائل الاتصال الجماهيرية خلال الستينيات، بدأ الحرص على تقديم رؤية للمصداقية متعددة الأبعاد وأكثر اكتمالاً وشمولاً.

فقد حددت البحوث عدة أبعاد فاعلة، ومكونات للمصداقية، هي:

1- الإحساس بالأمان

2- الخبـرة

3- الحيويـة

4- المعرفيـة

5- الدقــــة

6- الإنصاف

7- الاكتمال

كما ميزت هذه البحوث، بين وسائل الاتصال، والأشخاص، كمصادر اتصالية، كما اهتمت بالدرجة، التي يختلف الناس حولها، فيما يتعلق بالمعايير المختلفة لأداء وسائل الاتصال، والتصورات العديدة حول المصداقية، التي لابد أن تختلف باختلاف وسائل الاتصال، وتنوع وظائفها.

وقد خلصت هذه البحوث إلى أن المصداقية هي مفهوم متعدد الأبعاد وقد تتنوع من دراسة لأخرى. حيث حدد كل من ماككومبس وواشنجطون ثلاث مجالات أساسية للبحث في مصداقية وسائل الإعلام وهي:

1- الثقة في وسائل الاتصال.

2- الأمانة والمعايير الأخلاقية.

3- التصورات عن اتجاهات الجمهور، نحو الوسائل، فيما يتعلق بكل من:

أ. القابلية للتصديق.

ب. الدقـة.

ج. الإنصاف والتحيز.

ثم جاءت مراجعة Whitney لكي تضيف إلى هذه المجالات الثلاثة مجالاً رابعاً هـو: سمات أداء الوسيلة (الصحيفة مثلاً) التي تتصل بالتحيز، أو القابلية للتصديق مثل: اختراق الخصوصية، وحجب وجهة النظر الأخرى، وعلاقة الوسيلة الاتصالية بالحكومة، والموازنة، على سبيل المثال، بين الحريات التي أعطاها التعديل الأول للدستور الأمريكي، وبين أهداف وحقوق جماهيرية أخرى، وارتبط بالنقطة السابقة عدة قضايا فرعية في مقدمتها:

حجم قطاع الجمهور الأكثر انتقاداً لوسائل الاتصال.

العلاقـة بين تقييم وسائل الاتصال، أو الحكم عليها، وبين كيفية استخدام الجمهور لها.

فقد افترض كل من جرينبرج، ورولوف، أن الجمهور يشاهد التليفزيون، على أساس أن مهمته الترفيه، بينما يقرأ الجرائد، على أساس أن مهمتها هي الأخبار، بينما تفترض نظرية ستيفنسون أن التسلية هي سبب أولي لقراءة الجريدة، في حين افترض آخرون، أن قراء الجريدة هم أقل طواعية لقراءة الأخبار الجادة الطويلة.

والبعض يرى إن مفهوم المصداقية أكثر اتساعاً، في القضايا التي يعالجها، من مفهوم القابلية للتصديق Believability، بحيث يشمل:

الثقة في وسائل الاتصال.

التصورات حول التحيزات السياسية وغيرها.

التصورات حول كيفية تغطية وسائل الاتصال للمجموعات المتنوعة في المجتمع.

المواقف تجاه قضايا التقييم الإخباري.

تقييم الوظيفة التي تؤديها الجرائد ووسائل الاتصال الأخرى.

المواقف تجاه حرية الصحافة.

◄مصداقية الصحافة

المصداقية تعني ببساطة المؤشرات التي تحدد صدق المضمون الصحفي من كذبه، ويعتبرها البعض البديل العملي للمسؤولية الصحفية (اُنظر ملحق مسؤولية الصحافة).

ويتوسع البعض، مثل محمد ماهاتير، في مفهوم مصداقية الصحافة، فيحدد له الأبعاد الثلاثة التالية:

أولاً: مصداقية القائم بالاتصال ( المحرر أو المذيع أو المخرج التليفزيونى مثلاً)، وتشمل:

1- عدم التسرع في نشر الحقيقة.

2- العمل لصالح الحقيقة، وليس لصالح الحكومة أو الجريدة.

3- نشر الحقائق بطريقة مباشرة، وليس بالإشارة أو التلميح.

4- مراعاة العرف والتقاليد في نشر الحقائق.

5- عدم المساس بالحياة الشخصية للآخرين، أو نشر الفضائح.

6- البعد عن الأخبار الكاذبة، والقصص الملفقة، حتى لو كانت موافقة لأغراض رئيس التحرير، وسياسات الدولـة.

ثانياً: مصداقية المضمون وتشمل:

1- وضوح الرسالة حتى في أوقات الخطر.

2- اليسر والسهولة، في تناول الحقائق.

3- نشر الحقائق، بكل أبعادها السلبية.

4- الدقة في تناول الخبر.

ثالثاً: مصداقية الوسيلة وتشمل العناصر التاليـة:

1- اعتماد الصحيفة على كتاب موثوق فيهم.

2- تعبير الصحيفة عن هموم واحتياجات الشعب.

وفي دراسة ميدانية عام 1996 يحدد الممارسون، في الصحافة المصرية، المفاهيم المتعددة التي تكون معنى مصداقية الصحافة، ومن أهمها:

1- إن مصداقية الصحافة تعني أمرين:

الأول: مصداقيتها بالنسبة إلى القارىء، والثاني مصداقيتها بالنسبة إلى صانع القرار عموماً، حيث تعني الجوانب التالية:

مدى دقة المعلومات وصحتها، التي تنشرها الجريدة، ومدى موضوعية صاحب الرأي فيها؛ لأن الخبر معياره الدقة، والرأي معياره موضوعية الكاتب، أو صاحب القلم.

مدى شمولية التغطية الصحفية، في عرض وتقديم مختلف جوانب الحقيقة، بمعنى أنه من الممكن أن تقتصر بعض الصحف، في تغطيتها للأخبار، على ما يجري في بلاد أخرى، وتسكت عما يجري في بلادها.

والثاني: مصداقيتها، بالنسبة إلى صانع القرار، أو مصدر الأخبار، حيث تعني القدرة على معرفة ما يجري بالنسبة إلى الشعب أو الجمهور أو المستهلك. أي، إلى أي مدى يستفيد صانع القرار من انعكاسات ما يجري في الصحف في إصدار قراره ؟ وهل يأخذ ما رآه ويضعه، موضع الاعتبار، أم يعده مجرد شوشرة ونقد مغلوط ؟ ففي كثير من الدول يستخدم صانع القرار ما تنشره الصحف في قياس اتجاهات الجماهير أو الرأي العام في قضايا أو مصالح أو أشخاص أو مشروعات بهدف اتخاذ القرار السليم أو الموقف الصحيح.

2. إن مصداقية الصحافة تعني

التوازن في عرض الرأي والرأي الآخر، أثناء التغطية الصحفية الشاملة.

الدقة في مراجعة المادة الصحفية، قبل نشرها، بحيث تصبح الدقة من السمات الواضحة للصحيفة.

وضوح الأفكار والاتجاهات، في الموضوعات، والقضايا، والأشخاص، والأحداث.

إسناد الكلام لمصدره، مع الثقة في هذا المصدر.

محاولة التجرد، من العمل، لصالح جهة بعينها، وعدم تبني وجهة نظر تلك الجهة، وعدم اغفال أو تجاهل وجهات النظر الأخرى.

عدم إخفاء أو حجب أي معلومة عن القارئ.

الأمانة والعدل، في نقل الأخبار للناس.

تعدد المصادر.

مراعاة الصحفي لضميره.

تقديم الحقيقة وتأكيدها من خلال إظهار الباطل.

ثقة القارئ في صدق ما تقوله الصحافة، ولا يتأتى ذلك إلاّ بالحرية؛ لأنه من الصعب أن يثق القارئ في صحافة غير حرة، حتى لو كانت صحافة بلاده.

ويضيِّق بعض الباحثين، ومنهم، عزة عبدالعزيز عبداللاه، مفهوم المصداقية بحيث يقصره على مصداقية المادة الصحفية فقط، على النحو التالي:

"مصداقية الصحافة هي نوع من المعالجة المهنية والثقافية والأخلاقية للمادة الصحفية، بحيث يتوافر فيها كل أبعاد الموضوع، والاتجاهات المطروحة حوله، بطريقة متوازنة تستند على شواهد وأدلة، ودقة، في عرض الموضوعات، وفصلها عن الآراء الشخصية، التي ينبغي أن تعلن بوضوح وصراحة، وتتجرد من الأهواء والمصالح الخاصة، بحيث تتسق مع الآراء الأخرى، التي تطرحها الصحيفة، أو يطرحها الكاتب، في وقت آخر، أو موضع آخر، وذلك في إطار من التعمق والشمولية، يراعي علاقة الخاص بالعام، وربط الجزء بالكل، شرط أن تعكس هذه المادة الصحفية أولويات الاهتمام عند الجمهور".

◄كيف نقيس المصداقية؟

ثمة أربعة مقاييس لدراسة المصداقية في الإعلام، بصفة عامة، وهي:

1-المقياس اللغوي

بمعنى أن وضوح اللغة، في التعبير، يعد عاملاً حاسماً في صدق الرسالة الإعلامية، بينما يؤكد غموض اللغة في الرسالة الإعلامية في معظم الأحيان، عدم المصداقيـة.

2. المقياس الأيديولوجي

بحيث لا تحجب النظرة الأحادية بقية الأبعاد، فتصبح الواقعة، أو القضية، أو الظاهرة غير واضحة، بسبب غيبة بقية الأبعاد، التي تجلي الواقعة، أو القضية، أو الظاهرة، وتزيدها وضوحاً ومصداقية.

3. مقياس عدم المعرفة، أو جزئية المعرفة

ويرتبط هذا المقياس بجهل القائم بالاتصال، أو عدم معرفته للموضوع، الذي يكتب عنه، حتى ولو كان خبراً صغيراً.

4. مقياس التزوير

وهو يمثل جانب الجريمة المباشرة، في المنطلقات الأساسية، لدراسة المصداقية في إعلام أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي نوع من الإعلام.