إنعكست مرحلة الحرب الأهلية في لبنان سلباً على الصحافة، فعاشت مرحلة غربة وتفكك وهجرة. وتمتد هذه المرحلة من العام 1975 حتى العام 1990.

أما أبرز مظاهر هذه المرحلة، فهي:

أولاً: توقف عدد من الصحف عن الصدور بسبب الحرب من ناحية، وغلاء المعيشة من ناحية ثانية.

ثانياً: منافسة صحف أخرى غير لبنانية في الأسواق العربية، وضيق السوق المحلية وتجزأتها.

ثالثاً: إرتفاع نسبة عدد النشرات غير الشرعية التي تصدر في لبنان، والتي تجاوزعددها المئة، ثم توقف أكبر نسبة من الصحف الشرعية عن الصدور.

رابعاً: هجرة عدد من الصحف والصحافيين الى أوروبا وبعض البلدان العربية.

خامساً: منافسة الوسائل الإعلامية السمعية البصرية للصحافة المكتوبة، وبالأخص على السوق الإعلانية.

سادساً: إرتفاع نسبة تكاليف الصحيفة، خاصةً مع الأخذ بالأساليب التقنية الجديدة.

◄بعض الشوائب القانونية التي من شأنها أن تؤثر سلباً على حرية الصحافة

موضوع علاقة الإعلام والصحافة بالدولة ليس جديداً، وقد إتسم منذ الإستقلال الى اليوم بالإزدواجية؛ ففي الوقت الذي جرت الإشادة بحرية التعبير في لبنان، لم تتردد الدولة في الدخول في صراع النفوذ مع الإعلام. وقد كان لكل عهد صدام مع أهل الصحافة إرتدى شتى الأوجه: من الرقابة الرسمية المسبقة الى إطلاق فكرة الرقابة الذاتية الى الملاحقة القضائية الى تعليق الصحف وزجّ عدد من كبار الصحافيين في السجون.

لكن العلاقة بين الدولة والإعلام لم ترتدِ يوماً وجهاً تصادقياً لأنها في مجملها علاقة نافذة، حاذقة مبهمة، تضع الصحافة تارةً في موضع المعارضة والدرع الأول للحريات العامة، أي في موقع السلطة الرابعة، وطوراً في موقع الحلف والشريك القسري للحكم. وهذا بطبيعة عملها، إن من ناحية الإعلانات التي غالباً ما يكون للمسؤولين الرسميين يد فيها مباشرة أو غير مباشرة عبر الشركات الإعلانية الكبرى، وقد يستعملون ذلك كأداة ضبط على الجريدة المعتوب عليها، أو من ناحية الأخبار والمواد الصحفية، حيث أن أهل الحكم يشكّلون مصدراً إخبارياً أساسياً بل أولوياً، مما يفتح الباب للمقايضة بين الصحافي والسياسي.

يمكننا القول هنا، أن علاقة الإعلام اللبناني بالدولة مزيج من الحرية التامة المقدسة حسب العبارة المألوفة، والتدجين القانوني والسياسي والإعلاني، قبل أن يصبح اليوم أيضاً الحرية التامة، لأن حرية الصحافة حرية سياسية.. وبالتالي فهي رهن بطبيعة النظام السياسي البرلماني، الذي يجيز حرية التعبير والنقد والمعارضة.

بيد أن ممارسة تلك الحرية أدى الى أزمات متتالية بين أهل الحكم وأهل الصحافة، وصلت الى حد إعتقال مديري الصحف من أجل مقال كُتب أو موقف إتُخذ لا يصبّ في خانة الحكام، فترائ لهؤلاء أنهم أمام دولة الصحافة، بينما هم يطمحون الى جعلها صحافة الدولة.

ومما أكّد ذلك، الإنطباع لدى أولياء العهود المتتالية، حرية التمويل التي اقترنت بحرية الصحافة، فتحوّلت الصحف اللبنانية الى منابر تصارعت من خلالها في المساحة المحلية، التيارات والايديولوجيات المختلفة التي اجتاحت العالم العربي.

وقد صدر المرسوم الإشتراعي رقم 104 في تاريخ 30/6/1977، ليرسي القواعد الأساسية التي ترعى "جرائم المطبوعات والرقابة عليها". وقد نصّ على فرض رقابة مشددة على مداخيل الصحف على اختلافها.

فهاجس تمويل الصحف والمجلات قديم، وقد كان في صميم التواتر الدوري بين الإعلام والدولة. أما اليوم وقد دخلت الدولة على خط تملّك الصحف والتمويل المباشر لوسائل الإعلام على اختلافها، تحوّلت "اللعبة التنافسية بين الصحف"، إذ تحوّلت الدولة، وهي المرجعية الرقابية العليا وسلطة الوصاية الأولى نظرياً الى منافس.

وترتدي عملية لجم الحرية الإعلامية وجهاً آخر يُلخّص بمبدأ "الحرية المسؤولة"، وهو مبدأ لطالما إستحوذ على عطف المسؤولين اللبنانيين. وقد نص عليه المرسوم الإشتراعي رقم 104 لسنة 1977، كما رفعه وزير الإعلام السابق ميشال سماحة شعاراً له عند إطلاقه فكرة "ميثاق الشرف" بين وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

وهذا الشعار قد يكون المرادف لفكرة الرقابة الذاتية، التي دخلت في أداء الصحافة المكتوبة ضمن العادات المكتسبة من أجل تلافي الرقابة المسبقة من قبل الدولة.