المناطق الجغرافية لانتشار المسبحة

تنتشر المسبحة اليوم في عدد كبير من دول العالم وخاصة في الدول العربية والإسلامية ، ,وإن كانت كثافة الانتشار تختلف من مكان لآخر .

وكما أسلفنا في مجال التطور التاريخي للمسبحة ,فإن سرعة انتشارها لمختلف الأمصار ازداد منذ أواسط الحكم العباسي في العراق كما ازداد أيضا وانتعش خلال النصف الثاني من حكم بني عثمان الإسلامي في تركيا . وفي القرن الأخير امتد انتشار المسبحة إلى أماكن وبقاع لم تعرف من قبل إطلاقا . ومن الأسباب التي أدت إلى انتشارها جغرافيا في الماضي ما يلي:

أ - اتساع رقعة الأمصار الإسلامية

على الرغم من أن الشعوب المختلفة في منطقة الشرق الأوسط  عرفت شكلا من أشكال المسبحة واستعملتها لمختلف الأغراض كالزينة والتباهي ولغرض التدين .إلا أن تحبيذ بعض المسلمين لها في عمليةتسبيح الباري عز وجل أو من قبل الصوفيين  ، وأصحاب الطرق الدينية ، وحملة المسابح في الأعناق في مصر وتركيا والعراق وغيرها . . . أدى ذلك كله إلى تعزيز محبة المسبحة في قلوب قطاع كبير من الناس من الناحية الدينية ، باعتبارها رمزا للإنسان المسلم المتعلق بحب خالقه العظيم وأداة لتسبيحه ، وبعد انتشار الدين في مناطق جديدة من بغداد إلى حدود الصين  ===== شرقا وإلى جنوب أوروبا شمالا وحتى المحيط الأطلسي غرباً وتأثرت الشعوب التي أسلمت بالدين الإسلامي الحنيف ببعض المظاهر والعبادات والصلوات والتسبيحات والتهليلات، بدأت هذه الشعوب باستخدام المسبحة، خصوصاً وأن البعض منهم لم يجد غرابة فيها وإن كان البعض الآخر منهم قد انتقد استخدامها.

ب -  ازدياد الثروات والإمكانات المالية

 لقد أدى هذا العامل إلى إقبال بعض الناس لصناعة المسبحة من مواد جديدة أو نفيسة لتوفر المال اللازم وذلك لأسباب تتعلق بالمسبحة الخاصة للتسلية أو للزينة أو للتباهي والمظهر العام أو للأغراض الدينية. علماً بأن الحركات الصوفية كانت ولا تزال تستخدم مسابيح من مواد بسيطة كالطين والخزف والعظام والصدف أو غيرها من المواد الزهيدة الثمن أو المواد التي لها قدسية خاصة.

ج - ازدياد المراكز الدينية والأسواق الملحقة بها

خلال العصور السابقة تكونت بعض المراكز الدينية في عدد من الأقطار الإسلامية كمكة المكرمة والمراقد المقدسة في العراق وإيران وقبة الصخرة في القدس الشريف والجامع الأزهر وحي الحسين في مصر وغيرها من المناطق الأخرى التي انتشرت فيها قبور الأولياء والصالحين أو أصحاب الطرق الصوفية وهكذا. ولقد انتشرت الأسواق الملحقة بهذه المناطق وتأسست صناعات مختلفة منها صناعة المسبحة للحجاج والزوارلهذه المناطق.

 كذلك الحال بالنسبة للمراكز الحضرية القديمة والجديدة الإسلامية وغير الإسلامية، إذ انتشرت فيها محال بيع المسابح أو صناعتها، وبنفس القدر فإن بعض الدول التي كانت تنتج مواد تناسب صناعة المسابح ازداد إنتاجها بشكل كبير بعد أن ازداد الطلب على المسبحة، وبعض هذه الدول كانت دولا غير إسلامية مثل ألمانيا والصين وروسيا وبولندا وغيرها.

د - اتساع رقعة التبادل التجاري الدولي

إن هذا العامل أدى إلى ازدياد الطلب على المسبحة، حيث أن بعض أنواع خاماتها أو طريقة صنعها تتوفر في مكان معين، ليتاجر بها في مكان آخر.

كذلك فإن المسبحة انتعشت تجارتها ما بين المنتج والمستخدم خلال وقت الرخاء والتبادل التجاري، وكسدت تجارتها خلال وقت الكساد والتأخر الاقتصادي في الدول الإسلامية وخصوصاً تلك التي تصنع من المواد الثمينة والأحجار الكريمة بطبيعة الحال.

والملاحظ أن بعضها دخلت إلى ميدان التجارة الدولية بعد انتعاش التجارة فيما بين الدول وتطور وسائل النقل خلال القرون الثلاث الأخيرة. واليوم انتشرت المسبحة وتجارتها انتشارا كبيراً بعد تطور العلوم والتقنية اللازمة لصناعتها سواء بالنسبة للمواد من الأحجار النفيسة أو شبه النفيسة أو الرخيصة جداً مثل الطين أو البلاستيك أو من إنتاج المواد العرضية كمادة النفط المكرر ومشتقاتها.

والمسبحة عموما تنتشر في مناطق الشرق الأوسط وبتركيز خاص في العراق ومصر وتركيا والأردن وسوريا وفلسطين  وإيران ودول الخليج ولبنان والمملكة العربية السعودية ( منطقة مكة على وجه الخصوص ) كما أنها تنتشر في دول آسيوية أخرى مثل باكستان وأفغانستان وبعض أجزاء الهند وجنوب الاتحاد السوفياتي ( طاجقستان ) وأذربيجان وعلى نطاق أخف في بقية دول آسيا الأخرى.

علماً بأن بعض الدول الآسيوية الأخرى أصبحت منتجاً رئيسياً لأنواع المسابح ( عدا المراكز القديمة في العراق وإيران ) وبعضها فاق إنتاجها عن مواطنها الرئيسية مثل تايوان وهونج كونج والصين وأندونيسيا وماليزيا. كما وتنتشر المسبحة انتشاراً كبيراً في تركيا وقبرص واليونان وبعض مناطق الدول الأوربية إلى حد ما، مثل يوغسلافيا وألبانيا وغيرها.

 وتنتج بعض الدول الأوربية المسبحة مثل ألمانيا وبولندا وروسيا حيث تشتهر هذه الدول بإنتاج مسابح الكهرب بصفة خاصة وبقية الأنواع من الخامات الأخرى بصفة عامة.

وفي الشمال الأفريقي، يكاد يكون تركز المسبحة، صنعاً واستخداماً في مصر، وهي من الدول المصدرة للمسبحة بشكل كبير وأحياناً مستوردة للنفيسة منها مثل الكهرب أو غيرها.

ويمتد الانتشار للمسبحة في شمال أفريقيا ولكن بشكل يخف تدريجياً كلما ابتعدنا عن مصر، مثل تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرها. كما تنتشر المسبحة في السودان وبعض الأقطار الإسلامية الأخرى في أفريقيا. إن بعض الدول الأفريقية تنتج المسبحة كزائير وتنزانيا والمغرب وغيرها، وبودنا أن نشير إلى أن المسبحة تنتج وتصدر اليوم من مناطق بعيدة في أمريكا الشمالية والجنوبية خصوصاً من المواد النفيسة كالفيروز والإمشست وغيرها.

أخيراً وبسبب الانتشار للمسبحة الرخيصة بشكل عام والنفيسة بشكل خاص لإشباع بعض الطلبات، فقد تجدها اليوم في كثير من مدن العالم معروضة كما تعرض بقية السلع من كل نوع، بسبب ولع وإدمان لبعض الناس وإنها من حيث الكلفة في متناول مختلف الطبقات الاجتماعية بعد ازدياد إنتاجها من المواد الزهيدة الثمن والسريعة عند التصنيع.