ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى إستأنفت أمهات الصحف القديمة كَ "البشير" و"لسان الحال" و"الأحوال" و"الأخاء" و"الإقبال" و"الرأي العام" و"ابابيل" صدورها في بيروت. ثم مرّ لبنان بنقطة تحوّل رئيسية من تاريخه السياسي، إذ سرعان ما احتله الفرنسيون بصفة منتدبين. وكانت البلاد ما تزال تنفض عنها غبار الحرب التي عانى منها اللبنانيون الأمرّين، فاستبشر الكثيرون بزوال الحكم العثماني، لكن ما لبث أن تبين أن البلاد خرجت من إحتلال أجنبي لتقع في إحتلال أجنبي آخر، لا سيما وأن الإحتلال الفرنسي كان يرتدي بادئ ذي بدء طابعاً عسكرياً صرفاً، نظراً لإنشغال "جيش الشرق" الفرنسي في قتاله مع قوات "فيصل الأول" في سوريا، وإخضاع المناطق الثائرة في أنحاء مختلفة من سوريا ولبنان.

وقد لقيت الصحافة اللبنانية في عهد الإنتداب معاملة جائرة، إذ ظل قانون المطبوعات العثماني سائداً زمن الفرنسيين حتى بعد مضي خمس سنوات على دخولهم لبنان. وكان هذا القانون يُطبّق على الصحف ويحدّ كثيراً من حريتها، ويفرض عليها قيوداً تعسفية شديدة، إستعملها الفرنسيون لصالحهم. وقد قامت سلطات الإنتداب بتزويد قلم المطبوعات بالأموال لدفع الرشاوى لأصحاب الصحف. فكثُر حملة المباخر، بينما عانت الصحف الوطنية التي رفضت قبول المعونة وظلت مناوئة للفرنسيين الأمرّين، نظراً لما لاقته من تعطيل وأحكام جائرة كانت تفضي في أغلب الأحيان الى سجن صاحب الصحيفة.

وفي العام 1924 وضع الفرنسيون قانوناً جديداً للصحافة مؤلفاً من 66 مادة بدلاً من القانون العثماني، ولكنه لم يختلف عنه من حيث صرامة السلطات في معاملة الصحافة وتقييد حريتها متى يحلو لها ذلك، وأبطل القانون الجديد تحديد سنوات الممارسة للذين يودّون ممارسة الصحافة. وكان القانون العثماني يفرض الشهادة التعليمية لسبع سنوات، فجاء القانون الفرنسي بأنه يحق لكل من وقّع إسمه ممارسة الصحافة.

وبعد مرور سنة على صدور هذا القانون الفرنسي، ثارت الصحف اللبنانية عليه وهاجمته بعنف. فأطلق الحاكم الفرنسي كلمته المشهورة "الكلاب تنبح والقافلة تمشي". فقامت قيامة الصحف اللبنانية عليه، مما اضطّره الى تعديل القانون وإضافة مادة التعطيل الإداري بقرار عُرف (برقم 280 الصادر عام 1925).

وهكذا خرجت الصحافة من قانون سيء لتقع فيما هو أسوأ. وقد قاست الصحف الوطنية بسبب هذا القانون كثيراً من الإضطهاد والحبس والتعطيل. وظل هذا القانون سائداً حتى بعد عهد الإستقلال بقليل. أما من الناحية الصحافية فقد سجّلت الصحف اللبنانية تقدماً لا بأس به.

وقد ارتقى أسلوب الصحافيين واتجهت عناية أصحاب الصحف الى معالجة أوضاع البلاد والمطالبة بالإصلاح، فكانت بعض الصحف لا تتورع عن الإنتقاد العنيف. ولكن إهتمام الصحافيين في ذلك العهد ظلّ منصباً على المقالات الإفتتاحية التي كانوا يعنون بها عناية قصوى من حيث تصدّرها في الصفحة الأولى وطولها، بينما كانت الناحية الإخبارية شبه مهملة. وقد برز في عهد الإنتداب عدد قليل من الصحف القوية التي كانت بمثابة مدرسة لتخريج الصحافيين اللامعين، ومن أبرزها:

 "الأحرار" في عهد "جبران تويني"، ثم "النهار" و"العهد الجديد" و"النداء" و"بيروت". لكن إنتشار الصحف ظل ضعيفاً بسبب قلة عدد القراء، وكانت الصحيفة التي يصل عدد توزيعها الى ستة آلاف نسخة تُعتبر من أهم الصحف. والملفت، هو إرتفاع عدد العاملين فيها، وبروز أبواب جديدة منها برامج الإذاعة والسينما والملاهي.

وفي نهاية هذه المرحلة، أي منذ العام 1937 بدأت الصحافة تعدّ اللبنانيين الى الإستقلال، وتسهّل عملية التقارب الإسلامي- المسيحي، وتخلق تعابير إستقلالية ودستورية جديدة. كما شهدت تنظيمات مهنية جديدة وإعتدالاً سياسياً لدى كتّاب الإفتتاحيات. كذلك شهدت أول حركة إنفصال بين أصحاب الصحف والمحررين، ثم إجتذاب الساسة لعدد كبير من الصحافيين، أمثال: "موسى نمور"، "يوسف الخازن"، "شبل دموس"، "خير الدين الأحدب"، "خليل أبو جودة"، "محي الدين النصولي"، "الفرد نقاش" و"خليل كسيب".