بقيت بيروت خالية من المدارس الحكوميّة في العهد العُثماني إلى أن أُجلي المصريون عنها في سنة 1840م بعد أن أخلاها إبراهيم باشا الذي أجبره التحالف العُثماني الإنكليزي النمساوي على تركها بعد قصف المدينة من البحر والهجوم عليها من البر. فلما عادت هذه المدينة إلى السيادة العُثمانيّة رأى المسؤولون الأتراك أن الأجانب والنصارى المحليين يكادون يتفردون بالسيطرة على مصادر الثقافة والتوجيه الفكري في هذه البلاد ويهددون بعزل الناشئة الإسلاميّة عن جو الدولة العُثمانيّة ويبعدونهم عن التجاوب مع سياستها العامة، فبادرت إسطمبول إلى تنبيه الولاة الذين كانت ترسلهم إلى سوريا بأن يُولوا أمر التعليم في المناطق التي تحت إدارتهم العناية اللازمة، حرصاً على إبقاء الرأي العام العربي، لا سيما المسلم، داخل الإطار الفكري للإمبراطوريّة العُثمانيّة، فاستجاب الولاة لهذا التوجيه الرسمي، وأخذت بيروت منذ ذلك الحين تحظى بحصة الأسد من المدارس الحكوميّة الرسميّة التي كان أولئك الولاة يفتحونها باسم السلطان العُثماني القائم وتحت شعار الدولة العُثمانيّة وصولجانها. وهذا الإهتمام الذي ظهر من الدولة العُثمانيّة بالنسبة لفتح المدارس في ولاية بيروت وغيرها من الولايات العربيّة، إنما كان نتيجة لملاحظات متكررة أبداها المسؤولون في تقاريرهم الرسميّة.

والمدارس التي أنشأتها الدولة العُثمانيّة، سواء في بيروت نفسها أو في بقية المدن السوريّة كان يُطلق عليها إسم (المدارس السُلطانيّة) وذلك إشارة إلى أنها تابعة لصاحب العرش السلطاني العُثماني في إسطمبول الذي يمثل السلطة العليا في جميع الأقطار التي كانت تشكل الإمبراطوريّة العُثمانيّة في ذلك الحين.

وكلمة (السلطانيّة) تقابلها في أيامنا كلمة (الرسميّة) التي تُطلق على المدارس التي تفتخها الحكومة وتتولى إدارتها والإنفاق عليها من الموازنة العامة وتطبق فيها المناهج التعليميّة في حدود سياستها الثقافيّة الوطنيّة.

والمدرسة الأولى التي أنشأتها الدولة العُثمانيّة في بيروت كانت (الدار العسكريّة) والذي أمر بإنشائها هو السلطان عبد الحميد الأول والد السلطان عبد الحميد الثاني.

وكان لإفتتاح المدرسة سنة 1269هـ1852م والذي حدا بالسطان المذكور إلى إنشاء هذه المدرسة في بيروت آنذاك، هو رغبته في إظهار رضاه عن أهل هذه المدينة ومكافأتهم على ما أظهروه من تأييد وولاء للدولة العُثمانيّة خلال صراعهم مع محمد علي باشا. 

أما المدارس الحربيّة أو العسكريّة فإن المنتسبين إليها كانت الدولة تختارهم من بين أبناء العشائر البدويّة، وأصحاب العصبيات الإقليميّة والبلديّة، ذلك أن إسطمبول كانت حريصة على ضمان ولاء هذه الأوساط للعرش العُثماني وسياسته العموميّة وترى أن زعماء العشائر والأعيان النافذين هم أقدر من سواهم على ضبط هذه العناصر بجعلها تحت الرقابة الدائمة للسلطة الحاكمة بحيث يتعذر عليها النشوز عن الطاعة أو إثارة الفتن والقلائل في مناطقها.