عندما سمع رجال الإدارة بالولاية رغبة واليهم لم يسعهم إلا الموافقة على أنهم قالوا له (باره يوك). وهي عبارة تركيّة تعني بالعربيّة (لا يوجد نقود). ولكن جواب هؤلاء الموظفين لم يقنع الوالي خليل باشا بصرف النظر عن مشروعه بل أنه فكر وقدَّر ثم رد عليهم قائلاً بالتركيّة (باره بولوروم) أي (عليّ تأمين النقود). وبالفعل فإن هذا الوالي العمراني دعا أعيان البلد للإجتماع بديوانه وأسفر هذا الإجتماع عن تأليف لجنة تشرف على إنشاء مدرسة وكانت هذه اللجنة مؤلفة من الأشخاص الآتية أسماؤهم : فضيلتلو عم أفندي خلوصي، نائب مركز الولاية (أي القاضي الشرعي)، سعادتلو عبد القادر أفندي القبّاني(مدير المعارف)، فضيلتلو محمد أفندي الكستي (رئيس كتبة المحكمة الشرعيّة)، فضيلتلو رشيد أفندي الفاخوري (محرر المقاولات)، عزتلو أمين أفندي حلمي (من خلفاء محاسبة الولاية)، عزتلو محمد أفندي اللبابيدي (مأمور الإجراء)، عزتلو الحاج محمد أفندي الطيّارة، عزتلو نجيب أفندي طراد، عزتلو نجيب أفندي الهاني، عزتلو بشارة الدب (سر مهندس النافعة بالولاية وأمين البناء)، عزتلو صادق أفندي (سر مسوّد قلم مكتوبي الولاية). وكان النائب خلوصي رئيساً للجنة وصادق كاتبها.

ولم تبطئ هذه اللجنة بالعمل بل باشرت به فوراً فتبرع آل الطيّارة بقطعة أرض من أملاكهم في محلة الرمل، حيث تقوم المدرسة حالياّ، وأمّن الوالي المال اللازم عن طريق ضريبة مؤقتة فرضها على المسافرين من بيروت والقادمين إليها مقدارها ريالان مجيديان على المسافر وأربعة على القادم. كما فرض على كل من يريد أداء فريضة الحج من المسلمين رسماً قدره ليرة ذهبيّة عُثمانيّة.

وما كادت السنة 1905م تحل إلا وكان المال المطلوب لهذه المدرسة قد توفّر. وفي الساعة الرابعة من يوم الجمعة في شهر آب 1905م صادفت ذكرى العيد السنوي للجلوس المأنوس (أي تولي السلطان أريكة العرش العُثماني) وبهذه المناسبة جرى الإحتفال بوضع الحجر الأساسي للمكتب الصناعي والمستوصف الخيري الذي بجانبه وذلك بحضور (ملاذ الولاية الجليلة خليل باشا) وأركانها ومأموريها المالكين والعسكريين وبعض الأعيان والعلماء وقناصل الدول الأجنبيّة الموجودين في بيروت وذبحت القرابين، وقام حضرة نقيب الإشراف عبد القادر أفندي النحّاس بالدعاء بطول بقاء مولانا أمير المؤمنين وتأييد شوكته...).

وفي سنة 1907م إنتهى العمل في هذا المشروع المهني الضخم وكان يضّم أربع منشآت متجاورة وهي :

المدرسة.

المستوصف الخيري.

الجامع المحاذي للمستوصف حيث تقوم بناية الإذاعة اللبنانية اليوم.

الحديقة المواجهة للمدرسة التي ما تزال موجودة إلى الآن.

وفي السنة المذكورة إفتتحت المدرسة بحفلة رسميّة توالى على الكلام فيها كل من الأعيان والعلماء:

عبد القادر أفندي الدّنا رئيس البلدية.

سعادتلو حسن أفندي بيهم، من شراف بيروت.

مكرمتلو عبد الرحمن أفندي سلام، من علماء الثغر.

رفعتلو أحمد أفندي اللبابيدي.

وكان مسك الختام لفضيلتلو عبد القادر أفندي النحّاس، نقيب الأشراف الذي ختم الإحتفال بالدعاء للسلطان أمير المؤمنين.