في عام 1751م تأسست في بيروت أول مطبعة بواسطة الشيخ يونس نقولا الجبيلي وهي مطبعة القديس جاورجيوس التي توقفت بوفاة الشيخ يونس عام 1834م.

وبعد أن تأسست المطبعة الأميركيّة في جزيرة مالطا عام 1822م بواسطة المبشرين الأميركيين، نقلوا جزءاً منها إلى بيروت في شباط عام 1834م، وباشرت نشاطها الطباعي في طباعة وتوزيع منشوراتها في بيروت ومختلف أنحاء المشرق العربي، خاصة بعد توقف مطبعة القديس جاورجيوس في السنة المشار إليها. وقد طبعت الكتاب المقدّس باللغات العربيّة والتركيّة والأرمنيّة والعبريّة واليونانيّة والكرديّة والإسبانيّة، كما طبعت العديد من الكتب والمجلات والصحف باللغة العربيّة. ومن الأهميّة القول، أنه مع بدء نشاط المطبعة الأميركيّة في بيروت إنطلق (الحرف المشكول) الذي بات يعرف باسم (الحرف الأميركاني). وأول ما صدر عن هذه المطبعة بعض الكتب العامة للمطالعة والتعليم ومبادئ النحو والصرف للشيخ ناصيف اليازجي. وكان لهذه المطبعة دور هام وأساسي في تلبية حاجة مدارس الإرساليّة الأميركيّة في مختلف المناطق اللبنانيّة. ولا شك بأن تصفية المطبعة الأميركيّة عام 1966م يعتبر حدثاً سلبيّاً على الطباعة، وكانت قد طبعت منذ تأسيسها عام 1834م في بيروت حتى عام 1964م (2960) كتاباً في مختلف الموضوعات واللغات. هذا وقد إنتقلت إدارتها من المرسلين الأميركيين إلى السنودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، وجرى تسجيلها باسم (المطبعة الإنجيليّة الوطنيّة) في بيروت وتسلم إداراتها رزق الله حلبي.

وفي عام 1848م تأسست المطبعة الكاثوليكيّة، وكانت أول مطبعة حجريّة صغيرة من نوع (الأوتوغراف) غير أن الرهبان اليسوعيين شعروا أن هذه المطبعة لا تلبي إحتياجاتهم وتطلعاتهم بسبب إمكانياتها المتواضعة. وصودف مرور الكونت دي تريمون قي بيروت عام 1853م فعلم من رئيس الإرساليّة المشكلة، مما دعا الكونت للتبرع بستة آلاف فرنك فرنسي لشراء مطبعة متكاملة المعدات والإمكانيات. لهذا قامت المطبعة الجديدة (الكاثوليكيّة) عام 1854م بطبع ألفي نسخة من كتاب (الإقتداء بالمسيح) الذي وزع مجاناً على الناس، ثم جلبت المطبعة حروفاً لاتينيّة لطبع النصوص الفرنسيّة. وفي الوقت ذاته وإنطلاقاً من مفهوم التنافس التبشيري في بيروت وجبل لبنان، فقد تلقى الكاثوليك مطبعة أخرى هدية من اللجنة الفرنسيّة لمدارس الشرق.

ولا بد من الإشارة إلى أول مطبعة أسسها فرد من بيروت لطباعة صحيفة، هي المطبعة السوريّة لصاحبها خليل الخوري، وذلك لطبع صحيفته (حديقة الأخبار) عام 1858م. وفي السنة ذاتها أسس إبراهيم نجّار (المطبعة الشرقيّة) عام 1858م، كما أسس يُوسُف الشفلون المطبعة العموميّة عام 1861م، وكان لمتصرف جبل لبنان داوود باشا الفضل في تأسيس مطبعة رسميّة تابعة للمتصرفيّة في بيت الدين. وتوالى إنشاء المطابع في بيروت والمناطق اللبنانيّة، غير أن إفتتاح قناة السويس في مصر عام 1869م أدى إلى تخوف السلطات العُثمانيّة من تسرب المطبوعات المُعادية لها، من هنا أصيبت الطباعة في بيروت والجبل بشيء من الجمود، فانتقل بعض المطابع إلى الإسكندريّة والقاهرة وبور سعيد حيث كانت مصر قد خضعت للإحتلال البريطاني منذ عام 1882م.

ومن المطابع العامة التي شهدتها بيروت مطبعة (جمعيّة الفنون) التي إستوردها الشيخ عبد القادر القبّاني خصيصاً من لندن لطبع صحيفته (ثمرات الفنون) التي أسسها في بيروت عام 1874م. وفي عام 1876م أنشأ خليل سركيس المطبعة الأدبيّة التي كان لها الفضل من صنع الحرف الإسلامبولي، وزودت هذه المطبعة بطابعتين تدار بالبخار، وقد طبعت هذه المطبعة صحيفة (لسان الحال) منذ تأسيسها في بيروت في عام 1877م. وبفضل إبراهيم اليازجي وسواه. وبفضل مسابك مطابع لسان الحال والمطبعة الكاثوليكيّة والمطبعة الأميركيّة في بيروت، لم تعد المطابع بحاجة إلى إستيراد الحروف العربيّة من الخارج، لأنها باتت تحضر بأيدٍ لبنانيّة من أمثال إبراهيم اليازجي.

وفي عام 1885م أسس محمد رشيد الدّنا مطبعة في بيروت التي إشترى معداتها من المطبعة الكاثوليكيّة بعد أن عملت هذه المطبعة على تحديث معداتها وآلياتها. وفي عام 1886م أصدر صحيفة (بيروت). وفي العام ذاته قررت الحكومة العُثمانيّة إنشاء مطبعة في بيروت لإصدار منشوراتها وتعاميمها الرسميّة، وهي التي قامت بطبع صحيفة (بيروت الرسميّة) الصادرة عن ولاية بيروت في عهد الوالي علي باشا عام 1888م.

لقد أشارت الإحصائيات إلى أنه في عام 1902م بلغ عدد مطابع بيروت (16) مطبعة، عدا المطابع الثانوية التي تخصصت في طبع الأوراق التجاريّة. ويعتبر العدد كبيراً قياساً إلى عدد سكان بيروت في تلك الفترة. ومن بين تلك المطابع:

·  مطبعة النفائس لصاحبها سهيل خوري.

·  مطبعة الثبات ليُوسُف غنّام ثابت.

·  مطبعة الوطن لوديع عقل.

·  المطبعة الأهليّة التي تحولت إلى مطبعة طبارة لصاحبها الشهيد أحمد طبارة. وكانت الأكثر بروزاً لتزويدها المدارس الإسلاميّة بالكتب والدفاتر والقرطاسيّة.

·  مطبعة ثمرات الفنون عام 1874م لصاحبها الشيخ عبد القادر القبّاني من أهم المطابع البيروتيّة، فقد كانت تطبع صحيفة ثمرات الفنون والعديد من الأعمال الصحفيّة والعلميّة.

·  مطبعة السلام لوديع حنا.

·  المطبعة التجاريّة.

والحقيقة فإن ثورة عام 1908م والإنقلاب العُثماني عام 1909م في إسطمبول والتحولات السياسيّة في الدولة العُثمانيّة قد أدت إلى زيادة عدد الصحف والمجلات والمنشورات، فسجل بين أعوام 1908-1912م صدور تسع وأربعين صحيفة، وست وعشرين مجلة في بيروت، وأكثر من أربع وأربعين صحيفة في مختلف المناطق اللبنانيّة، الأمر الذي إستتبع تأسيس مطابع جديدة، غير أن سياسة جمعيّة الإتحاد والترقي سرعان ما إنكشفت في صبغ الدولة بصبغة طورانيّة، مما أدى إلى تعطيل العديد من الصجف في بيروت ولبنان والمناطق العربيّة الأخرى، وبالتالي إقفال عدد من المطابع منها مطبعة بيروت التي أقفلت عام 1909م، والمطبعة السوريّة التي تعطلت عام 1911م.

ومن الأهميّة بمكان القول، أن نشوب الحرب العالميّة الأولى 1914-1918م قد أثر مباشرة على حركة الصحافة وحركة الطباعة معاً، حيث أقفل المزيد من الصحف والمطابع. وبعد إنتهاء الحرب ودخول الفرنسيين إلى لبنان نشطت من جديد الحركة الصحفيّة والطباعيّة، وقد سبق الإشارة إلى بعض الصحف الصادرة بين أعوام 1918-1943م. ومنذ بداية عهد الإنتداب الفرنسي إستورد عام 1920م مختار أحمد طبارة أحدث آلات الطباعة، فبدأ بتنفيذ الأعمال الصحفيّة والعلميّة بشكل متطور ولائق، ثم أوكل المهمة إلى شقيقيه وجيه ومنير طبارة. كما قامت المطبعة الأميركيّة والمطبعة الكاثوليكيّة في بيروت بأهم الأعمال العلميّة والأدبيّة وجددتا معداتهما وآلاتهما بعد عام 1918م، وكانت المطبعة الأميركيّة التي تأسست عام 1822م، قد إحتفلت في بيروت عام 1922م بذكرى مرور مائة سنة على تأسيسها في مالطا.

ومن المطابع البارزة في بيروت مطبعة (صادر) التي إهتمت بطبع الجريدة الرسميّة وإصدار المطبوعات والمنشورات القانونيّة والحقوقيّة فضلاً عن طباعتها لصحيفة (الديار) . كما أن مطبعة عيتاني من المطابع الهامة في بيروت، وهي من المطابع الأولى التي إستخدمت (الأوفست) وقد باعت إحداها عام 1932م إلى المطبعة الكاثوليكيّة. كما حرص المندوب السامي الفرنسي على إهداء الآباء الكبوشيين آلات متطورة لتطوير مطبعتهم التي صدرت عنها صحيفتان باللغة الفرنسيّة هما (لوريان) و(لاسيري). وبرزت منذ فترة مبكرة مطبعة (دار الأحد) لأصحابها آل البحيري التي تميزت طباعتها بمستوى راقٍ ورفيع.

ولا بد من الإشارة إلى أن محمد كامل البحيري سبق له عام 1893م أن أسس في طرابلس مطبعة (البلاغ) وعُرفت المطبعة باسم (مطبعة طرابلس) أيضاً، وبواسطتها طبع صحيفة (طرابلس الشام) التي تحولت إلى مطبعة (الأحد) بواسطة السيدين غالب وكامل البحيري. وبرزت في العهد الفرنسي مطبعة المندوب السامي الفرنسي التي كانت تتولى طبع ونشر مطبوعات جيش الشرق ومطبوعات المفوضيّة الفرنسيّة، وإصدار خرائط سوريا ولبنان. كما برزت منذ عام 1912م مطبعة جمعيّة الروم الأرثوذكس التي تحولت ملكيتها فيما بعد إلى مطرانية الروم الأرثوذكس في بيروت. وإستطاع عمر منيمنة نقل مطبعته (المطبعة الوطنيّة) عام 1912م من دمشق إلى بيروت. وفي عام 1930م أنجزت المطبعة الأميركيّة طباعة معجم (البستان) لعبد الله البستاني الذي يقع في جزأين من (2848) صفحة، ثم مختصر (فاكهة البستان) المؤلف من (1684) صفحة. ثم برزت مطابع الكليّة الإسلاميّة، والدبور، والمعرض الأسبوعي، والتلغراف، والأحرار، والنداء، أما مطابع النهار عام 1933م فقد كانت تطبع بواسطة مطبعة عمر منيمنة التي نقلها من دمشق إلى بيروت. وكانت طباعتها في البداية في شارع المارسلياز، ثم في سوق أياس حتى عام 1945م.

ومن المطابع البارزة حتى عام 1943م، مطبعة بيروت، ومطبعة المقاصد عام 1936م، ومطبعة اليوم، ومطبعة العمل الكتائبيّة، ومطبعة الصياد، وسواها. ومما يلاحظ أن الحرب العالميّة الثانيّة أعطت دفعاً للمطابع اللبنانيّة نتيجة توقف إستيراد الكتب من الخارج، فطبع في لبنان في هذه الفترة حوالي مليون نسخة من الكتب متنوعة الإختصاصات وزعت في لبنان والبلاد العربيّة.

وفي الفترة الممتدة بين أعوام 1943-1975م إستمرت العديد من المطابع القديمة بعد أن تمّ تحديثها وتطويرها منها مطابع الحياة، والسياسة، والديار، وبيروت المساء، وكل شيء، والأنوار، والأنباء التقدميّة، غير أن المطبعة الأميركيّة والمطبعة الكاثوليكيّة كانتا من أهم المطابع حتى الخمسينات نظراً للنوعيّة الجيدة والكميّة الوفيرة التي كانت تصدر عنهما. كم برزت مطبعة صادر بشكل بارز لأنها باتت تصدر الجريدة الرسميّة منذ بداية عهد الإستقلال، فضلاً عن منشوراتها القانونيّة والحقوقيّة. ولا يمكن إلا أن ننوه بنشاط مطابع الكشّاف البيروتيّة وبصاحبها مصطفى فتح الله نظراً لدورها الريادي في نشر المصنفات العلميّة والثقافيّة والأدبيّة، ودورها أيضاً في تأسيس (نقابة إتحاد أصحاب المطابع في لبنان) عام 1944م، وقد باتت تعرف عام 1948م باسم (نقابة عمال المطابع والمجلّدين).

وفي إطار تطوير فن الطباعة والصحافة معاً، فإن مبادرات سعيد فريحة لتطوير مؤسسته الصحافيّة المكّونة من: الأنوار، الصيّاد، الشبكة وسواها من مجلات هي مبادرات جديرة بالذكر. فقد حرص منذ عام 1954م على إستحضار أدوات مطبعيّة متطورة من أوروبا كان لها دور بارز في الميدانين الطباعي والصحافي. كما قامت مؤسسة النهار بإستحضار آلات التصوير الطباعي المتطور منذ السبعينات، ثم حذت حذوها مطبعة الديك (شركة الطبع والنشر اللبنانيّة). أما مطابع صحيفة اللواء فإنها بدورها قامت بحركة طباعيّة وتحديث فني منذ أن إنتقلت مكاتبها من رأس النبع إلى شارع الإستقلال بعد حرب السنتين 1975-1976م. أما صحيفة السفير فإنها وثبت وثبة لافتة في الطباعة والصحافة معاً منذ نشوئها عام 1974م حتى اليوم. وما تزال حتى اليوم من المطابع المميّزة في بيروت مطبعة (شمالي أند شمالي) ومطبعة نحّال، ولا يمكن أن نغفل إرتباط الطباعة بفن التجليد الذي عرفته بيروت منذ العهد العُثماني في مطابعها الشهيرة، وخير دليل المصادر التي تقع بين أيدينا محافظة على مستواها ونوع تجليدها. وما يزال فن التجليد في بيروت ولبنان حتى اليوم من أهم المهن في المنطقة العربيّة ومن أفضلها مستوى ونوعيّة، ومن المصانع الهامة في فن التجليد في بيروت معامل: البساط، بعينو، حمصي، فواز وسواها.

لهذا كله لا غرابة أن يتخذ (إتحاد الطباعيين العرب) قراراً بأن تكون بيروت مقراً لكلية الطباعة، والتي ستكون الكليّة الوحيدة في العالم العربي، وستقوم بتخريج إختصاصيين وتقنيين في مجال الطباعة.