عمر حمودة ...
كيف سقط في جامعة عين شمس

بطل هذه الحكاية .. نوع حقير جداً من البشر، ويعد من أقذر الجواسيس المصريين الذين عملوا لصالح إسرائيل على الإطلاق ... إذ تجمعت فيه كل صفات الشذوذ واللوطية، وفقد انتماءه للرجولة .. والوطن.

استغل أخطاء الجاسوس شاكر فاخوري وذهب بنفسه إلى القنصلية الإسرائيلية في استنبول عارضاً خدماته.

لكنه في غفلة منه... فوجئ بسقوطه في سرعة مذهلة، وبنفس الخطأ الذي وقع فيه الجاسوس السابق.

إنه أول وآخر جاسوس مصري ألقي القبض عليه بالمدينة الجامعية للطلاب، وأيضا ... أشهر جاسوس يعشق القيام بدور امرأة ! !

البحث عن طريق

إذا كان الجاسوس الشاذ شاكر فاخوري – أول مصري سلم نفسه للسفارة الإسرائيلية في قبرص ليعمل جاسوساً على مصر – فهذا هو محمد عمر حمودة – شاذ آخر – أعجبته فكرة الحصول على المال بالطريق السهل، وسلم نفسه أيضاً برضاء تام إلى القنصلية الإسرائيلية في تركيا، معتقداً أنه قام بدراسة قصة زميله الشاذ، وعرف مواطن الخلل التي أدت إلى سقوطه، وأنه سيأمن كل تلك الأخطاء ليظل بذلك بعيداً عن أعين وآذان المخابرات العربية... ويعمل في صمت لصالح المخابرات الاسرائيلية

حصل عمر حمودة على الثانوية العامة سنة 1971 بمجموع هزيل لم يحقق له أدنى طموحاته، وكانت أعظم أمانيه في تلك المرحلة من العمر، أن يهنأ بعلاقة مع شاب شاذ يشاركه شذوذه، ويستمتع معه بالحرية الجنسية التي يحلم بتحقيقها.

كان عمر حمودة على العكس من الجاسوس السابق... شاذاً سلبياً . أي يفضل أن يقوم بدور الأنثى.

هذا الشذوذ كبر معه منذ الصغر، واستفحل الداء عنده للدرجة التي لا حل معها. وقد ضربه أبوه مرات كثيرة بعدما انتشرت حكاياته وفضائحه، وكان في العادة يبكي بعنف لوالده ويعده بأن يلتزم ويتأدب. لكن لا فائدة ... إذ كبر شذوذه وفشل معه علاج الطب وعلاج الضرب والإيذاء. فكم تكوم الشاذ في أحد أركان "البلكونة" عقاباً له عشرات الليالي مكبلاً ومحروماً من الطعام والماء، وبمجرد إطلاق سراحه "يسرح" في الخرابات ودور السينما يبحث عن صيد شاذ.

وعندما طلب لتأدية الخدمة العسكرية سر كثيراً. لكن .. سلموه شهادة الإعفاء وقالوا له "الجيش يطلب رجالاً فقط" فعاد مقهوراً.. ومرت به الشهور كئيبة. إذ قلما عثر على ضالته لضيق ذات اليد بعدما أمسك والده عنه مصروفه الذي ينفقه على شذوذه... وكثيراً ما خلا إلى نفسه يبكي ضعفه ويرجو خلاصاً له من العار ولكن هيهات، فداء الشذوذ عنده أقوى من نداء التوبة.

أخيراً لملم أشلاء عقله المنهك وقرر أن يغير خطة حياته كلها.

وجاءه هذا القرار بعدما قرأ عشرات التقارير عن الشذوذ في الجيش الإسرائيلي، وشواذ أوروبا الذين لا يخجلون من شذوذهم، ويجهرون به بدعوى الحرية. وامتلأت رأسه بأفكار كثيرة تقوده في النهاية إلى حتمية الحياة في مجتمع متفتح يستطيع فيه أن يمارس شذوذه دون إحساس بالنقيصة أو بالانزواء.

وعندما أعاد قراءة قصة الجاسوس شاكر فاخوري – الشاذ الإيجابي – وكيف طرق بنفسه باب السفارة الإسرائيلية في نيقوسيا – أدرك أن هناك خطأ ما قاده إلى مصيره المظلم وأن بإمكانه – هو – ألا يخطو خطوة واحدة، دون حساب للخطوة التي تليها. ودفع عن رأسه فكرة محاكاة شاكر. لكن عقله المشوش غامت به الأفكار واحتفظ لنفسه بما قرره، وأعد أوراقه للسفر إلى حيث تبدأ حياة جديدة، بعيداً عن مجتمع يقهر فيه رغبته وشذوذه.

تسلم عمر حمودة جواز سفره وحجز تذكرة بالطائرة إلى استنابوا... وأسكرته حقيقة وجوده على أرض أجنبية بلا رقيب يحد من سلوكه أو يراقبه.. واستنشق لأول مرة هواء حريته وتحرره حتى كاد أن يصرخ فرحاً أمام ساحة المطار... فأضواء المدينة من بعيد كانت تتراقص كأنها حبيبات من اللؤلؤ البراق... وتصدح بأذنيه أغنيات لا يفهمها ولكن إيقاع الموسيقى يتناغم مع شرقيته ويدعوه إلى الانتشاء.

استقل سيارة إلى بنسيون "بورال" الواقع في منطقة شعبية تفيض زحاماً وضجيجاً، وقذف بحقيبته داخل الغرفة وخرج كالملهوف يجوب شوارع المدينة الساحرة الواقعة على بحر مرمرة المخنوق ما بين مضيقي البسفور والدردنيل.

تراقصت حواسه تلذذاً بفعل السعادة الغامرة التي تملكته عندما وصل إلى أحد الميادين الشاسعة، ودلف إلى الحديقة المظلمة التي تقتطع جزءاً كبيراً منه، واقترب من عشرات "الهيبيز" من الجنسين الذين اتخذوا من الحديقة منتدى لهم ومأوى، ووسط هذا الخضم من المزيج حاول أن يبحث لنفسه عن مكان بينهم. لكن حاجز اللغة منعه وصدمه في بادئ الأمر، حتى اكتشف أن هناك لغة خاصة جداً لا يفهمها سوى الشواذ أمثاله، ومن خلالها تقرب بأحدهم واختلى به جانباً يتذوق على أرض تركيا طعم الحرية التي حرم من مذاقها علانية في مصر.

إن لغة الشواذ لا تنطق بلغة واحدة، بل تنطق بكل اللغات بلا حروف أبجدية أو قواعد. إنها لغة الإشارات التي تحس وتفهم تماماً فيما بين مجتمع اللواطيين الذين يجوبون كل مدن أوروبا، ويتخذون من شوارعها وحدائقها منفثاً لإفراغ مخزون قيودهم ... وعقدهم فيتحللون من قواعد السلوك السوي ويتلاوطون كالكلاب الضالة.

أربعة أيام مرت وعمر حمودة يتعاطى الشذوذ في حدائق استنبول، إلى أن سرقه أحدهم فخلت جيوبه من النقود، وفي الحال قرر تنفيذ خطته التي رسمها مرات ومرات في خياله قبل أن يغادر مطار القاهرة.

وعندما سأل موظف الاستقبال في البنسيون عن مكان السفارة الإسرائيلية قال له إن السفارة في العاصمة أنقرة، أما القنصلية الإسرائيلية فمقرها في استنبول.

كانت نيته مبيتة بالفعل على اتخاذ خطوته المجنونة... لذلك لم يحاول البحث عن عمل أو يسعى من أجل ذلك... فالفكرة كانت قد اختمرت برأسه وأصبح من الصعب أن يتراجع، وعندما شرع في التنفيذ، لم يطلب القنصلية تليفونياً بل ذهب اليها بنفسه فوجد بابها موصداً، وفكر في الرجوع ثانية إلى البنسيون لكنه بعدما خطا عدة خطوات عاد ثانية ودق الجرس، فانفتح الباب فجأة وصدمته المفاجأة، لكنه تسمر مكانه أمام حارس الأمن الذي كرر السؤال عليه عدة مرات:

Ø     ماذا تريد؟

وفشل في أن يجيب إجابة مفهومة وتعثر في النطق بينما كانت يده تبحث عن ورقة تنقذه من ورطة الموقف.