مسابح المواد ذات الأصل الحيواني

لعل هذه المواد من جملة المواد الأولية التي بدا الإنسان في صنع المسبحة منها ، وكذا الحال بالنسبة لاستخدامات الإنسان الأولية والبدائية خلال عصور التاريخ المختلفة.

وتشمل هذه المواد التي صنعت منها الحبيبات وأجزاؤها الأخرى القرون والعظام والأنياب ، أو متحجراتها ، ومنها بخس ورخيص كما أن البعض الآخر غال وثمين .

فمن مادة القرون صنعت المسبحة ، كقرون الغزلان والأيائل والثيران وبعض الحيوانات الاخرى  ومنذ زمن ليس بالقريب وإلى هذا اليوم . ولقد أكثر من الإنتاج منها نظرا لزهد ثمنها وسهولة تصنيعها والحصول على مادتها الأولية ووزنها النوعي الخفيف الذي يصلح لبعضها . إلا أن معظم أشكال حباتها تقع في فئة القياس الصغير ويبدو أنها أنتجت بأشكال غير متقنة تماما وغير متقنة التثقيب أيضا .

وتنتشر مثل هذه المسابح في معظم بقاع الدول العربية والإسلامية كما شاهدنا بعضها لدى بعض الدول الأخرى حيث صنعت منها بعض القلائد المسيحية أو البوذية أو غيرها . كذلك هنالك انتشار لها في بعض الدول الإفريقية (الشمال الإفريقي) كما أنها استخدمت من قبل بعض الفئات الدينية كأصحاب الطرق الصوفية والدراويش أو النساك بصفة خاصة . ومعظم قياسات هذه الفئة من ناحية العدد هي (99 حبة) زائدا الفواصل والمنارة ويشوب معظم ألوانها اللون الرمادي أو المشوب بسواد ، أو المائل للبياض مع شفافية بسيطة . ومعظم حبات هذا النوع كروية أو متدحرجة أو شبه بيضوية وغير منتظمة الشكل وأسعارها زهيدة في معظم الأحيان .

كما يوجد استثناء لما ذكرناه أعلاه ، فلقد أنتجت مسابح غاية في الإتقان من بعض القرون وخاصة من قرون حيوانات الخرتيت (وحيد القرن) الغالية جدا (Rhinoceros) وقرون بعض الأيائل النادرة . وقد صنعت الحبات وأجزاؤها بأشكال حبات بيضوية ، حيث يميل لون الحبات المخروطة من الجزء الأقرب إلى خارج القرن باللون الأخضر القاتم المتدرج مع تشابكات لونية داخلية ، وتميل الحبات المخروطة من الجزء الباطن إلى اللون البني والأصفر مع تشابكات ألوانهما ، وحبات المسبحة من هذا النوع من القرون شديدة الصلادة ناعمة الملمس مع مرونة بالغة ، خصوصا وأن الوزن النوعي للمادة مناسب تماما أما أقطار الحبة فتتجاوز (8 ملم) وطولها يزيد عن (14 ملم) حيث أن حجم القرن يوفر المرونة الحجمية حسب الطلب كما يمكن في الوقت نفسه صناعة قياسات صغيرة لحبات واجزاء المسبحة . وبصفة عامة فإنها تعد من الأنواع النادرة اليوم خصوصا إذا ما علمنا أن صنعها يضر كثيرا بالمتواجد من حيوان الخرتيت أو الأيل ويساعد على انقراضه مثلها مادة العاج أو غيرها .

المواد الأخرى من طائفة الأصل الحيواني هي مسابح العظام وينطبق عليها نفس التحليل السابق لمادة القرون وإن كان ما انتج منها أكثر عددا بالمقارنة مع مادة القرون . وتشمل العظام طائفة كبيرة من عظام الحيوانات كعظام الجمال والحيتان والأسماك الكبيرة والأفيال والغزلان والثيران وكلاب البحر وما إلى ذلك . وعادة تؤخذ من هذه العظام الأجزاء الصلدة والسميكة منها وتترك الأجزاء الضعيفة والهشّة . وتقوم صناعتها في دول مثل مصر والهند والباكستان وتونس وإيران وغيرها .

وفي العقد الأخير من الزمن ارتفعت قيم بعض أنواع العظام والأنياب بعد الإجراءات الدولية الشديدة لحماية الأفيال وغيرها من الانقراض وانتشار قواعد دولية وقيود على تجارة أنياب الأفيال المستخلصة من الأفيال المقتولة وتصعب الأمر بذلك على تصنيع المسابح من العاج ولجوء بعض الناس إلى البدائل ومنها العظام الأخرى لوجود بعض التشابه .

ومسابح العظام البيضاء اللون أو المطعمة والمزخرفة منتشرة الآن في شمال أفريقيا ، ومصر والسودان وغيرها . كما تنتشر في سوريا ولبنان والهند وإيران وباكستان وأفغانستان في آسيا . ويرغب الناس في شرائها لرخص ثمنها ولتقليدها العاج وخصوصا تقليد المطعّم منه ، وكما ويقبل عليها أيضا فئات الدراويش والمتصوفة وغيرهم لأسباب تقشفية ودينية .

أما مسابح الأنياب الأصيلة فلعل أشهرها هي مسبحة العاج المستخلص من الأفيال ، حيث تقوم صناعتها في مصر والصين والسودان وبعض دول شرقي آسيا . وهي على نوعين : النوع العادي الصافي والنوع المطعم أو المكفت . فمسبحة العاج الطبيعي العادي تكون أشكال حباتها كروية أو بيضوية ويميل شكلها إلى النوع الأخير على الأغلب ، كما ان بعضها مصنعا على الشكل الاستانبولي (خراطة استانبول) .

إن قياسات الحبات لمسبحة العاج متباينة وإن كان أفضلها ما كان شكلها بيضويا وقطر حباتها يزيد عن (6 ملم) وطولها يزيد عن (8 ملم) ، فضلا عن تلك التي صقلت بصورة متقنة وظهر فيها بريق فاتن مع تفاصيل اللون الحليبي الأخّاذ ، كما ان عدد الحبات في هذا النوع يفضل أن لا يتجاوز (33 حبة) زائدا الفواصل والمنارة مع شرابة فضية أو ذهبية مما يضفي على شكل منظر المسبحة النهائي منظرا جميلا .

عموما فمسابح العاج العادية انتجت أيضا بأشكال ومواصفات وقياسات متعددة ومتباينة فمنها (33 حبة) و (99 حبة) ، وهنالك بعض الناس من يرغبها ويهواها ، وأشهر صناعتها حرفيو مصر والصين وهونق كونق والسودان ، إلا ان الصناعة السودانية لهذا النوع غير متقنة تماما ، خصوصا من ناحية الصقل وكثرة الشوائب وعدم اتقان التثقيب .

أما النوع الآخر فهي مسابح العاج المطعمة ، حيث تنحت أو تحفر حبات العاج بالزخارف المطلوبة والكتابات المتنوعة ثم يدخل في شقوق الزخرفة أسلاك الذهب او الفضة أو النحاس (أو معادن اخرى) مع زرع الحبيبات الفيروزية أو الحجرية الكريمة الأخرى حسب مواقعها المخصصة ومن ثم تصقل ثانية ، وبذا تصبح المسبحة من العاج قطعة فنية رائعة تعكس النواحي الفنية والحرفية وتصبح من النوادر وهي فعلا كذلك .

وقد لاحظنا بعض الأنواع الرديئة غير المصقولة تماما بعد عملية التطعيم أو التكفيت مما أوجد حالة من عدم المرونة في استخدامها وأساء إلى جمال المسبحة ، بل أصبح من المتعذر أحيانا استخدامها بسلاسة تامة عند مداعبة الحبات .

لقد قلدت مسابح العاج وبكافة أشكالها من مواد العظام الأخرى والبلاستيك او المواد الكيماوية الأخرى ، وقد  يصعب أحيانا التفرقة أيضا بين المقلّدة والأصلية إلا ان عين الخبير سرعان ما تكتشف ذلك لمعرفته بالعاج وطرق صنعه . وبما أن العاج نفسه أصبح مادة نادرة جدا ، لذا فأسعار المسابح المنتجة منه تصاعدت كثيرا خلال العقد الأخير وخصوصا تلك المطعمة والمصقولة جيدا والمتقنةالصنع والتي يصنعها الحرفيون في مصر والقادرون فعلا على انتاج مسابح عاجية مطعمة في غاية الروعة والاتقان . كذلك ينتج في الصين مسابح من العاج والمنحوتة حباتها بنقوش وزخارف مختلفة على مستوى راق من الحرفية والفن الرفيع وهي من أجمل ما يراها الإنسان إلا أن عدم صلاحيتها للاستخدام اليدوي المستمر جعل منها مسبحة للزينة أكثر منها مسبحة يمكن استخدامها ، وعليه فلم يهتم بها سوى هواة التجميع .

أخيرا شاهدنا بعض تلك المصنعة من الأنياب أو أسنان الحيوانات الأخرى كأنياب حيوان الفقمة ، أو من بعض المتحجرات لأنياب حيوانات قديمة وهي قليلة العدد إجمالا .