صناعة المسابح من الأحجار الكريمة

 الماس والياقوت والزمرد مع صناعة ملحقات المسبحة

(DIAMOND , EMERALD , RUBY)

على الرغم من الندرة البالغة جدا ، في صناعة المسبحة من هذه الأحجار إلا أننا عولنا على إدراج بعض المعلومات المتوفرة لدينا حول ذلك خصوصا فيما يتعلق بنوعية ومواصفات هذه المواد حيث أنها تدخل أيضا في صناعة ملحقات المسبحة .

إن أغلب ما صنع من هذه المواد كمسابح هي من حجر الياقوت الأحمر والأزرق والأبيض فضلا عن أن غالبية مناراتها وفواصلها صنعت من الذهب أو البلاتين وطعمت بالماس أو غيره من الأحجار الكريمة . لذلك فحجر الماس لفظته مشتقة من الأصل اليوناني (ADAMUS) وتعني المنيع أو الذي لا ينكسر وبالإنجليزية يطلق عليه (Diamond) . وهذا الحجر كربون نقي متبلور ، تكون بظروف درجات عالية من الضغط والحرارة حيث تتبلور في نظام المكعب على هيئة منشور ذي ثمانية أو اثني عشر وجها . وتقدر صلابته بعدد عشرة على مقياس موسى ، وهي أعلى درجات الصلادة في الأحجار الكريمة . وتبلغ كثافة هذا الحجر 3،52 ومعامل انتشاره  2،4  وهو من أعلى معدلات الانكسار الضوئي . ولهذه الصفات فقد استخدم هذا الحجر في تقطيع بقية الأحجار الأخرى ومعاملتها (الجواهر - مؤسسة الشرق - وزارة الاعلام القطرية . طبع عام 1985 وأيضا : London - The Natural History Musuem, Gem Stones, London) .

أفضل أنواع الماس ما كان شديد البياض بلوريا شفافا عديم اللون بيد أن هناك أنواع أخرى من الماس يتراوح لونه ما بين الوردي واللون المشوب بصفرة وصولا إلى الماس الأسود اللون والنادر . ويستخرج الماس عموما من أفريقيا وروسيا والهند وبعض بقاع الأرض الأخرى .

ولقد ورد إلى علمنا أن عددا قليلا ونادرا من المسابح وربما بأقل من أصابع اليد الواحدة ، قد صنع من هذا الحجر لبعض الملوك والأمراء ، إلا أننا لم نرها عيانا ، لذا فلا نستطيع الجزم تماما بذلك لعلمنا بالصعوبة البالغة لتصنيع الماس كحبات للمسبحة وتكاليفها الخيالية وصعوبة التسبيح في مثل هذه المسبحة الباهظة وغير العملية .

إلا أن الماس دخل صناعة المسابح وبنوعية الأصيل والمقلد على حد سواء عن طريق تطعيم فواصل ومنارات الذهب والبلاتين أو الفضة به مما جعل المسبحة تشع بأنواره المعكوسة في يد المسبّح على الرغم من الارتفاع الفاحش في أسعارها أيضا . ولقد رأينا مجموعات عديدة منها وكانت في الواقع تحفة فنية وحرفية رائعة .

كذلك فإن الماس الطبيعي أو الصناعي دخل في صناعة المسبحة المكونة من خامات الأحجار الكريمة وشبه الكريمة الأخرى بسبب مواصفاته الصلدة وقدرته على تقطيع وشطف وتثقيب حبيبات المسبحة وملحقاتها من هذه الأنواع من الأحجار كالياقوت والعقيق والمرجان والسفير وغير ذلك . وبذا فإن فضل مادة الماس كبير على تطوير انتاج المسابح من الأنواع التي ذكرناها وبالدقة المطلوبة وجعلها في متناول عدد كبير من الناس .

بالإضاف إلى ذلك ، فإن الماس المقلد دخل الصناعة هذه أيضا فلقد استخدمت مادة الزيركون والمنشورات البلورية نفس استخدام الماس في ملحقات المسبحة حيث أضفى عليها شعاعا ماسيا براقا .

أما مسابح الياقوت والسفير (Ruby and Saphire) فهنالك أعدادا لا بأس بها انتجت خلال العقود الثلاث الماضية ولقد حضينا برؤيتها في يد بعض المسبحين أو في محلات الجواهر في أوربا والخليج العربي ومعظمها تكون حباتها ذا شكل كروي أو اهليجي أملس ، وبعضها صنعت منارتها من الذهب أو البلاتين المطعم بالماس . وتعددت ألوانها ما بين الأحمر والأزرق والأبيض وتدرجات هذه الألوان . وأنواع الياقوت والسفير عديدة وحاول بعض الناس تقسيم مراتبه حسب اللون أو غير ذلك بيد أن جميعها ولغرض الإيجاز لا تعدو غير تقسيمات لعائلة حجر الكوروندوم (Corandum) حيث أن محتواه الكيماوي من أكاسيد الألمونيوم (AL203) وهو ذو نظام بلوري ثلاثي ، درجة صلابته 9 على مقياس موسى ووزنه النوعي يتراوح ما بين 3,96 إلى 4,05 غراما في السنتمتر المكعب . وهذا الحجر من أصلب الأحجار بعد الماس . والواقع أن أصل لون هذا الحجر هو اللون النقي (أي عديم اللون) وتضفي مادة الكروميوم اللون الأحمر وبتدرجاته على هذا الحجر , كما تضفي مادة الحديد والتيتانيوم اللون الأزرق عليه وهنا يسمى بحجر السفير .

لقد ذكر الياقوت في القرآن الكريم بقوله تعالى (كأنهن الياقوت والمرجان) . وتأثر العرب به كثيرا وأحبوه وذكروه واستخدموه وتغنوا به في أشعارهم . ولقد قيل أن لفظة الياقوت معربّة من الفارسية حيث يسمونه "ياكند" إلا أن هنالك صعوبة بالغة في تدقيق الأصل اللغوي العربي أو الفارسي .

لقد ازدهرت صناعة الياقوت منذ زمن طويل جدا ووردت أخباره بصورة كبيرة وخصوصا في العصر الأموي والعباسي والفاطمي . وشاعت حول هذا الحجر أساطير شتى فقد قيل سابقا بأنه يبعد اللؤم عن أصحاب النفوذ أو أن من لبسه لا يغرق وسهلت عليه قضاء الحوائج وجعلت له هيبة . كما قيل أيضا أن الياقوت يبعد الطاعون ويمنه انجماد الدم ويقطع العطش وإلى آخر ذلك من الأساطير والخرافات التي ارتبطت بهذا الحجر منذ الأزل .

إن أشهر المواقع في انتاج الياقوت والسفير تكون في سري لانكا ومنطقة كشمير والهند وتايلاند وكمبوديا في آسيا ، كذلك يتواجد هذا الخام في كينيا وتانزانيا وزمبابوي في قارة أفريقيا .

وبسبب تحسن طرق التصنيع الفنية للجواهر بتقدم العلوم فقد تم انتاج حبيبات المسبحة من هذا الخام وإن كان أغلبها من اللون الأحمر وإلى حد ما اللون الأزرق (السفير) ومن ثم اللون الأبيض والذي يطلق عليه اسم (مهاي) في بعض مناطق آسيا .

كذلك فلقد انتجت حبيبات المسابح وأحيانا مع ملحقاتها من المنارة والفواصل من أنواع رديئة من خام الياقوت الأحمر أو الوردي أو القاتم (غير الشفاف) وبيعت باعتبارها ياقوتا إلا أن الأسعار في هذه الحالة تدنت بصورة بالغة .

لقد راجت صناعة المسبحة من خام الياقوت اعتبارا من فترة السبعينات من هذا القرن وتزايد الطلب عليها خصوصا في منطقة الخليج العربي ومهر صناع الجواهر في أوربا (سويسرا ، فرنسا ، ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية) في انتاج مسابح ياقوتية غاية في الجمال بمنارات وفواصل ذهبية مطعمة بالماس حيث مررت سلاسل ذهبية دقيقة في حباتها . ولقد انتجت المسابح من هذا الخام في دول جنوبي شرقي آسيا ونافست بذلك الدول الأوربية إلى حد ما . وبسبب الارتفاع الفاحش في خام الياقوت وخصوصا الجيد منه فقد روعي في هذا المجال تقليص وزن الحبات ما أمكن وتحديد عددها ، ولعل أكثر ما رأينا من هذه المسابح ما كانت عدد حباتها تتراوح ما بين 33 إلى 45 حبة كروية ملساء وحيث يتراوح  قطر الحبة الواحدة ما بين 3 إلى 4 ملم وأحيانا إلى 5 ملم . ولقد تركز استيراد هذه من قبل التجار اللبنانيين والكويتيون وغيرهم ومعظمها كان يحفظ فورا في الخزائن خوفا من فقدانها لسبب أو لآخر .

ويجدر بنا أن نشير هنا إلى أن الصناعة العالمية برعت في صناعة مقلدة لهذا الحجر الكريم إلى الحد الذي أصبح فيه أحيانا على غير المختصين التمييز ما بين الحجر الأصيل والحجر المقلد أو المدلس . ولقد حصلت مفارقات وخدع كثيرة في هذا المجال واشترى بعض الناس عددا من المسابح بيعت لهم بكونها من الياقوت الأصيل ثم تبين بعدئذ أنها غير ذلك . ولقد استشارنا يوما أحد الأصدقاء بشأن شكوكه في مسبحته الياقوتية (سفير أزرق) التي اشتراها من أحد الباعة ، فلاحظنا اتقان صناعتها ورونقها الشديد وخلوها من الشوائب تماما ، إلى الحد الذي تطلب الامر فحص مكونات الاحجار والحبيبات بالاجهزة الحديثة ، حيث تبين عدم صلتها بمواصفات الياقوت الطبيعية ، ولقد تم فحصها بواسطة طريقة انكسار الأشعة في داخل الأحجار . إلا أن ما أعطى لصديقنا بعض العزاء كون أن ملحقات هذه المسبحة من منارات وفواصل كانت من الذهب الخالص لحسن الحظ . والأمثلة على مثل هذه الحوادث كثيرة وتحدث يوميا وقد تستدعي الحذر عند قيام الأفراد بشراء الأحجار الكريمة . لذا فننصح بشرائها من المحلات المعروفة تلك التي تخضع أحجارها الكريمة المباعة إلى فحوص دقيقة .

النوع الآخر من مسابح الأحجار الكريمة النادرة هي من الزمرد (EMERALD) والأكوامارين (AQWAMARINE) والزبرجد (PERIDOT) .

فبالنسبة إلى مسبحة الزمرد فقد انتج عددا محدودا منها لشخصيات معروفة ، ولقد رأينا عددا منها ولم تكن أحجار زمردها (أي خرزات المسبحة) من الدرجة الاولى بالنسبة للنوعية ولقد كانت بعضها ذات حبيبات خرزية كروية ناعمة الملمس والقسم الآخر منها كانت خرزها من النوع المشغول بشكل أضلاع مسطحة على شكل تقطيع وتسطيح الماس حيث كانت اكثر بهاءً .

عموما فالزمرد من عائلة أحجار البريل (BERYLS) حيث يكون تركيبه الكيماوي مؤلفا من سيلكات الألمونيوم البريليوم (B3 - AL2 - "SP6 - 80) حيث يكون نظام هذه الأحجار بلوريا سداسيا مع وزن نوعي يتراوح من 2,63 إلى 2,91 غم / سم مكعب مع صلابة تقدر بحدود 7,5 على مقياس موسى . ويلاحظ أن هذه الأحجار أقل تألقا وصلادة  من الماس والياقوت إلا أن ألوانها الخضراء المخملية تجعلها واحدة من أنفس الأحجار الكريمة ، كما أن بعض الشوائب من الكروميوم تعطيها هذا اللون الأخضر الجذاب .

حاليا تشتهر كولومبيا (أمريكا الجنوبية) بوجود خام الزمرد فيها كما يتواجد في زمبابوي وزامبيا والباكستان والبرازيل وغير ذلك من الأماكن الأخرى .

لقد قيل أن لفظة الزمرد مشتقة ومعرّبة وهنالك تدرج لألوانه الخضراء وهو شفاف ، أجوده الأخضر المغلوق اللون والذي لا تشوب خضرته أي شيء آخر من الألوان ، وأن يكون جيد المائية شديد الإشعاع . إن العرب عرفوه وأحبوه منذ القدم ولقد قيل سابقا أنه موجود في منطقة الحجاز أو في منطقة صحراء مصر الشرقية . ودارت حول هذا الحجر الأساطير المتداولة وذكر أنه يفيد البصر ويقي داء الصرع والحيوانات ذات السموم وما إلى إلى ذلك من الخرافات .

إن هناك ضرب آخر من مجموعة عائلة هذا الحجر وهو البريل الأزرق أو ما يسمى بحجر الأكوامارين وأحيانا يكون لون هذا الحجر يميل إلى اللون الأخضر وأميل إلى البياض أو يشوبه اللون الأصفر أو مشوبا باللون الزيتوني . ولقد صنعت مسابح من هذا الحجر وبأشكال عديدة حيث أن أسعار هذا النوع من الأحجار أقل بشكل كبير عن أسعار حجر الزمرد الصافي خصوصا إذا ما استخدمت خامات من هذا الحجر الأقل جودة وأكثر شوائبا . ويتواجد هذا الحجر في البرازيل ومدغشقر وجبال الأورال ومنطقة كاليفورنيا .

ومن ضمن ما يصنع من المسابح هو ما صنّع من حجر الزبرجد وهو من عائلة أحجار (Peridot) حيث يمتاز هذا الحجر بتوسط لونه ما بين اللون الأزرق البحري المشوب بخضرة مائية ضاربة في اللون الأصفر . عموما فلقد استخدم العرب هذه اللفظة للدلالة على هذا الحجر ولقد قيل أنها لفظة مشتقة معربّة حيث ذكر أنه استورد في السابق من جزيرة كانت تسمى زبرجد قديما وتقع في منطقة البحر الأحمر أو (St. Johns Island) أما اليوم فإنه يوجد في بورما والنرويج وولاية أريزونا في امريكا . كما قيل أن لفظة بريدوت (Peridot) قد تكون اشتقت من الكلمة العربية فريدة دلالة على ندرة هذه الأحجار . عموما فالخصائص الكيمائية لهذا الحجر تشمل السيلكات مع الحديد والمنغنيز ، حيث تكون صلابة الحجر تتراوح ما بين (6,5) إلى (7) على مقياس موسى ، والوزن النوعي يتراوح ما بين 3,22 إلى 3,40 غم / سم مكعب .

لقد شاهدنا بعض المسابح من هذا النوع آية في الجمال والرقة والإبداع في محال الجواهر في بعض دول الخليج العربي وأوربا والشرق الأقصى صنعت من الحجر الأصيل ومنها ما صنع من الأحجار المشابهة أو المقلدة والمصنعة قيل عنها جزافا أنها من الزبرجد . ومعظم التي رأيناها كانت حباتها على الشكل الكروي الأملس ومعدل أقطارها بحدود 5 ملم أو أقل من ذلك في أغلب الأحيان ، كما لاحظنا أن بائعي المسابح قاموا بتحويل العقود النسائية من هذه الاحجار إلى مسابح وإضافة المنارة والفواصل المصنعة من الذهب إليها مع ملحقات أخرى .