يُذكر أن قانون تسجيل الأراضي (الطابو) الذي صدر في 26 صفر 1278هـ 1861م، ترك الخيار لمالك الأرض بتحديد مساحتها إما بذكر حدودها أو بقياسها بالذراع، وكان أعضاء لجان المسح يكتفون بتقدير المساحة بالنظر أو يعدونها بالخطوات أو بإستعمال الحبل، فنشأ عن ذلك إختلاف في النتائج، ولذلك تحدّد بعض الوثائق القطعة المُباعة بذكر حدودها من المالكين المجاورين وذكر شجرة معمرة كالجمّيز والزيتونة والتوت، وتذكر وثائق أخرى مساحة الأرض بالذراع.

ولا بد أن تنشأ منازعات ناتجة عن النقص في تحديد الأراضي، كما حصل في 8 ربيع الثاني سنة 1281هـ عندما أدعى عبد الرحمن وعبد القادر محمد سلطاني على إبراهيم مصطفى قرنفل بأنهما قبل سبع سنوات إشتريا من شقيقة هذا الأخير على لسان وكيلها عبد الحميد ناصر، قطعة أرض في حي الباشورة كان من جملتها قطعة تلاصقها مساحتها ثلاثة وستون ذراعاً وثلاثة أربه الذراع المعماري الاسلامبولي وأن إبراهيم المذكور يقوم بكسر هذه القطعة الأخيرة لتصير بمساواة أرضه التي هي أخفض منها وضمّها لأرضه، وقد ثبت أن المساحة المختلف فيها تابعة للمبيع أصلاً.

ومنها ما حصل في 24 صفر سنة 1281هـ عندما قالت محبوبة الدلالة المكنّاة بأم علي بنت حمد المصري، أنها بنت في الغلغول داراً تركت من جهة شرقها ذراعاً وربع الذراع وتريد التصرف بها والمرور عليها، فرد عليها بأنها اشترت أرضها من يُوسُف آغا النويري وهذا الأخير اشتراها من إبراهيم التيّان الذي كان اشتراها بدوره من آل الشلفون، وقيل إن الذراع وقت الشراء كان أقصر منه عند المنازعة، وتبين من مراجعة الوثائق أن حقها بالمرور من جهة الشمال، وبقي النزاع في الذراع الذي كيل به وقت البيع ثم صار الإتفاق بين المتداعين على أنه بالذراع المعماري القديم.

وكان يستعان في المقاسمة بأهل الخبرة في العقارات مثل أحمد بن صالح الداعوق وأحمد بن سليمان خليل اللذين أشرفا على قسمة عقارات يُوسُف آغا بدر وقررا تعديل حصة أحد المتقاسمين بمبلغ ألف قرش وقد ثبّتها القاضي (قسمة عادلة صحيحة شرعيّة محكوماً بها إعتماداً على رأي أبي يُوسُف ومحمد من أن للحاكم الشرعي أن يفعل ما هو الأعدل والأوفق في قسمة الدارين في مصر واحد، حيث كان الفريق الثاني متعنتا بالمقاسمة وممتنعاً من إجرائها ولا يحصل الإنتفاع للمتقاسمين ويبقى للمقسوم قيم معتبرة إلا بالوجه الذي جرت عليه المقاسمة من غير غبن ولا غلط ...).

يُذكر أن تسجيل العقارات عُرف باسم (الطابو) والعامة لا تزال تقول في نقل الملكيّة (تطويب) وعُرفت دائرة التسجيل باسم (الدفتر الخاقاني) وكانت دائرة بيروت تتبع دائرة دمشق، ثم إُنشيء الدفتر الخاقاني المستقل في بيروت في 16 حزيران عام 1295 ماليّة، 1297هـ1879م، وكان محمد جمال الدين إبن الشيخ إسحاق عبد الله الخربوطي مأموراً للدفتر الخاقاني في ولاية بيروت سنة 1309هـ .

من المهم أن نشير إلى أن تسجيل المعاملات العقاريّة من بيع وشراء ومقاسمة، في المحكمة الشرعيّة، كان إلزاميّاً منذ سنة 1864م عملاً بالتعليمات التي نشرت سنتها وجاء فيها : (بما أنه لحد الآن لم يصر حفظ الأصول المؤسسة بتحرير الحجج الشرعيّة في المحكمة المطهرة بكل ملك يباع ويشترى أو تجري عليه مقاسمة الشركاء كما يقتضي، بل قد يشاهد بعض حجج صار تحريرها في الخارج، وحيث عدا عن كون ذلك مغايراً للأصول الشرعيّة، إلا أنه أيضاً هو السبب الأقوى لتشويش دفاتر الأملاك التي من نظامها أن لا تجري بها إنتقالات بدون حجج شرعيّة، وكذلك على الأهالي يوجد المحذور أيضاً بالمنازعة والدعاوى بالمستقبل لعدم وجود سند شرعي يضمن ذلك، لأنه غني عن البيان أن هكذا أوراق خارجة لا يعتمد عليها قطعاً، فلأجل التخلص من هذه الغوايل المحذورة وراحة الحكومة والأهالي، يقتضي كل شار وبايع أو مقاسم أن يحرر حجته في المحكمة المطهرة ثم يحضرها لدايرة الأملاك لكي تصير الإنتقالات بموجبها، وكل من خالف ذلك فعدا عن أن لا تسمع له دعوى بالمستقبل مطلقاً بموجب ورقته المحررة خارج المحكمة، لا شرعاً ولا نظاماً، بل فوق ذلك كل من يظهر أنه مستند على هكذا أوراق تجري بحقه المجازاة قانوناً، ولأجل إجراء التحريرات والتنبيهات اللازمة بهذا الخصوص، فبحسب الأمر الكريم المشيري قد صار نشر هذا الأعلان).

نشير إلى أن السلطان سليمان القانوني عيّن سنة 965هـ 1567م لجنة لمسح أراضي السلطنة العُثمانيّة ، بما فيها البيوت، فدونت أسماء المالكين في سجلات وأصدر السلطان سنة 1010هـ 1602م أرادة سنية بحفظ السجلات في نظارة الدفتر الخاقاني ومنحها القوة الثبوتيّة المُطلقة. ولا تزال تلك الدفاتر محفوظة في إسطمبول.

في 7 رمضان سنة 1274هـ 21 نيسان عام 1858م صدر قانون الأراضي العُثماني وتبعه في السنة التالية، 8 جمادي الآخر 1275هـ 13 كانون الثاني 1859م، نظام الطابو.