تنفست جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت الصعداء بعد نكستها الأولى التي تمثلت بموت مناصرها الرئيسي مدحت باشا والي سوريا بعد عزله ونقله إلى ولاية أزمير ومنها إلى الحجاز . ويقال إن السلطان عبد الحميد الثاني أرسل من أزهق روحه، وتمّ حل الجمعيّة وأتبعت لمجلس المعارف.

استأنفت الجمعيّة جهودها في نشر العلم وقد توجت هذه الجهود بإفتتاح المدرسة السلطانيِّة القائمة في محلة قبر الوالي، وهي اليوم (كلية البنات) التابعة لجمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت، يوم الجمعة 6 جمادي الآخر 1300هـ الموافق في العاشر من شهر نيسان 1883م. وكما تقول جريدة (ثمرات الفنون) الصادرة في بيروت في ذلك الوقت. (... فقيض الله تعالى ولله الحمد والشكر من مدّ لها يد العناية والإسعاف وهو صاحب الأبُّهة أحمد حمدي باشا، والينا الأفخم فتقرر إنشاؤها في محل المكتب (أي المدرسة باصطلاحنا اليوم) السلطاني حيث كان الموقع قريباً مرتفعاً بني لهذا المقصد الحسن... فأخذت شعبة المعارف وفي مقدمتها فضيلتلو العالم العلامة السيد عبد الله جمال الدين أفندي نائب بيروت رئيس الشعبة الأولى في إعداد اللوازم والأدوات. وجرى الإحتفال بافتتاح هذه المدرسة بحضور متصرف بيروت ومأموري العسكريّة والملكيّة والعلماء ووجوه البلد من جميع الطوئف، فتليت الخطب الفائقة من العربيّة والتركيّة والفرنسيّة بما يناسب الموضوع ويحضّ على تحصيل المعارف واللغات. وكانت الخطبة الأولى للشيخ أحمد عباس الأزهري، وكان هذا الشيخ العلامة من بين المولجين بإعطاء الدروس في المدرسة آنذاك.

وقد حضر حفلة الإفتتاح نصوحي بك أفندي متصرف بيروت آنذاك وكبار الموظفين العسكريين والمدنيين وأعيان البلد من مختلف الطوائف. وكان لإفتتاح هذه المدرسة في ذلك الحين صدى إرتياح وأمل كبير، ورنّة من الفرح الشعبي العميم.

◄المدرسة السلطانيِّة في عهدها الأول

بدأت المدرسة السلطانيّة عهدها الأول في عهدة نخبة فاضلة من العلماء الذين كانوا طليعة النهضة العلميّة الإسلاميّة في بيروت، فلقد أُسندت إداراتها للشيخ حسين الجسر علامة زمانه (والد العلامة الشيخ عبد الله النديم الجسر مفتي طرابلس والشمال ووالد شقيقه الشيخ محمد الجسر رئيس مجلس النواب اللبناني في عد الإنتداب الفرنسي) وعُيّن الشيخ أحمد عباس الأزهري ناظراً للسلوك مع التدريس فيها (وقد تركها فيما بعد وتولى رئاسة الكليّة العُثمانيّة الإسلاميّة التي أسسها بالتعاون مع الشيخ عبد القادر القبّاني الذي تولى تمويلها عند البداية).

◄النكسة الثانية

مرة أخرى تأثرت الجمعيّة عندما نقل المتصرف نصوحي بك أفندي والقاضي عبد الله جمال الدين إذ أن نعيم أفندي الذي بقي مأموراً للأوقاف الإسلاميّة استأنف دسائسه ضدها وتمكن من إقناع المسؤولين بأن يستبدلوا بأعضاء آخرين وأُبعد الأعضاء السابقون إلى وظائف خارج بيروت، فنقل حسن محرم من رئاسة كتَّاب مجلس إدارة المتصرفيّة إلى وظيفة قائمقام طولكرم بفلسطين، والشيخ سعيد الجندي المدعي العام لدى محكمة بيروت لمثل وظيفته في محكمة حماة، ومحمود رمضان من كتَّاب الديون العموميّة إلى رئاسة الديون في طرابلس الغرب وأحمد دريان معاون ترجمان المتصرفيّة إلى وظيفة مستنطق في حلب، ومحمد مصباح محرم رئيس كتَّاب محكمة بداية بيروت عيّن مدعياً عاماً في القدس، وكانت القدس آنذاك مرتبطة من الوجهة القضائيّة بسوريا، وكلف الشيخ عبد القادر القبّاني بوظيفة قائمقام صور ولكنه إعتذر واستقال من عضوية الشعبة.

وفيما يلي تفصيل هذا التبديل والتغيير والأسباب التي تذرعت بها الدولةلتبرير تصرفها كما ورد في جريدة (ثمرات الفنون) الصادرة في 28 رمضان 1302هـ تموز 1884م قالت الجريدة: ( ... بناء على ما بلغ أبهة الوالي الأفخم من وجود إختلاف بين أعضاء شعبة المعارف، أصدر أمره الكريم أن تكون في حكم الملغاة وأن يصير تشكيلها بقالب آخر مع تحديد وظائفها وصلاحيتها، بعد أن جرى إنتخاب الأعضاء للشعبة وجرى تصديق أبهته أصدرت التذاكر (المذكرات أو القرارات) من سعادة متصرف بيروت الأكرم نصوحي بك أفندي بتعيين الأفنديَّة الآتي بيان أسمائهم أعضاء لشعبة معارف بيروت وهم :

فضيلتلو مفتي أفندي (الشيخ عبد الباسط الفاخوري)

سعادتلو أحمد عزت بك أفندي العابد

عزتلو عمر أفندي الغزاوي

عزتلو عبد القادر أفندي الدّنا

عزتلو الأمير مصطفى أرسلان

عزتلو عبد القادر أفندي القبّاني

عزتلو حسن أفندي بيهم

رفعتلو محرم بك (مصباح أفندي)

رفعتلو مصطفى بك (مدير المكتب العسكري الرشدي)

والوجهاء :

الحاج إبراهيم أفندي الطيّارة

محمود أفندي درويش

محمود أفندي الخوجا

محمود أفندي رمضان

بديع أفندي اليافي

عثمان أفندي بيهم

أحمد أفندي دريان

الشيخ طه النصولي

أبو سليم أفندي المغربل